معطيات هامة يجب التوقف عندها.. ماذا كشفت لنا حرب غزة

الرأي

الحرب على غزة تكشف عن معطيات هامة يجب التوقف عندها

ندى درغام

30 تشرين الأول 2023

كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عددا من المعطيات الهامة التي لا بد لنا من التوقف عندها، من أبطال حقيقيين لم يحملوا سلاحا، إلى تثبيت الرواية التاريخية لحقيقة اغتصاب فلسطين، وصولا لنقض بعض المواقف الغريبة التي تثير مع التساؤلات الكثير من الشبهات.

ومن أبرز معطيات هذه الحرب ما أظهرته الطواقم الطبية في غزة من إنسانية لا مثيل لها، وصمود فاق التصور، وجرأة قلَّ نظيرها، لتشهد لهم أفعالهم وطريقة تعاملهم التي يصعب تصديقها رغم القصف والتهديد بالموت، على أنهم أشباه الملائكة على الأرض.

وكذلك الصحفيون في غزة الذين يستحقون كل التحية والتقدير على شجاعتهم اللافتة وصمودهم المدهش وصبرهم اللامحدود في تغطيتهم لحرب إجرامية قد يدفعون حياتهم ثمنا لها، كما دفعها العديد من زملائهم، وتنحني الهامات لصحفيين فقدوا عائلاتهم بالقصف الإسرائيلي وعضوا على الجراح وواصلوا التغطية، ليكون الصحفي وائل الدحدوح مثالا لصلابة الرجال في أصعب المواقف بعد خروجه على الهواء لتغطية الأحداث في غزة بعد ساعات من استشهاد عدد من أفراد عائلته من بينهم زوجته وأولاده، دون أن يثنيه هذا المصاب من استكمال ما رأى بأنه طريق الحق الذي قدم لأجله أفراد أسرته شهداء.

ومن جانب آخر لا يمكن أن ننسى فتى غزة الصغير عبد الرحمن بطاح المعروف باسم عبود، والمصرُّ على نقل هذا العدوان بطريقة ساخرة وطريفة رغم هول المأساة وفظاعتها، ليكون دليلا على أن نهج التدمير والقتل لا يمكن أن يُخمد وهج الضحكة الفلسطينية.

وأيضا وأيضا.. جاء هذا الزمن الذي جعلنا نشاهد بأم العين صمود الفلسطينيين في أرضهم رغم التوحش في التدمير والقتل لندرك الآن بأن الفلسطينيين لم يبيعوا أرضهم يوما، كما يحلو للبعض التنظير لهذه الافتراءات، تأكدنا اليوم وفي هذه الحرب بأنهم لم يبيعوا أرضهم أبدا، لكنهم هم الذين تم خذلانهم وبيعهم مع فلسطين.

وإلى من يهوى توجيه الانتقادات وخلق المشاكل وإذكاء الحساسيات في لبنان، اثبتوا على موقف واضح تكونون مسؤولين عنه ولو لمرة واحدة فقط، كثرت أقوالكم بأن حزب الله لن يحمي أطفال غزة ولن يحارب لأجلهم، لكن هذه الحرب إن فرضت على لبنان ودخل فيها الحزب فستسارعون لاتهامه بتدمير لبنان، فلا خلاص من اتهاماتكم في الحالتين، فكل العجب لهذا النوع من البشر وما يمكن أن يكون تصنيفهم لبنانيا، وقد أصابتنا الحيرة منهم، فإن لم تدخل المقاومة في الحرب استغلوا مآسي غزة لكيل التهم لها لعدم الدخول وكأنهم يريدون الحرب، فإن دخلت المقاومة فيها سيقولون حتما قد دمر الحزب لبنان.

ومن هنا فإن المفترض بنا كلبنانيين ومهما بلغ الانقسام والاختلاف بيننا داخليا، أن نكون صفا واحدا في وجه أي عدو خارجي، فمن المعيب ما نسمعه عن وصف شهداء حزب الله في مواجهة العدو الإسرائيلي بالقتلى، فهؤلاء قدموا أرواحهم ودمائهم على حدود لبنان، فإن لم يكونوا شهداء فمن هو الشهيد، ولمن يتحدثون عن حزب الله بأنه لم يفعل شيئا فهم يعلمون بأنه قدَّم أكثر من 60 شهيدا على الحدود اللبنانية، فماذا قدمتم أنتم ولم نرى لكم موقفا حتى بتجمع مع علم فلسطين أو اعتصام احتجاجي ضد ما يتم في غزة من جرائم ولا شيء منكم إلا التنظير واتهام الآخرين.

وهذا يدفعني لتوجيه سؤال جوهري لهؤلاء الذين دأبوا بالمطالبة بنزع سلاح حزب الله الموجه نحو إسرائيل والذي لا يمكن استخدامه داخليا، فلو أتى فصيل فلسطيني وأطلق في هذه الحرب صاروخا من لبنان إلى فلسطين المحتلة، فماذا ستكون ردة الفعل الإسرائيلية لو أن حزب الله لا يمتلك الأسلحة التي يهدد ويردع بها هذا العدو؟ لعل جواب هذا السؤال يجد مساحة من تفكير الجميع.

لنصل إلى بعض الإعلاميين العرب وخاصة اللبنانيين منهم، الذين نجد في كلامهم نسخة لا يمكن تمييزها عن الإسرائيلي، فماذا يمكن أن يُقال لهؤلاء!! وما هو التصنيف الذي يمكن أن نضعهم به؟

وأخيرا تأتي النقطة الأهم، بأن هذه الحرب قد أثبتت بأن هذا الغرب بقياداته السياسية والإعلامية وغيرها، والذي خدع الكثيرين بادعاءات الإنسانية وحرية التعبير، قد أقدم على دعم إسرائيل لمواصلة قتل الأطفال في غزة، وتبين لنا انعدام حرية التعبير لديهم حينما قمعوا أي صوت ينصر الفلسطينيين أو يحتج لاستمرار إبادتهم، وحين رأينا كم لفقوا واخترعوا الأكاذيب لتشويه صورة المقاومة وإخفاء الإرهاب الإسرائيلي، فقد أثبتوا بما لا يقبل التشكيك بأنهم عديمو الإنسانية ويمتهنون ازدواجية المعايير، فلما لم يتعاملوا بحرب غزة كما تعاملوا بحرب أوكرانيا؟ فكل شعاراتهم واهية ويمتهنون استغلالها كما حقوق الإنسان لخدمة أهدافهم ومصالحهم فقط، يرفعوها متى أرادوا ويُسقطوها متى أرادوا، لكنهم في غزة سقطوا وسقط أي دفاع عنهم إلى الأبد. 

ملاحظة: الٓاراء السياسية الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف "النهضة نيوز"