حاز فيلم "بلاتفورم" الإسباني على اهتمام المتابعين، إذ تصدر الحديث عنه مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفوه بأنه "حفرة" تجمع العالم كله في داخلها، وهي مفرطة في الطبقية والعنصرية.
وصدر فليم "بلاتفورم" في نوفمبر من العام 2020، وهو من اخراج جالدير جازتيلو وروتيا، حيث قام الفيلم على حدث يبدأ من مائدة طعام، ثم تطور الصراع في الأحداث إلى أن اختزلت هذه المائدة كل معالم البشاعة في العام الخارجي.
ولا يخلو الفيلم من بصمة الخيال والتراجيديا الإسبانية المعروفة، لكن الفيلم بجله يقدم معالم بشرية تعبر عن الطبقية في أحد مستوياتها.
ويقدم الفيلم نظرية إيفان بافلوف النفسية التي لا تعترف بالحدود بين المجتمعات والبشر، وهي تعد واحدة من النظريات الأكثر عمومية، ويبدأ "بلاتفورم"، بالحديث عن النظرية وهي مسلمة من وجهة نظر العلماء، تم تبدأ حفرة المجتمع في اثباتها بتجسيد قانون التعلم بالتجويع، الذي يعتمد على التكنيك العصبي في جسم الإنسان.
ومن الملاحظ أن "كلب بافلوف" الذي أجريت عليه التجربة الشهيرة يحضر في تجارب حفرة "بلاتفورم"، حيث يتحول البشر في الحفرة إلى كلاب تجارب، حيث يتعرض السجناء في الحفرة لضغط هائل، ويتم التجويع بناءً على أسس علمية تتحكم في الجهاز العصبي.
وتبدو العجائبية في صناعة هذا الفيلم بكونه يمثل نقطة التقاء هائلة لجملة من العلوم، أبرزها الاجتماع والتكنولوجيا والأحياء والعلوم، وهنا تتفاعل الكاميرا مع كل تلك المكونات، فهي تراقب حركة الجياع، وتأثر الجهاز العصبي من الجوع الذي تسبب فيه بأجسادهم.
ويلاحظ من خلال التأمل في فيلم الحفرة الإسبانية، أن الجمهور ينجذب إلى المدارس السلوكية، التي تثبت تفوقها في جذب اهتمام الجمهور وسط فيض الإنتاج السينمائي الهائل الذي يقدم إلى العالم يومياً.
الاحداث في فيلم بلاتفورم تجري في مكان رسمت ملامحه وتفاصيله خصيصاً لإنتاج الفيلم، حيث لا يوجد مكان كهذا في العالم الواقعي، ويعطي الفرد في هذا الفيلم، الحق في الاختيار، لكن الاختيار الوحيد المتاح لديه هو النزول إلى الأسفل.
ويكون الجوع في الفيلم هو الحافز الوحيد لتحرك الأشخاص، حيث الهدف نحدر إلى أدنى مستويات هرم ماسلو للحاجات.
ويتبدى في أحداث الفيلم كيف يقود الجوع إلى الكفر بالقيم والمبادئ وقواعد السلوك المثلى، وكيف يقود السجناء إلى الجنون والغضب ثم إلى الموت، وينتهي مسلسل الجوع بمعادلة واحدة لا ثاني لها، فإما أن يأكلك زملاءك البشر، وإما أن تأكلهم.
فمثلاً، يدور الحديث بين سجين وزميله في ذات الزنزانة، يقنع الأول الثاني بأكله، والحجة هنا واضحة، فأن يقضي الموت على واحد، أفضل من أن يفترس الإثنين، وهنا، سيكون السجين أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يكون صياد أو فريسة، وإما أن يكون الاثنين معاً في لحظة ما.
فيلم الحفرة
وفقاً للمراجعات التي أجريت على الفيلم، فهو متوفر في دور السينما الإسبانية، لكن مشاهدته دفعة واحدة، تسبب أذى نفسي وشعوري حاد للمتفرج، غير أن تقسيطه على دفعات عبر موقع "نتفلكيس" يخفف من وطأته.
المفاجئ في احداث الفيلم، هو أن الجوع لا يلغي المفاضلة بين البشر، حيث اللحظات الأخيرة تكون شاهدة على استعراض مقزز للأمراض النفسية، إذ يدعي أحد السجناء أنه أكثر فضيلة من فريسته التي ستدخل أحشاءه بعد قليل، ومكمن التفضل في أن القاتل يخبر قتيله بالطريقة التي سيأكله بها، وتتجلى المفارقة المثيرة أكثر حينما يتجادل قاتلان، ويتبارزان في استعراض القيم والمبادئ، وادعاء التحضر، فطريقة افتراس البشر، هنا، موطن للمبارزة في الفضيلة والحضارة بين القتلة.
كاتب الفيلم ومخرجه، يمرران جملة من التطاحنات البشرية التي يشهدها المجتمع البشري، إذ يحضر القاتل الذي يمسك سكيناً في مقابل الجائع الذي يحمل كتاباً، يظهر هنا النبي وقاتله، لكن المفارقة أن الجياع لا يستطيعون تمييز الحروف.
سجينان واحد يحمل سكينا وآخر يحمل كتابا.. سمي الثاني النبي، والصراع بينهما على أشده.. من سينتصر في ظل عدوانية الطبيعة البشرية؟ تبين التجربة أن النبي المسلح وحده ينتصر. جاع النبي الأعزل في الفيلم فصار يأكل أوراق كتابه.
النهضة نيوز - خاص