تتخذ باكستان خطوات متسارعة نحو تقنين واعتماد العملات الرقمية والأصول الافتراضية على المستوى الرسمي، وقد وافق مجلس الوزراء مؤخرا على إنشاء "هيئة تنظيم الأصول الافتراضية الباكستانية"، التي ستتولى مهام الترخيص والرقابة والإشراف على مزودي خدمات الأصول الرقمية، بما يتماشى مع المعايير الدولية التي حددتها مجموعة العمل المالي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ووصفت وزارة المالية هذه الخطوة بأنها "محورية" في تأسيس إطار قانوني ومؤسسي شامل لهذا القطاع الرقمي المتنامي في البلاد.
لكن تفاصيل هذا الإطار لا تزال غير واضحة، بينما ينتظر المستثمرون توضيح السياسات التي ستؤثر مباشرة على استثماراتهم.
تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء التحول الرقمي
ورغم الطابع الرسمي لقرار الحكومة، تثار شكوك واسعة حول دوافع باكستان الحقيقية في احتضان العملات الرقمية، فقد أعلن في وقت سابق من هذا العام عن تأسيس "مجلس العملات المشفرة الباكستاني" كمؤسسة إشرافية، وذلك عقب زيارة وفد رفيع من رجال الأعمال الأمريكيين المرتبطين بمصالح العملات الرقمية القريبة من إدارة دونالد ترامب.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن اللقاء الأخير بين ترامب ورئيس أركان الجيش الباكستاني في واشنطن تضمن مناقشات حول هذا الملف، كما كشفت صحف بارزة مثل "بلومبرغ" و"نيويورك تايمز" عن روابط مالية مشبوهة بين عائلة ترامب وسوق العملات الرقمية، مما أثار جدلا أخلاقيا بشأن تضارب المصالح واحتمال التأثير الخارجي على القرار الباكستاني.
وفي ضوء هذه المعطيات يبدو من الضروري أن تحذر باكستان من التبعية وأن تولي مصالحها الوطنية الأولوية.
منجزات تنظيمية أم استجابة لضغوط خارجية
ورغم أن العملات الرقمية تمثل تقنية واعدة يمكن أن تفتح آفاقا اقتصادية جديدة، إلا أن هذا المجال لا يخلو من المخاطر، سواء من حيث غسل الأموال أو التهديدات السيبرانية أو التذبذب الشديد في الأسواق.
وتقول وزارة المالية إن الهيئة الجديدة ستشرف أيضا على آليات حماية المستهلك ومكافحة الجرائم المالية الإلكترونية في محاولة للحد من هذه المخاطر، لكن الانتقال من وعود فضفاضة إلى تطبيقات واقعية يتطلب شفافية عالية واستقلالا في اتخاذ القرار، وهو ما لم يتضح بعد ما إذا كانت الحكومة مستعدة لتحقيقه، لذا تظل الثقة في الخطوات التنظيمية الجديدة رهينة بمدى قدرة باكستان على حماية سيادتها الاقتصادية وعدم الانجرار وراء المصالح الأجنبية.
باكستان بين السيادة الرقمية وضغوط النفوذ الخارجي
وفي ظل الغموض حول الأطر التنظيمية المرتقبة والاهتمام الأمريكي المتزايد، يقف صانعو السياسات الباكستانية أمام مفترق طرق حاسمة، فإذا كانت باكستان جادة في تبني نهج مستقبلي قائم على التقنيات الرقمية، فعليها ألا تتعامل مع هذه الملفات الحساسة بوصفها مجرد أوراق ضغط دبلوماسية، بل بوصفها قضايا سيادية تتطلب حكمة وشفافية وقدرة على مقاومة الضغوط الأجنبية.
وإن نجاح باكستان في هذا المسار يعتمد على قدرتها على تطوير بيئة رقمية آمنة وقوانين واضحة ومؤسسات مستقلة تضمن العدالة وحماية الاستثمارات، بعيدا عن أي وصاية سياسية خارجية.