لبنان ثورة تشرين

الرأي

لبنان.. من "ثورة الواتسآب" إلى انفجار المرفأ وداعش: لا شيء يحدث صدفة

يوسف فارس

28 أيلول 2020

كان يوسف إدريس، وهو كاتب مصري شهير، يردد مقولة: "لا شيء في السياسة يحدث صدفة"، هو كان يرى أن الأحداث التي تبدو متباعدة في الإطار الزماني، أو المكاني، هي مترابطة بشكل أو بآخر، وهي ربما افتعلت بجهد مخابراتي، أو حدثت صدفة، وستجير بفعل سياسي للوصول إلى هدف ما!

في حرب أكتوبر عام 1973، كان المصريون يحققون انتصاراً نسبياً على دولة الاحتلال، حوله الإسرائيليون "بقدرة قادر" إلى انتصار، أفضى إلي توقيع أول اتفاقية سلام مع أكبر بلد عربي وزناً وحضارة وتاريخاً وحجماً سياسياً.

كانت المهمة في سبر أغوار المؤامرة التي حيكت في تلك الحرب، صعبة، ويلزمها الكثير من الجرأة، خصوصاً إن حرباً كتلك، عمدت بدماء وبطولة الجيش المصري، ويبدو من الجرأة التشكيك في شفافية أحد في منظومة كانت تحارب بتلك البسالة، لكن في لبنان، يبدو الأمر مغايراً.

منذ فاز حزب الله في الأغلبية الكبرى في التشكيل النيابي، كان ملاحظاً أن الطريق أمامه لن تكون مفروشة بالورود، ولا حتى بالرمال!، كان هناك من لا يروق له أن يدخل حزب الله المنظومة السياسية في لبنان، وكان يراد لكل الحروب التي يمكن أن يخوضها الحزب مع "إسرائيل" أن تنتهي في أحسن الأحوال بقرار مثل 1701، أي بانتصار في الميدان وهزيمة في السياسة.

وبعيداً عن الغرق في التفاصيل، تشير جملة من الأحداث التي شهدها الميدان اللبناني مؤخراً، منذ فرضت وزارة الاتصالات التعلية على خدمة "واتسآب" وما تبعها من انفجار "الثورة اللبنانية"، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، وليس ختاماً بتفريخ "داعش" في شمال لبنان، إلى أن كل ما يجري هو أجزاء في لوحة كلية، هدفها اخراج حزب الله من الحكومة، وأيضاً، العودة إلى التطبيق الفعلي لاتفاق الطائف، والذي كان أبرز بند فيه هو تطبيق: " القرارين 1559 و 1680 بما فيها تجريد كل الجماعات اللبنانية من سلاحها وعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة."

واليوم، يبدي المكون الشيعي في لبنان وعياً بما هو مقبل عليه، من محاولة اقصاء تضغط باتجاهها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وأجبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للخروج من ثوب الصداقة الذي لبسه حينما سوق نفسه في لبنان، للظهور بمظهر الوصي صاحب العصا الغليظة، يسوقنا كل ذلك إلى جملة من الاستنتاجات:

1- استغلت الأطراف الخارجية الانتفاضة اللبنانية ودفعت الحريري للاستقالة، لإدخال البلاد في فراغ سياسي بعيد المدى.

2- كان من المقرر أن يتم توجيه الغضب الجماهيري لدفع حزب الله للاصطدام مع الشارع

3- فرغ الحراك الثوري اللبناني من عماد تأثيره وهو الحياد، وأصبحت ثورة تشرين بشكلها النهائي، أداة في يد أحزاب وطوائف مناوئة لحزب الله، ما حد من قدرتها على التغيير في المشهد.

4- شكل حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر، حكومة الرئيس حسان دياب، وفشلت الأخيرة أو أفشلت، في مواجهة كل تلك التحديات، وأيضاً، لم تستطع احداث خرق في مكافحة الفساد، ولا في استقدام تمويل خارجي للبلاد، والأكثر خطورة من ما سبق، أنه وفي عهد حكومة دياب، وصل التلاعب بالليرة اللبنانية وتهريب المليارات للخارج إلى ذروته، وصولاً إلى اسقاط حكومة دياب بالضربة القاضية التي شكلها "انفجار المرفأ"، وتحملت الحكومة المسؤولية عنه، حاولت عديد القوى الزج باسم حزب الله فيه أيضاً.

5- فتح انفجار المرفأ، وبعيداً عن الجدل في فرضية أن يكون مفتعل، وهي ليست مستبعدة بالمناسبة، الباب أمام عهد جديد من التدخل الأجنبي المباشر في الشؤون الداخلية، تدخل مغاير للطريقة التي كانت تعمل فيها أمريكا كضابط إيقاع، جاء ماكرون، وقرر أن يصبح "المياسترو" أو المرشد، أو "الوصي".

6- حاول ماكرون استخدام أساليب أجداده الغزاة، من الحروب الناعمة واستجرار تعاطف الجمهور، على عدة مستويات، إحداها كان مع حزب الله، إذ أقدم على مغازلته، والدفاع عنه ولو بشكل ضمني، ما أفضى إلى حدوث مواجهة محدودة بين باريس وواشنطن، وقع الرئيس الفرنسي في تحت هول الضغوط الأمريكية وعدل لغة الخطاب، مستعيراّ مفردات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والملك السعودي، ذاتها في وصف حزب الله، بالميليشيا التي تستقوي على الداخل بالسلاح!

7- فشلت القوى النيابية اللبنانية في امتحان تشكيل الحكومة، أو أفشلت، المعركة بدأت الآن

وبعد استعراض كل ما سبق، وبالعودة إلى نظرية يوسف إدريس التي تحدثنا عنها أعلاه، فإنه لا شيء حدث صدفة، وعليه، وبالاستناد إلى التحليل، فإن لبنان مقبل على جملة من السيناريوهات:

- كل ما جرى أعلاه، دعم بخطاب (جماهيري) ورسمي، تم فيه التصويب على حزب الله بشكل أو بآخر، ومارست تلك القوى ضغوطات لا مثيل لها على الحزب وبيئته الحاضنة.

- انفجار مرفأ بيروت في أحسن الأحوال، جرى استغلاله كما ولو أنه مفتعل بحق، إذ إن فقدان لبنان للدور الاقتصادي الذي يمثله هذا المرفأ الحيوي، يعني ادخال البلاد بمزيد من الافقار، الذي يستخدم أداة للإخضاع والهيمنة.

- لم تنجح حكومة مصطفى أديب، لأن الرئيس الفرنسي اصطدم بفيتو أمريكي على دخول حزب الله فيها.

خلاصة: صار لزاماً على اللبنانيين أن يتجهزوا لأزمات طويلة الأمد، حالة الافقار ستزداد مستقبلاً، الليرة اللبنانية ستنهار بدون حدود، والفراغ السياسي سيستمر، والتمويل سيبقى متعذراً، الذين يمتلكوا أملاً، يؤجلوه إلى العام المقبل، حيث نتائج الانتخابات الأمريكية التي تزيد فرص جو بايدن فيها، لكن هذا الأمل، يبقى معلقاً بسياسيات هذا الأخير تجاه لبنان.

النهضة نيوز - بيروت

ملاحظة: الٓاراء السياسية الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف "النهضة نيوز"