بكين تناور في ملعبي "تل أبيب" وطهران .. الولايات المتحدة تحارب الحضور الصيني في "إسرائيل"

بكين تناور في ملعبي


بدا مستقبل العلاقات بين الصين و دولة الاحتلال مشرقا قبل عامين من الآن، يومها ذهب نائب الرئيس الصيني وانغ كيشان إلى القدس للمشاركة في استضافة قمة ابتكار كبرى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وانغ الذي كان أعلى مسؤول صيني يزور "إسرائيل" منذ عقود، رأى في رحلته إلى "إسرائيل" بداية لتعميق العلاقات الثنائية على الرغم من التنافس والتوترات القائمة بين الصين والحليف الأكبر لدولة الاحتلال، الولايات المتحدة الأمريكية.

وسلطت الرحلة الضوء على اهتمام الصين بـ "إسرائيل" كلاعب مهم محتمل في مبادرة الحزام والطريق المميزة للرئيس الصيني شي جين بينغ، و ذلك بفضل صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية النابضة بالحياة.

لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن "إسرائيل" تعتبر حليفا ولاعبا قويا و رئيسيا للولايات المتحدة، و بينما تأمل حكومتها في الحفاظ على علاقات مستقرة مع كلتا القوتين العظميين، إلا أنها تتعرض لضغوط من الولايات المتحدة لإبعاد نفسها عن بكين، خاصة و أن أحد المخاوف الرئيسية لواشنطن هو تطور العلاقة إلى الشراكة الاقتصادية و الأمنية المحتملة بين الصين وإيران.

ففي شهر يوليو الماضي ، ذكرت "صحيفة نيويورك تايمز" أن الصين و إيران تعملان بهدوء على صياغة اتفاقية تجارية و عسكرية مدتها 25 عام ، والتي إذا ما تم إنجازها على أرض الواقع ، ستشهد استثمارات تصل إلى 400 مليار دولار أمريكي لـ 100 مشروع صيني في إيران . كما أنها ستوفر شريان حياة للاقتصاد الإيراني ، الذي أعاقته العقوبات الأمريكية منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 .

و في آخر زيارة له إلى القدس في شهر أغسطس ، حث وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو "إسرائيل" على خفض مستوى علاقاتها مع الصين ، مشيرا بشكل مباشر إلى الصفقة الصينية الإيرانية المحتملة كمبرر للأمر . كما و دفع "تل أبيب" بتجاه توقيع مذكرة تفاهم من شأنها حظر الشركات الصينية من المشاركة في مشاريع البنية التحتية للاتصالات ذات تقنية الجيل الخامس 5G في "إسرائيل".


دولة الاحتلال حاولت التقليل من شأن الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة عليها لتقليص علاقاتها مع الصين، وعندما سئل عن التأثير الأمريكي على اتفاقية التجارة الحرة المتوقعة بين الصين و "إسرائيل"، قال جلعاد كوهين وهو نائب المدير العام لقسم آسيا و المحيط الهادئ في وزارة الخارجية الإسرائيلية : " إن البلاد تريد إيجاد طريق ذهبي للحفاظ على علاقات جيدة مع القوتين الكبيرتين في العالم، إذ ستبقى الولايات المتحدة أكبر حليف لإسرائيل ، و هذه شراكة استراتيجية و صداقة يعرفها الجميع ، كما أننا سنحاول الحفاظ على علاقاتنا القوية مع الصين ، و سنواصل رعاية هذه العلاقات و خلق توازن فيما بينها قدر الإمكان ".

المديرة التنفيذية للشبكة الصينية الإسرائيلية العالمية و القيادة الأكاديمية كاريس وايت، رأت أن إسرائيل قد تحتاج إلى إيجاد "سياسة شاملة" بشأن علاقاتها مع الصين ، مما يمكن أن يوفر للصين فهما واضحا لما يمكن و ما لا يمكن فعله ، و أن يضع معايير التعامل مع المصالح الأساسية لـ "إسرائيل" و يأخذ في عين الاعتبار الاهتمامات الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية أيضا .

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تحت قيادة نتنياهو قامت بشكل واضح بتوسيع التجارة مع الصين على مدى العقد الماضي ، و قد أصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري لـ "إسرائيل" ، حيث استثمرت الشركات الصينية في مشاريع البنية التحتية الكبرى ، مثل عقد مدته 25 عاما يمنح مجموعة شنغهاي الدولية للموانئ تصريحا لتشغيل ميناء بحري يقع في خليج حيفا اعتبارا من عام 2021 .

لكن الحقيقة الأخرى هي أن الترتيب المحتمل بين إيران و الصين يلوح في الأفق بشكل كبير، مما يخلق مزيدا من التدقيق في الصفقات الإسرائيلية مع بكين، و يثير شكوكا حول ما إذا كان ينبغي السماح للشركات الصينية المرتبطة بمشاريع البنية التحتية في إيران بالمشاركة في المشاريع الرئيسية في "إسرائيل" .

فمن بين أكثر الحالات التي تم الاستشهاد بها هي شركة CRRC المملوكة للدولة الصينية ، و هي واحدة من أكبر الشركات المصنعة لعربات السكك الحديدية في العالم ، و قد فازت بعقد لتزويد عربات السكك الحديدية لنظام سكة حديد خفيف في تل أبيب لكنها تعمل في نفس الوقت في إيران لتزويد عربات مترو الأنفاق .

بالإضافة إلى ذلك ، تشارك مجموعة السكك الحديدية الصينية ، و هي شركة مقاولة البناء المملوك للدولة و يقع مقرها في بكين ، في بناء ميناء في مدينة اسدود الإسرائيلية ، بينما يقال أيضا أنها تبني مشروع سكة حديد بين طهران وأصفهان في إيران .

و الجدير بالذكر أن بكين لم تؤكد هذه الصفقات المبلغ عنها حتى الآن , و قد قالت وزارة الخارجية الصينية فقط أن الجانبين كانا في مفاوضات مستمرة و أن الصين مستعدة للعمل مع إيران بشكل مطرد لدفع التعاون العملي إلى الأمام .

و قالت وايت أنه يوجد لدى "إسرائيل" أسبابا مقنعة للقلق بشأن الصفقة بين بكين و طهران ، و التي بمجرد تنفيذها ستضعف بشكل كبير جهود الولايات المتحدة و "إسرائيل" لمواصلة تنفيذ حملة الضغط الأقصى على الحكومة الإيرانية . مضيفة : " إن كل يوان تساهم به الصين في الاقتصاد الإيراني يمكن أن تستخدمه إيران كسلاح ضد "إسرائيل" ، كما أن العالم ، بما في ذلك "إسرائيل" ، سيتطلع إلى الصين باعتبارها شريكا عالميا مسؤولا و يتوقع منها كبح جماح السلوك التهديدي الإيراني" .

بالإضافة إلى ذلك ، قالت وايت أن أي تعاون في المجال الأمني سيكون له تأثيرا مباشرا على إسرائيل أيضا ، مضيفة : " قد يتوقع من الصين أن تعالج تورط إيران في منطقة الشرق الأوسط أيضا ، حيث سيعتمد ذلك على ما إذا كانت الصين تريد التدخل لضمان السلام و الاستقرار أم أنها ستقف مكتوفة الأيدي بينما تواصل إيران تهديد تدمير إسرائيل ".


• المراقبون في الصين حذرين بشأن الصفقات المسربة

ما شياو لين هو خبير العلاقات الدولية بجامعة تشجيانغ للدراسات الدولية في هانغتشو ، شكك في وجود تلك الصفقات التي تناقلها الاعلام الغربي مؤخرا ، التي قال أنها قد تكون جزءا من محاولات إيران لمواجهة الضغط الاقتصادي المفروض عليها من الولايات المتحدة .

و قد قال السيد لين : " لم تنحاز الصين إلى أي طرف في الشرق الأوسط . فمن جهة ، عارضت الصين أي تهديدات بمسح إسرائيل من الكوكب و تتعاطف مع معاناة الشعب اليهودي . و من ناحية أخرى ، تعارض الصين أي خطط أحادية الجانب للتوسع الاستيطاني من قبل الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ".

لكنه أوضح أيضا أن الشركات الصينية تحتاج أيضا إلى فهم أن صفقاتها قد تتأثر بالمخاوف الأمنية من الولايات المتحدة و "إسرائيل". ففي شهر مايو الماضي ، اختارت الحكومة الإسرائيلية شركة محلية بدلا من شركة تابعة لشركة CK Hutchison Holdings التي يقع مقرها في هونغ كونغ لبناء محطة تحلية مياه كبيرة في "إسرائيل" بعد أن أعرب بومبيو عن معارضته للمشروع بدوافع أمنية .

و أضاف لين : " يجب على الصين توخي الحذر المناسب و الاستعداد جيدا لاحتمالية أن تكون الضغوطات التي تقودها الولايات المتحدة أكبر من أن تتحملها إسرائيل ".

مصدر الخبر : صحيفة ساوث تشاينا مورننج بوست

النهضة نيوز - ترجمة خاصة