ما حقيقة الحرب في سورية.. وهل يتم بيع المرافئ لروسيا

الرأي

أسباب الحرب في سورية وما حقيقة العقود مع روسيا

ندى درغام

27 تشرين الثاني 2023

الحرب في سوريا لها العديد من الجوانب التي كانت وستظل موضع جدل كبير لكن الفيصل فيها هو خروج بعض الأطراف عن صمتهم وكشفهم لأشياء لم يكن من الممكن إثباتها لولا اعترافهم بها.

المؤامرة على سوريا

فرغم الآراء المتعارضة حول حقيقة ما حصل في سورية وسط وصف البعض لها بالمؤامرة ووصف البعض الآخر لها بالثورة جاءت تصريحات حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق لتؤكد بما لا يقبل الشك التدخلات الخارجية والتخطيط والتمويل الخارجي للأحداث في سورية مما يرجح تعرض سورية لمؤامرة كبرى، لكل من يريد معرفة الحقيقة وتبيان ما حدث بحيادية ودون أن يكون له أجنداته وتوجهاته وارتباطاته التي تدفعه لتكرار ما دأب على ترديده دون التفات لأي وقائع جدية جديدة.

فقد كشف حمد بن جاسم عن دور قطر في التحضير للأحداث في سورية منذ بدايتها، وبأن ما حصل فيها كان بدعم من قطر وعدد من الدول الأخرى، كما انه أورد في حديثه كيف كانت تصل الأسلحة إلى سورية عبر تركيا بالتنسيق مع القوات الأمريكية، إلى نهاية ما أفاض في شرحه عن سبب فشل مخططهم وتنازعهم فيما بينهم على ما أسماها بـ "الصيدة" أي سوريا.

ونورد هنا تصريح الرئيس السوري بشار الأسد عام 2016، ليس لاستخدامه كدليل بل للتبصر فيه وإسقاطه على ما سمعناه من حمد بن جاسم، حيث أكد الأسد حينها بأن رفض سوريا مد خط أنابيب اقترحته قطر هو أحد أسباب اندلاع الحرب في سوريا عام 2011.

استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا

وقد تخللت الحرب على سورية العديد من الأحداث ذات الوقع الخطير كاتهام الجيش السوري باستخدام السلاح الكيماوي عدة مرات وللمفارقة كان هذا الاستخدام يسبق كل جلسة لمجلس الأمن حول سورية، والذي أصبح ملفا تلاعبت به أمريكا وخلفها حلفاؤها الأوروبيون من تزوير التحقيقات والدلائل والتسويف والمماطلة بعيدا عن أي نزاهة يمكن الارتكاز على نتائجها ليتضح بالكثير من الفيديوهات التي تم تناقلها كيف كان استخدام السلاح الكيماوي مسرحيات أبطالها الخوذ البيضاء الذين أدوا دورهم في تمثيل مشاهد التعرض للكيماوي لاتهام الجيش السوري به إضافة إلى المعلومات المتناقلة عن تسليم بعض الجماعات المسلحة سلاحا كيماويا لاستخدامه واتهام الجيش السوري بتنفيذه.

الدور الأمريكي في الحرب على سوريا

ونورد هنا تصريحات السيناتور والطيار الامريكي السابق ريتشادر بلاك، عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية فرجينيا، حول ما أسماها الحرب الارهابية على سوريا ودور الولايات المتحدة والناتو فيها، والتي تحدث فيها أيضا عن استخدام الغاز ضد المدنيين في سوريا، كدليل إضافي على المؤامرة في سورية.

حيث أكد في كلمة خلال مؤتمر معهد شيللر العالمي في الولايات المتحدة عام 2021، بأن سوريا كانت ذات اقتصاد متوازن بشكل جيد، وأنتجت معظم سلعها الصناعية ووقودها ومنتجاتها الزراعية، وكانت تعاني من القليل فقط من الفقر وتتمتع بتجارة مزدهرة، وكانت دولة تتحمل مسؤولية التنمية الاقتصادية، وكانت نموذجا للدول العربية الأخرى وخاصة الدول التي ليس لها دستور على الإطلاق.

وكشف بأن القرار الأمريكي بالهجوم على سوريا لم يكن بسبب ما قالوا بأنه اتخاذ الرئيس الأسد لإجراءات صارمة ضد مثيري الشغب وليس بسبب ترديدهم بأن الأسد قتل شعبه بالغاز، بل إن قرار مهاجمة سوريا كان قبل أحداث 2011 بعشر سنوات، وكل ما قالوه مجرد حجج.

وذكَّر بأن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أمر البنتاغون عام 2001 بصياغة خطط للإطاحة بسبع دول في الشرق الأوسط، بدءا من العراق، ثم سوريا، ثم لبنان، وليبيا، والصومال، والسودان، وانتهاء بإيران، وفي عام 2006 وضعت السفارة الأمريكية في دمشق خططا مفصلة لزعزعة استقرار سوريا والإطاحة بها، وكان ذلك قبل وقت طويل من حدوث المظاهرات في سوريا.

وأضاف بأنه في عام 2011، خلال الربيع العربي، أرسل مركز الأنشطة الخاصة لوكالة المخابرات المركزية شديد السرية فرقا شبه عسكرية إلى الأراضي الخاضعة لسيادة سوريا، لتحديد وتدريب وتجهيز وقيادة الإرهابيين للإطاحة بالحكومة السورية.

وأشار إلى مزاعم إلقاء اللوم على الرئيس الأسد في هجمات غاز السارين التي قتلت مدنيين، متسائلا عن سبب عدم قيام أي مراسل بالتساؤل عن سبب استخدام الأسد للغاز ضد الأطفال ولما لا يستخدمه ضد جيوش الإرهابيين التي تهاجم العاصمة دمشق؟

ولفت إلى أن وزير الدفاع جيمس ماتيس في عام 2018، اعترف أن الولايات المتحدة ليس لديها دليل على أن الأسد استخدم غاز السارين، وسرعان ما تم اتهام عضوين في البرلمان التركي بالخيانة بعد أن كشفا عن لائحة اتهام جنائية أظهرت كيف تسللت خلية تابعة للقاعدة لتهريب 2.2 كيلوغرام من غاز السارين عبر الحدود من تركيا لاستخدامها في سوريا.

وبعد كل ذلك يأتي من يقول بأن ما جرى كان ثورة الشعب السوري على نظام الحكم في البلاد، وبأنها بدأت سلمية وبدون دعم خارجي، ليثبت حديث بن جاسم وغيره من السياسيين الأمريكيين والأوروبيين الكثير من التفاصيل التي تؤكد لكل من يريد الحقيقة ولا شيء سواها بأن ما جرى كان مؤامرة حقيقية.

التدخل الروسي في سوريا

ومثل تدخل القوات الروسية لمساندة الجيش السوري عنصرا حاسما في إفشال مخطط إسقاط سورية التي كان جيشها يقاتل من يزعمون بأنهم ثوار وهم المدعومون من أمريكا والناتو وتركيا وقطر وغيرهم من الدول، إضافة إلى قتال الجيش السوري مع تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من الفصائل الإرهابية، ليتم تحرير مساحات واسعة من الأراضي السورية وإعادتها لسلطة الدولة إن كان بالقتال أو بالمصالحات التي تقضي بخروج الإرهابيين والعناصر المتطرفة الذي لا يرغبون بوقف القتال.

الحصار الأمريكي على سوريا

وبعد انتهاء الجزء الأكبر من الحرب في سورية، بدأت الولايات المتحدة وحلفائها بتكتيك جديد شمل الحصار الاقتصادي الخانق والعقوبات الكبيرة ومن ضمنها قانون قيصر الذي عانى الشعب السوري منهم الويلات ليؤكد هذا الأمر أيضا بأن الحرب كلها لم تكن إلا لإسقاط سوريا الدولة وتدميرها مع شعبها، وإلا فما هدف تجويع شعب بأكمله بعد فشل تحقيق مخططهم بدعم المسلحين.

مزاعم بيع مرفأ طرطوس إلى روسيا

ورغم كل هذا فقد واصل البعض تسديد سهامه تجاه أي اتفاقات أو عقود تبرمها الحكومة السورية مع روسيا والعقد حول مرفأ طرطوس مثال على هذا، ويأتي الهجوم بزريعة أن النظام السوري يبيع أصول الدولة أو أنه يهب هذه الأصول كثمن لدعم روسيا له ولتسديد ديونه إليها، دون أن يكلف هذا البعض نفسه بالبحث عن حقيقة هذه العقود وماهيتها وأسبابها، ليتكلم بعدها عن فوائدها أو أضرارها بحيادية وواقعية كما يشاء.

فهذا العقد هو عقد استثمار بين مديرية مرفأ طرطوس وإحدى الشركات الروسية لـ ٤٩ عاما، ويتضمن منح الشركة الروسية كل معدات وأبنية المرفأ بشكل مجاني خلال هذه الفترة، وعلى الشركة الروسية إدارته وتشغيله وتوسعته وتحديثه وتطويره وتحمل نفقاته بدلا عن الدولة السورية وتحصل سورية على نسبة 35% من الإيرادات بغض النظر عن النفقات مقابل حصول الشركة الروسية على 65%.

فتحديث المرفأ وتوسعته وتطويره تتجاوز كلفته 500 مليون دولار وسيتضمن مضاعفة طاقته الإنتاجية وزيادة أعماق المرفأ ليسمح للسفن الكبيرة باستخدامه وتحديث بنيته التحتية التي أقل ما يقال عنها بأنها غير جيدة، وهذه التكلفة تفوق قدرة الدولة السورية التي تعاني العجز المالي.

وتكمن أهمية هذا العقد وغيره في إدراك كافة الظروف المحيطة وإسقاطها على أرض الواقع، فالدولة السورية تعاني ماديا واقتصاديا فهي عاجزة عن القيام بأي عمل يُحسِّن من أداءه، إضافة إلى أن هذا الاستثمار يمنح سورية الفرصة للالتفاف على العقوبات لكون المرفأ خلال هذه الفترة مستثمر من شركة روسية مما يتيح لبعض الدول التعامل معه دون الخشية من العقوبات الأمريكية، ودون أن ننسى البيروقراطية والروتين والفساد في سورية الذي يجعل من مثل هذا الاستثمار أنجح الأساليب في ضمان الربح دون تحمل الخسارة لبلد بظروف سورية، لتكون العوائد التي ستحصل عليها سورية من خلال نسبة 35% التي لا تعجب البعض أكبر من العوائد التي كانت تحصل عليها عندما كان بأكمله تحت إدارة الدولة.

ورغم كل ما يقال عن مساوئ هذا العقد أو غيره لكنه ببساطة هو المتاح أمام الظروف التي تشهدها سورية، وكي يكون الكلام مفيدا فهل هناك من شركة في العالم وافقت أن تأتي إلى سورية وتستثمر بأحد قطاعاتها بأفضل من هذه الشروط ورفضت الدولة السورية؟

وفي الختام فلم نسمع من كثير من الذين يتهمون الحكومة السورية ببيع المرفأ أو سواه إلى روسيا، يقول ولو مرة واحدة بأن الولايات المتحدة تحتل الأرض السورية وتسرق النفط والغاز والقمح كما يحلو لها ودون أن تعطي ليرة واحدة إلى الدولة السورية، فهل لو اتفقت سورية مع أمريكا على سبيل المثال على أن تستثمر أمريكا النفط والغاز والقمح شرق الفرات بذات شروط العقد مع روسيا، أكان هؤلاء سيقومون بذات التعليق والهجوم وكيل التهم على الاستثمار مع شركة روسية! 

ملاحظة: الٓاراء السياسية الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف "النهضة نيوز"