طوّر علماء من جامعة تكساس A&M موادا "حية" قادرة على تحويل غبار المريخ إلى هياكل إنشائية باستخدام أشنات اصطناعية، مما قد يلغي الحاجة لنقل مواد البناء من الأرض.
حلم استيطان البشر للكوكب الأحمر
لطالما راود حلم العيش على المريخ خيال العلماء والخيال العلمي على حد سواء، ومع تعدد المهمات الناجحة التي أُرسلت إلى الكوكب على مدار العقود الخمسة الماضية، أصبح تحقيق هذا الحلم أقرب من أي وقت مضى، غير أن التحديات لا تزال قائمة، وأبرزها يتمثل في كيفية بناء منشآت سكنية في بيئة قاحلة ومعزولة مثل المريخ.
نظرا للتكاليف الباهظة لنقل مواد البناء الثقيلة من الأرض، فإن الحل الأمثل يتمثل في الاستفادة من الموارد المحلية على الكوكب، وهنا برزت فكرة الباحثة الدكتورة كونغروي غريس جين من جامعة تكساس A&M، بالتعاون مع جامعة نبراسكا-لينكولن.
بناء المواد من الكوكب نفسه
قضت جين سنوات في دراسة إمكانية تطوير "مواد حية" مصنوعة عبر التصنيع البيولوجي، وقد أثمرت جهودها في تطوير نظام أشنات اصطناعية قادر على إنتاج مواد البناء ذاتيا، دون تدخل بشري مباشر
وبدعم من برنامج NASA Innovative Advanced Concepts، نُشرت نتائج البحث في مجلة Journal of Manufacturing Science and Engineering، وتركّز الدراسة على استخدام "الريغوليث" المريخي (مزيج من الغبار والرمل والصخور) في عمليات البناء عبر هذه التكنولوجيا الحيوية.
ثورة في البناء خارج الأرض
يعتمد هذا الابتكار على محاكاة بنية الأشنات الطبيعية، حيث يتم دمج أنواع مختلفة من الكائنات الحية الدقيقة لتكوين مواد بناء حيوية، من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد، يمكن تشكيل الطوب والمنازل والأثاث، باستخدام الحد الأدنى من الموارد المتوفرة على المريخ.
وقد جرى اختبار تقنيات بديلة من قبل باحثين آخرين، مثل ربط التربة المريخية بالمغنيسيوم أو الكبريت أو البوليمرات الجيوكيميائية، لكنها جميعًا تعتمد على تدخل بشري مباشر، وهو أمر غير عملي نظرا لقلة عدد السكان المحتملين على المريخ.
تكنولوجيا ذاتية بالكامل دون تدخل خارجي
من أبرز ما يميز هذا النظام الجديد أنه لا يتطلب تغذية خارجية أو مراقبة مستمرة، بفضل تصميمه على شكل مجتمع اصطناعي متعدد الأنواع، فبدلاً من الاعتماد على نوع واحد من الكائنات الدقيقة، يجمع النظام بين:
فطريات خيطية غيرية التغذية: تنتج مواد رابطة وتقاوم الظروف القاسية.
بكتيريا زرقاء ضوئية (سيانوبكتيريا): تقوم بعملية التمثيل الضوئي لتوليد الأكسجين والمواد الغذائية الضرورية للفطريات.
تعمل هذه المكونات في تكامل مذهل، حيث تثبّت الفطريات المعادن وتعمل كنقاط انطلاق لتكوين المعادن الحيوية، بينما توفر البكتيريا العناصر اللازمة لنموها واستمراريتها.
كيف تعمل هذه الأشنات الاصطناعية؟
البكتيريا الزرقاء تثبت ثاني أكسيد الكربون والنيتروجين وتحولها إلى أكسجين ومغذيات.
الفطريات تمتص المعادن من التربة وتُنتج معادن حيوية ترتبط بحبيبات التربة.
كلا النوعين يفرز بوليمرات حيوية تعزز التصاق وتماسك ذرات تربة المريخ، مكوّنةً جسما صلبا يمكن استخدامه في البناء.
والأهم من ذلك أن النظام يحتاج فقط إلى:
تربة مريخية محاكية (regolith simulant)
هواء
ضوء
وسط سائل غير عضوي
طوب ينمو من تلقاء نفسه
صرّحت الدكتورة جين قائلة: "إمكانية استخدام هذه التكنولوجيا ذاتية النمو في تمكين الاستكشاف والاستيطان طويل الأمد خارج الأرض تُعد خطوة جبّارة نحو المستقبل."
في المرحلة المقبلة، يعمل الفريق على تحويل تربة المريخ إلى "حبر حيوي" للطباعة ثلاثية الأبعاد، في تقنية تُعرف بـ"الطباعة المباشرة بالحبر"، بهدف إنتاج هياكل سكنية ومفروشات وحتى وحدات طاقة قابلة للإنشاء محليا على المريخ.