رصد العلماء في أعماق صدع عفار بإثيوبيا نبضات دورية من صخور المانتل المنصهرة – نبض جيولوجي قوي بما يكفي لتقليص سماكة القشرة الأرضية، وتمزيق القارة الإفريقية، وبداية تشكل حوض محيط جديد.
تحمل هذه النبضات توقيعات كيميائية فريدة داخل الصخور البركانية، تعمل كرموز شريطية (باركود) تقرأ "نبض" الأرض الخفي، يتغير إيقاع هذه النبضات بحسب حركة الصفائح التكتونية وسمكها وسرعة تباعدها، مما يربط مباشرة بين أعماق الأرض والنشاط البركاني والزلزالي السطحي.
نبض المانتل: اكتشاف غير مسبوق
تمكّن فريق من علماء الأرض من جامعة ساوثهامبتون من رصد نبضات منتظمة لصخور المانتل المنصهرة، تتصاعد من أعماق الأرض تحت منطقة عفار، هذه النبضات العميقة لا تمثّل مجرد ظاهرة جيولوجية، بل قد تكون القوة الخفية وراء تفكك القارات وولادة المحيطات.
وقد نُشر هذا الاكتشاف في مجلة Nature Geoscience، وهو يسلّط الضوء على واحدة من أكثر المناطق الجيولوجية نشاطًا على سطح الأرض.
الصفائح تتمدد والقشرة تتصدع
في منطقة عفار، تتباعد الصفائح التكتونية ببطء، مما يسبب ترقّق القشرة الأرضية، تمامًا كما يتمدد العجين عند شده، هذا الترقق يؤدي في نهاية المطاف إلى تشققات في القشرة، وهو ما يفتح المجال لتشكّل حوض محيط جديد.
الدكتورة إيما واتس، المؤلفة الرئيسية للدراسة، قالت: "اكتشفنا أن المانتل تحت عفار ليس ثابتا أو موحدا، بل ينبض، وهذه النبضات تحمل توقيعات كيميائية مميزة، ويتم توجيه هذه النبضات الصاعدة من المانتل بواسطة حركة الصفائح التكتونية أعلاها، مما يكشف علاقة وثيقة بين داخل الأرض وسطحها."
بصمات كيميائية تثبت نبض الأرض
قام الباحثون بجمع أكثر من 130 عينة من الصخور البركانية في منطقة عفار وصدع إثيوبيا الرئيسي. باستخدام هذه العينات، إلى جانب بيانات إضافية ونماذج إحصائية متقدمة، تم تحليل بنية القشرة والمانتل والمواد المنصهرة داخلهما.
النتائج كشفت عن وجود عامود مانتل غير متماثل تحت عفار، يتميز بشرائط كيميائية مكررة مثل رموز الباركود. تختلف المسافات بين هذه الشرائط بحسب ظروف التكتونية في كل فرع من فروع الصدع.
أوضح البروفيسور توم جيرنون، المشارك في الدراسة:
"تشير هذه الشرائط الكيميائية إلى أن العامود المانتي ينبض مثل نبض القلب، وتتصرف هذه النبضات بشكل مختلف حسب سماكة الصفيحة وسرعة انفصالها، ففي صدوع التمدد الأسرع مثل البحر الأحمر، تنتقل النبضات بشكل أكثر انتظاما، تماما كما يمر النبض في شريان ضيق."
تداعيات على الزلازل والبراكين
أظهر البحث أن أعمدة المانتل تحت عفار ليست ثابتة بل ديناميكية، وتتفاعل مع الصفائح التكتونية أعلاها.
قال الدكتور ديريك كير، المشارك في الدراسة: "وجدنا أن تطور أعمدة المانتل العميقة مرتبط مباشرة بحركة الصفائح التكتونية فوقها. وهذا له تأثير عميق على فهمنا للنشاط البركاني، والهزات الأرضية، وانفصال القارات."
وأضاف: "يمكن أن تساعد أعمدة المانتل على تركيز النشاط البركاني في المناطق التي تكون فيها القشرة أضعف أو أرق، ما يفسر تكرار الثورات البركانية في مواقع محددة.
شارك في هذا المشروع العلمي الضخم باحثون من عشر مؤسسات دولية، منها: جامعة ساوثهامبتون، جامعة سوانسي، جامعة لانكستر، جامعتي فلورنسا وبيزا، مركز GEOMAR الألماني، معهد دبلن للدراسات المتقدمة، جامعة أديس أبابا، ومركز GFZ الألماني لعلوم الأرض.
اختتمت الدكتورة إيما واتس حديثها بالقول: "العمل مع باحثين من تخصصات متعددة أمر أساسي لفهم العمليات الجيولوجية المعقدة تحت سطح الأرض وربطها بالنشاط البركاني المعاصر. فدون هذه الشراكة متعددة الزوايا، يصبح من الصعب تجميع الصورة الكاملة."