لم تقتصر جهود إسرائيل لضرب اتصالات "حزب الله" على أجهزة النداء والاتصالات اللاسلكية المفخخة، بل لجأت إلى استخدام وسيلة أخرى أقل دموية ولكنها تسببت في حالة من الفوضى لدى السكان المدنيين في لبنان وحتى داخل حدودها.
فمنذ اندلاع الحرب في غزة، استخدمت القوات الإسرائيلية أسلوبا يُعرف بـ"التشويش على GPS"، الذي يهدف إلى خداع الصواريخ والذخائر التي تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للوصول إلى أهدافها.
ورغم أن هذه الخطوة قد ساعدت في إبعاد بعض الهجمات الجوية، إلا أنها تسببت في اضطراب شديد لحياة المدنيين اليومية، حيث أصبحت خدمات الملاحة على الأجهزة الذكية غير متاحة، كما تم تعطيل البنية التحتية المدنية المهمة والطائرات التجارية وحتى تطبيقات المواعدة وخدمات توصيل الطعام.
وأدى هذا الوضع إلى عودة بعض الإسرائيليين إلى استخدام الخرائط الورقية كحل تقليدي للاضطرابات الرقمية.
يعد نظام GPS واحدا من أبرز التطورات التكنولوجية في العقود الأخيرة، وقد جعل التنقل باستخدام الهواتف الذكية سهلا وأتاح استخدام التطبيقات مثل خدمات المواعدة، وتوصيل الركاب، والطعام بشكل يومي، ولكن هذه التطبيقات لم تعد تعمل بشكل صحيح، في أجزاء واسعة من الشرق الأوسط في الوقت الحالي.
فمثلا، في مدينة حيفا، قد تكون واقفا في الحي الألماني أو تتجول في حدائق جبل الكرمل، ولكن تطبيقات الملاحة على هاتفك ستخبرك أنك في مكان يبعد مئات الكيلومترات، وتحديدا على مدرج مطار بيروت الدولي، وهذه النقطة قد اختارتها إسرائيل كموقع لخداع أجهزة GPS.
ما هو التشويش على GPS؟
يعتمد التشويش على GPS على خداع الجهاز (سواء كان هاتفا محمولا أو صاروخا في الحروب) ليظن أنه في مكان مختلف تماما، ولا يعني ذلك حجب الإشارة، بل التلاعب بها.
حيث تعمل الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض على إرسال إشارات تحتوي على معلومات عن الموقع والوقت، وتستخدمها أجهزة استقبال GPS لحساب موقعها، لكن تلك الإشارات يمكن أن تتعرض للتشويش، وبالتالي يتم تضليل الأجهزة.
وبحسب البروفيسور تود همفريز من جامعة تكساس، فإن "الإشارات التي ترسلها أقمار GPS لا تحتوي على تشفير أو مصادقة مدمجة"، "لهذا يمكن تقليد تلك الإشارات وبثها من مكان آخر."
وأثبت بحث أجرته جامعة تكساس أن أحد مصادر التشويش يقع في مطار عين شمير بشمال إسرائيل، ورغم أن إسرائيل أنكرت في البداية مسؤوليتها عن هذا التشويش بسبب مخاطر العملية، إلا أنها اعترفت في النهاية وأطلقت عليها اسم "التشويش على GPS".
هدف إسرائيل من التشويش على GPS
يعيش الكيان الإسرائيلي حلة تأهب قصوى بسبب الهجمات المتوقعة من إيران وحزب الله اللبناني، ويعتبر التشويش على GPS واحدا من وسائل الدفاع ضد أي أسلحة موجهة تعتمد على هذا النظام.
وأوضح همفريز ذلك بالقول: "إذا اخترت بين تشويش الإشارة وخداعها، فإن الخداع يعتبر دفاعا أكثر فعالية."
تأثيرات التشويش على GPS
إن الاضطرابات التي تحدث في نظام GPS، ليست فقط مسألة إزعاج للأفراد، لكنها أيضا تشكل خطرا على السلامة، فالطائرات تعتمد بشكل كبير على البيانات الدقيقة لنظام GPS لتحديد موقعها وارتفاعها، وعندما يتم توجيه إشارات غير صحيحة، تبدأ أجهزة الاستشعار في إصدار إنذارات، ما يضع الطيارين في مواقف خطيرة.
ففي مارس/ آذار، اضطرت رحلة تابعة للخطوط الجوية التركية إلى بيروت إلى العودة إلى تركيا بعد أن عجزت عن الهبوط بسبب التشويش على GPS، فيما اضطرت الرحلات الجوية في الأردن إلى استخدام أنظمة ملاحة بديلة.
وفي يوليو/ تموز، قدم لبنان شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات بشأن التشويش الإسرائيلي الذي أثر على الطائرات التي تعبر البحر الأبيض المتوسط.
وإلى جانب التأثيرات على الطيران، يؤثر التشويش على الحركة البحرية والبرية أيضا، وفي لبنان، يعاني العاملون في خدمات الطوارئ من صعوبة في الاستجابة لحرائق الغابات والطوارئ الطبية بسبب هذه الاضطرابات.
كما تأثر الناس في لبنان كما في الكيان الإسرائيلي في حياتهم اليومية، بالأعطال في تطبيقات توصيل الطعام والتطبيقات الأخرى التي تعتمد على GPS، كما تعرضت الطائرات بدون طيار المستخدمة لأغراض التصوير لحوادث نتيجة التشويش.
وبينت جنيفر باركر، الخبيرة في الأمن القومي من الجامعة الوطنية الأسترالية، بأن "إسرائيل تضع إشعارات عن هذا التشويش، لكن ذلك لا يلغي خطورة الاعتماد المفرط على GPS في مجتمعنا الحديث".