تقارير وحوارات

لبنان يعيش مرحلة "الإختناق" القاتل ويبحث عن خيط الأمل

خديجة البزال

20 كانون الأول 2020 01:06

فيما ما لا يزال اقتصاد البلاد وأموال المودعين تعيش "الاختناق" القاتل، على برمجة وتوقيت هندسات الحاكم بالمال "الموثوق" من الخارج والمُحصّن بحمايته، وبرعاية أركان السلطة المُستمرّ بفسادهم منذ التسعينات في الداخل. وفي ظل الغموض المُثير للشكوك وعدم الثقة بالمعلن عنه من معلومات حسابية ومحاسبية ضئيلة حول الإحتياطي الإلزامي والذهب المجهول المصير، وغيره من الإمكانيات والسيولة المتوفرّة لدى مصرف لبنان، ومع إشتداد حدّة الأزمة المالية وإنحسار القدرة الشرائيّة لغالبية الشعب اللبناني وخاصة لذوي الدخل المحدود لا سيما ممّن يعانون من ضيق العيش والعجز عن تأمين خبزهم اليومي والعلاج من أمراضهم المُزمنة، عقد ملتقى حوار وعطاء بلا حدو للمشاركة في ندوة افتراضبة جاءت تحت عنوان: "لقمة عيش الفقير وحبة دوائه تحت التهديد برفع الدعم وحصار الحاكم".

حيث جرى خلال الندوة تقييم سياسة الدعم بما لها وعليها وإمكانية تطويرها، بناءً للتجارب الماضية وخصوصية الظروف الراهنة، كما جرى بحث إمكانية الاستمرار بها وتأمين البدائل لتقليص مخاطر الانفجار الاجتماعي وإعفاء البلاد من ثورة عارمة وفوضى يمكن أن لا تبقي ولا تذر.

​منسق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود د. طلال حمود، أكد أن سياسات لبنان الاقتصادية ريعية فاشلة قائمة على الإستدانة وفتح أسواقنا لكل أنواع السلع وعلى تدمير الإقتصاد الوطني عبر الفوائد العالية على سندات الخزينة بالليرة التي وصلت الى مُعدّلات خيالية لم يشهدها اي بلد في العالم، كما أنها سياسة قائمة على الإستدانة بالدولار وإصدار سندات اليوروبوند والتي تفنّن الحاكم بأمره ووزراء المال المُتعاقبون في طريقة تسويقها وعرضها بشكلٍ أضرّ كثيراً بصورة لبنان. وفي ظل الغموض المُثير للشكوك وعدم الثقة بالمُعلن عنه من معلومات حسابيّة ومُحاسبيّة ضئيلة حول الإحتياطي الإلزامي وحول

وأضاف: لابد من الحديث عن الذهب المجهول المصير والكمّية ومكان التخزين، وغيره من الإمكانيّات والسيولة المتوفرّة لدى مصرف لبنان، إضافة لإشتداد حدّة الأزمة المالية وإنحسار القدرة الشرائيّة لغالبية الشعب اللبناني وإنخفاض القيمة الشرائية للّيرة اللبنانية بنسبة ٨٠ ٪ على الأقلّ وبعد ان طال ذلك ذوو الدخل المحدود لا سيما ممّن يعانون من ضيق العيش والعجز عن تأمين خبزهم اليومي والعلاج من أمراضهم المُزمنة او تأمين المازوت لتدفئة منازلهم،

وأشار في معرض حديثه إلى أن نسبة من هم تحت خط الفقر حالياً بلغت ٥٥٪ وهي آخذة في الإزدياد كل يوم، خاصة مع وصول نسبة التضخّم الى حوالي ١٣٦٪. وذلك قبل ان تبدأ عمليات رفع الدعم عن السلع الأساسية والذي يتوقّع الكثير من الخبراء انه سيؤدّي الى تعاظم نسبة التضخّم بشكلٍ سريع والى إنخفاض أكبر في القيمة الشرائية لليرة اللبنانية وإلى إرتفاع جنوني في أسعار الدولار مقابل الليرة الى معدّلات لا يستطيع أحد التكهّن بمستواها الخيالي. مما قد يؤدّي إلى عملية سحق للطبقات الفقيرة والضعيفة ويهدد مستقبل الأمن الإجتماعي اللبناني بشكلٍ خطير، قد لا تكون الأحداث الأمنية وزيادات معدلات الإنتحار والهجرة والجريمة واعمال النهب والشغب بعيدة عنه.

ولفت حمود إلى أهمية هذه الندوات الحوارية لفهم وتحليل الواقع وللتداول في الحلول المُقترحة او المُمكنة مع هذه المجموعة من الخبراء والمعنيين الموجودين في خط الدفاع الأول للتصدّي لهذه المشكلة، خاصة واننا نقرأ ونسمع عدة إشاعات أو أخبار تطال إجتماعات مُتكرّرة حول هذا الموضوع وما سمعنا به عن عدّة سيناريوهات مُمكنة منها تصنيف الأدوية ورفع الدعم عن الأدوية غير الأساسية التي تُباع في الصيدليات دون وصفة طبيية، وعن إستمرار الدعم على أدوية الأمراض المزمنة وتشجيع إستعمال أدوية الجنريك أو تلك المُصنّعة في لبنان، إضافة الى ابقاء الدعم على الطحين ورفعه عن جزء اساسي من المحروقات بنسبة كبيرة او كاملة وهذا ما قد يشكّل لوحده دمار شامل لبعض الطبقات الفقيرة والعمال بحيث ان سعر صفيحة البنزين من المتوقع ان يقفز الى ما بين ال ٦٠ و ٧٠ الف ليرة ناهيك عن ارتفاع اسعار صفيحة المازوت إلى حوالي ٤١ ألف ليرة لبنانية وهذا ما قد يكون كارثة بالنسبة للمواطنين الذين يحتاجون للمازوت في كل المناطق الباردة وما سيكون له من تأثيرات كبيرة في رفع اسعار كل السلع نتيجة ارتفاع اسعار الكلفة.

ونوهت الندوة إلى ما كثُر الكلام به عن إمكانية إستعمال البطاقة التموينية أو عن دفع مبالغ مالية مباشرة للعوائل الفقيرة. لكن كل تلك الأمور بحاجة الى دراسة دقيقة لواقع العائلات اللبنانية ومن هي حقيقةً العائلات الأكثر فقراً ( ٥٥٪ من الشعب ام اكثر؟). فنحن أمام تساؤلات كثيرة في هذا الخصوص.

وأوضح حمود أن ما يمر به لبنان كان نتاج فشل طبقة سياسية أوغلت في الفساد والهدر وسوء الإدارة والتخطيط، واثبتّت عدم اهليّتها لإدارة شؤون هذا الوطن ولأمور مواطنيه واصبحت اليوم بكافة مُكوّناتها تتقاذف "كرة النار" اي الإجرءات الآيلة الى تخفيف كلفة الدعم وترشيده.

وقال:  نشهد انّ الجميع يتهرّب من أخذ المُبادرة سَواءً في المجلس النيابي أو في مصرف لبنان أو في مجلس الوزراء "المستقيل" والكل أصبح يتهرّب من أخذ القرار، خوفاً من التداعيات الإجتماعية والمعيشية الكارثية التي ستنتج عنه خاصّة على الطبقات الفقيرة والمسحوقة التي ارتفع عددها بشكلٍ دراماتيكي خلال السنة الأخيرة. وقد ذهب البعض من الخبراء الى رسم صورة سوداوية قاتمة للآتي الاعظم بحيث يشيرون إلى أنّ لبنان قد يشهد أوضاع مُشابهة للأجواء التي عاشها أيام المجاعة في العام ١٩١٥.

وأشار إلى أن المُحزن المُبكي في كل ذلك أن أهل السلطة يفكّرون بطريقة وقحة وحاقدة على هذا الشعب، إذ أنً مِحور إهتمامهم اليوم هو كيف نرفع الدعم أو نُلغيه "بطريقة تدريجية او ذكية" دون أن نتسبّب بردّات فعل عنيفة أي كيف سنقود الناس إلى جهنم بهدوء دون أن يُقاوموا كثيراً؟.

وبعد شرح الأسباب خلصت الندوة لمعالجة المرض والتي ستكون عبر خطوات كما لخصها المنسق الدكتور طلال حمود قائلاً: الحلول تكون عبر ضرورة الإسراع الى تشكيل حكومة مُستقلّة نظيفة" من أهل خبرة موثوقين تكون موضوع ثقة للداخل وللخارج وللمؤسسات وللمنظّمات الدولية وعلى أن تبدأ فوراً في ورشة إصلاحات جذرية وبإتخاذ قرارات إجرائية مناسبة للتصدّي لكل أنواع المشاكل التي يعاني منها الشعب اللبناني على كل المستويات خاصة المالية والنقدية والمصرفية والإقتصادية منها، وتأخذ طريق الإصلاح ومكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة والمُهرّبة والمحوّلة كهدف اساسي لها.

إضافة الى ضرورة إجراء التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وتحديد الأرقام الدقيقة وحجم الثقب الأسود وأماكن الفساد وأين ذهبت أو فقدت الأموال وميزانيات المصارف الدقيقة.

كذلك يجب إجراء توزيع عادل لكلفة الخسارة بحيث تتحمّل الدولة اولاً الحجم الأهم منها، ثم مصرف لبنان بسبب سوء ادارته وسياساته المالية والنقدية الخاطئة على مدى سنوات، ثم المصارف التي جنت ارباح طائلة من جراء الضرائب العالية التي حصدتها طيلة تلك السنوات وهي كانت تعرف ان الدولة غير قادرة على إعادة الدين ووظّفت ٧٠ ٪ من الودائع في هذه الديون.

اخيراً يجب ان لا ننسى شركات التدقيق والمراقبة التي ساهمت بتغطية كل هذه العمليات بحيث يحب مقاضاتها ومحاكمتها. ويحب أن يكون المودعون آخر من تطالهم الخسائر سوى الكبار منهم ممن وظفوا اموالهم بهذه العمليات وجنوا ارباحاً طائلة على مدى سنوات.

كما يجب إقرار قانون ال haircut بشكل عادل بحيث يطال اصلا" الودائع الكبيرة وليس صغار المودعين.

كما أكد على ضرورة العمل على إقرار قانون "الكابيتال كونترول" بما يضمن حصول الصناعيين والمزارعين على أموالهم وعلى إمكانية تحويل البعض منها لكي يقوموا بعملية الإنتاج ولكي لا تبقى الأمور مُسيّبة بهذا الشكل وخاضعة للتعسّف والإستنسابية.

ويجب أن يتضمّن الحل آليات وسُبل إسترجاع الأموال المنهوبة والمُهرّبة إلى الخارج والأخرى التي حُوّلت أثناء فترة إغلاق المصارف أو التي حضي بها بعض السياسيين والمحضيين و إيقاف كل أشكال التهريب والتهرّب الضريبي وتفعيل دور الجمارك، ومنع كل أشكال الوكالات الحصرية والإحتكار وهذا ما قد يُخفف الأسعار بشكل كبير، كذلك تفعيل الدور الرقابي لوزارة الإقتصاد لجهة منع حالة التفلّت والتلاعب بالأسعار وإستغلال حالة الفلتان الحاصلة لتحقيق المزيد من الأرباح على حساب الفقراء.

وشارك بالندوة كل من منسق الملتقى د. طلال حمود بكلمة ترحيبية، ولوزير السابق فادي عبود وو رئيس الاتحاد العمالي العام د. بشارة الأسمر، واخبير الاقتصادي د. باتريك مارديني و الخبير المالي والإداري غسان بيضون.

النهضة نيوز - خاص