مشروع القطار الخفيف.. الحلقة الأخيرة لتهويد وفصل القدس الشرقية عن الفلسطينيين

تقارير وحوارات

مشروع القطار الخفيف.. الحلقة الأخيرة لتهويد وفصل القدس الشرقية عن الفلسطينيين

أمجد عرفات

25 كانون الثاني 2021 16:58

بدأت مسارات وخطوط القطار الخفيف تنشتر في مناطق القدس الشرقية من شمالها إلى جنوبها، ضمن مخطط تهويدي جديد يستهدف المدينة، وهي العاصمة الأبدية لدول فلسطين، التي لم يمل ولم يكل أبنائها من الانتفاضات والهبات في وجه من يحاول سلب مدينتهم التي احتضنت تاريخهم العربي عبر العصور.

فبعد أن قامت إسرائيل بمحاولة تهويد المناطق المحيطة بالقدس الشرقية، مثل هدم بيوت منطقة "وادي الحمص" في بلدة صور باهر شرقي القدس، ومحاولة إفراغ منطقة الخان الأحمر بالقدس أيضا من سكانه الأصليين، ها هي تقوم بإنشاء ممر للقطارات محطته الأساسية ينطلق من مستوطنات مدينة القدس الغربية الواقعة داخل حدود 1948، يهدف لربطها بالأحياء العربية شرقي القدس والواقعة على حدود 1967، لكي تُحتكر المدينة بشقيها على الشعائر الدينية لدولة الاحتلال الإسرائيلي. وهذا المشروع طُرح قبل نحو أربع سنوات، بالشراكة بين أربعة مساهمين، وهم حكومة الاحتلال الإسرائيلي وثلاثة شركات فرنسية، شركة "ألستوم" (Alstom) للمواصلات، وشركة "سيسترا" (Systra)، وشركة "ايجيس ريل" ((Egis Rail، حيث انسحبتا الشركتان Alstom و Systraمن المشروع عام 2019، بسبب مطالبات من المجتمع الدولي بالتراجع عن القرار لما له من انتهاك بحق الفلسطينيين بعدما دخلت مسارات القطارات على حدود القدس الشرقية، بينما تُطالب وزارة الخارجية الفلسطينية ومنظمات حقوقية من الشركة الفرنسية المتبقية بالانسحاب من المشروع. أصحاب الفكرة من المساهمين برروا المشروع بأنه سيساهم في سهولة النقل والمواصلات وقد يٌساهم مستقبلا بإلغاء "جدار العزل العنصري" الذي يقسم أجزاء من الضفة الغربية والقدس، والذين اشتكوا منه الفلسطينيون عبر محكمة الجنايات الدولية قبل أن تُخرج الأخيرة قرارا تأمر فيه السلطات الإسرائيلية بإزالته، في حين ما زال الاحتلال يرفض ذلك منذ 15 عاما.

ولكن المختص في الشأن المقدسي الدكتور منيب منصور، نفى تلك الادعاءات الإسرائيلية بخصوص تسهيل ذلك المشروع على الفلسطينيين من خلال إزالة الجدار العنصري جملة وتفصيلا، خلال حديث لـ"النهضة نيوز"، مشيرا إلى أن المشروع يعزز من سهولة التنقل بين المستوطنات المقامة على أراضي القدس الغربية وبين القدس الشرقية، ولا علاقة للفلسطينيين بهذا الأمر، الأمر الذي يعزز من ضم القدس الشرقية ديمغرافيا وسياسيا لدولة إسرائيل، كون أن مسارات القطار الخفيف بدأ يمر فيها. وتابع الدكتور منصور "عند الحديث عن الاحياء العربية كحي شعفاط، وسلوان، والعيساوية، وبيت حنينا، الواقعة في مدينة القدس الشرقية التي يُطالب بها الفلسطينيون لتكون عاصمة لدولتهم المستقبلية على حدود 1967، فإن القطار في بداية مشروعه الحالي ربط المستوطنات في القدس الغربية بهذه الأحياء العربية في القدس الشرقية عبر خطوط القطار الخفيف، ما يعني إلغاء وجود عاصمة مستقبلية لدولة فلسطين شرقي القدس، وأن تكون المدينة بشقيها عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

ومن الملاحظ منذ الحديث عن مشروع القطار، فإن السلطات الإسرائيلية بدأت ببناء وحدات استيطانية جديدة على الحدود بين مدينتي القدس الشرقية وبيت لحم، وبالتحديد في بلدة" العيساوية" جنوب العاصمة المحتلة، ما يعني تطويق المدينة وفصلها بالمستوطنات، حتى تظهر للمشاهد وعبر الخريطة بأن القدس مدينة واحدة من خلال سلسلة المستوطنات الممتدة من أراضي القدس الغربية الواقعة على حدود الأراضي العربية المحتلة عام 1948 حتى القدس الشرقية بأحيائها ومعالمها كالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة والواقعة على حدود 1967.

وقد أثارت بناء هذه الوحدات الاستيطانية على حدود القدس الشرقية استنكارا دوليا الذي كُشف عنه النقاب في أواخر عام 2020، وعلى رأسها تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر، وكذلك عبرت عنه مبعوثة الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سوزانا ترستال، التي وصفته بـ"الأمر المقلق للغاية"، ودعت اسرائيل للتراجع عن قرارها التي قد تحرم الفلسطينيون من عاصمتهم من خلال ربط القدس الشرقية بالغربية عبر المستوطنات وخطوط القطارات.

وأضاف الدكتور منيب منصور "يأتي مشروع المستوطنات الأخير الفاصل بين القدس وبيت لحم تماشيا مع مشروع القطارات الخفيف، لكي تكون حجة لعبور هذه القطارات داخل الأحياء العربية في مدينة القدس الشرقية، حيث يُعد ذلك من أبشع وأخطر الصور في هذه المرحلة، وهو دخول المستوطنين وتجولهم في المناطق العربية بحجة الانتظار في محطات القطار، بل ولتسوقهم لكثير من احتياجاتهم من القدس الشرقية، لتنجح إسرائيل من خلالهم في مشروع خلط السكان وكسر الاحتكار السكاني للعرب في مدينة القدس الشرقية".

ويشير الدكتور منيب منصور بأن اسرائيل تسعى لفصل القدس الشرقية عن المدن الفلسطينية الواقعة على حدود 1967، من خلال إقفال كافة حدود ونواحي المدينة بالمستوطنات والقطار، فمن الشرق مدينة أريحا والأغوار التي تمتلئ بوجود التجمعات الاستيطانية ومشاريعهم الاقتصادية المختلفة، ومن الغرب تقع مدينة القدس الغربية ومقر البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" وأراضي 1948، ومن الجنوب مدينة بيت لحم، وتم إقفال هذه المنطقة بالمستوطنات الجديدة أواخر عام 2020، قبل أن تُوصل مسارات القطار بها، ولم يتبقى ما يربط المدن الفلسطينية في الضفة الغربية بالقدس الشرقية، إلا بلدة "بيت حنينا" شمال العاصمة المحتلة، الفاصلة بينها وبين مدينة رام الله.

ويكمل منصور "بدأت السلطات الإسرائيلية بتوصيل تمديدات خطوط القطارات الخفيف لتلك المنطقة "بيت حنينا"، ما يشير لوجود مخطط استيطاني مستقبلا في تلك المنطقة لفصلها عن حدود 1967، ما يٌلغي فكرة أي سيطرة عربية على القدس أو وجود أية عاصمة للفلسطينيين إذا تم إقفال الحدود الأخيرة في مدينة القدس الشرقية بالمستوطنات ومسارات القطار". لا شك بأن هذا المخطط سيواجه اعتراضا واسعا من قبل شرائح المجتمع الفلسطيني الذي قد يصل ذروته لعمليات فدائية مسلحة في حال فاقت ثورة الحجارة التي لم تهدأ نارها منذ عقود، فكما واجه أبناء القدس محاولة فتح نفق أسفل المعالم الإسلامية أدت لاندلاع "هبة النفق" عام 1996 ومحاولة تدنيس الأقصى من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون، ما أشعل انتفاضة في كافة ربوع فلسطين عام 2000، وغيرها من مخططات تفصيل المدينة المقدسة آخرها البوابات الإلكترونية عام 2016، فبالتأكيد بأن مخطط القطار الخفيف سيؤدي لذات النتائج السابقة.