الاتفاق الإيراني الصيني: مكاسب للطرفين أم مغير لقواعد اللعبة السياسية

أخبار

الاتفاق الإيراني الصيني: مكاسب للطرفين أم مغير لقواعد اللعبة السياسية

6 نيسان 2021 18:16

تصدر خبر الاتفاق الصيني الإيراني الذي وقع الشهر الفائت جدلاً كبيرا بين الأوساط السياسية، تاركاً الكثير من إشارات الإستفهام، لمجيئه بعد تأخير دام قرابة عامين، جاء توقيع إيران والصين يوم السبت الموافق 27 مارس خلال زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي، اتفاقية شاملة مدتها 25 عام بشأن التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي بين البلدين، وأثار هذا الحدث قدرا كبيرا من الاهتمام والجدل داخل إيران وعلى المستوى العالمي.

الداخل الإيراني، تمحور الجدل فيه حول تكاليف وفوائد الاتفاق، الذي لا يزال يفتقر إلى التفاصيل، حيث يجادل المؤيدون للاتفاق بأنه إذا ما تم تنفيذه، فإنه يمكن أن يعزز تنمية إيران من خلال توفير استثمارات صينية واسعة النطاق في البنية التحتية، وخاصة في الطرق والسكك الحديدية ومجال الطاقة، ومن خلال جعل إيران جزءا لا يتجزأ من محور الصين التي تغطي الكرة الأرضية، والقدرة إلى الوصول إلى دعم يصل إلى ترليون دولار من مبادرة الحزام والطريق الصينية.

كما ويؤكد مؤيدو الاتفاق أيضا أنه يمكن أن يساعد في تقليل تأثير العقوبات الأمريكية على إيران وتعزيز قوتها التفاوضية الإقليمية والدولية.

وفي الواقع، بينما يصعب في هذه المرحلة تقييم التأثير الاقتصادي للصفقة، يبدو أن الاتفاقية قد حسنت بالفعل موقع إيران الإقليمي فعلى سبيل المثال، دفع توقيع الاتفاق الهند إلى إعلان حرصها على زيادة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع طهران.

ففي السنوات العديدة الماضية، وعلى الرغم من حماسة إيران لرفع مستوى روابطها الاقتصادية مع الهند، كانت دلهي تتحرك ببطء في هذا الاتجاه والآن، فإن الهند التي تخشى هيمنة الصين على إيران، قد تكون أكثر استعدادا لزيادة استثماراتها في ميناء تشابهار وربما في مشاريع أخرى في إيران.

ورغم المحاولات الدائمة التي بذلتها الحكومة الأفغانية ورئيسها أشرف غني لاستعداء وحتى إهانة إيران، تحاول الآن توجيه جسور التواصل مع إيران و لذلك، إذا ما طورت الصين علاقة استراتيجية حقيقية مع إيران، فسيتعين على الدول المجاورة مراجعة موقفها العدائي تجاه طهران، ليس فقط لأنه من المرجح أن تحصل إيران على موقف اقتصادي أقوى، ولكن أيضا لأنه سيتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار رفض بكين لذلك.

وعلى الصعيد الدولي، مع تصاعد التوترات بين الصين والغرب، قد تدفع العلاقات الصينية الإيرانية الأوثق الدول الأوروبية، وربما حتى واشنطن، إلى تعديل سياساتها تجاه طهران، وربما يزيد ذلك من الضغط على إدارة بايدن للإسراع بالعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات المفروضة على إيران كما ويجب أن تشعر الدول الغربية بالقلق من أن الميل الإيراني الأكثر استراتيجيا، والذي يجعله الاتفاق مرجحا، سيقلل من نفوذها في المنطقة، على الأقل في المدى القصير إلى المتوسط.

في حين استشهد معارضو الصفقة في إيران والشتات الإيراني بنقص التفاصيل حول الصفقة، قائلين أنهم يخشون من أن التنازلات الواسعة المزعومة التي قدمتها طهران لبكين قد تحول إيران إلى مستعمرة صينية.

فقد كانت هناك تكهنات بأن إيران ربما وافقت على تأجير أو حتى تسليم بعض الجزر إلى الصين، وهي تهمة نفتها الحكومة الإيرانية بشكل صريح ومطلق، أو أن القوات العسكرية الصينية قد تصبح متمركزة في إيران.

وردا على هذه المخاوف، صرح المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، بأن أسباب الحفاظ على سرية التفاصيل ذات شقين: الأول، لأن الاتفاقية ليست معاهدة ولا يمكن أن تصبح سارية المفعول إلا إذا وافق عليها مجلس النواب الإيراني. ووصفها بأنها خارطة طريق للتعاون الثنائي أيضا. ثانيا، بقيت التفاصيل سرية لأن الجانب الصيني طلب إبقاء التفاصيل سرية بسبب قلقه من رد فعل واشنطن المحتمل عليها.

فطالما بقيت التفاصيل الكاملة للاتفاقية طي الكتمان ، فسيكون من الصعب تحديد ما إذا كان يمكن أن تكون بمثابة المنقذ لإيران أو كحصان طروادة لطموحات الهيمنة المحتملة لبكين في الشرق الأوسط .

ومع ذلك، فإن ما لا جدال فيه في هذه المرحلة هو أن السياسات الغربية تجاه كل من إيران والصين قد قربت بينهما أيضا . فعلى وجه الخصوص ، دفع تردد إدارة بايدن في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة و نهجها المتشدد تجاه الصين ، بكين إلى المخاطرة بإغضاب واشنطن من خلال التوقيع علنا على الاتفاقية مع طهران.

بالإضافة إلى ذلك، إذا ما كانت بكين تأمل في تحسين العلاقات مع واشنطن، فإنها كانت لتكون متحفظة بشأن توقيع الاتفاقية، والتي ربما تكون قد استنتجت الآن أن التحسن في العلاقات الصينية-الأمريكية، على الأقل في المستقبل القريب، ليس واردا، لذلك، تحاول بكين أن تظهر للولايات المتحدة الأمريكية الآن أنها يمكن أن تسبب لها صعوبات في مناطق استراتيجية رئيسية مثل الخليج الفارسي.

وقد تكون الصين قد استنتجت أيضا أن دول الخليج العربي، والتي تم تضمين أربع منها في جولة وزير الخارجية الصيني عبر المنطقة، ستظل معتمدة على واشنطن وبعض الدول الأوروبية في المستقبل المنظور.

كما أنه من المرجح أن تظل تركيا، التي زارها وزير الخارجية الصيني أيضا، جزءا من التحالف الغربي على الرغم من التوترات المستمرة مع شركائها في حلف الناتو علاوة على ذلك، تفتقر تركيا إلى أي اتصال بري بأجزاء رئيسية من مشروع مبادرة الحزام والطريق الصينية.

فمع طاقتها ومواردها الأخرى وسوقها العملاق المحتمل، ولكن الأهم من ذلك، موقعها الاستراتيجي الفريد على الخليج الفارسي وجنوب القوقاز، وكذلك حدودها مع أفغانستان وآسيا الوسطى وشبه القارة الهندية عبر باكستان، تجمع إيران جميع الصفات الرائعة التي تحتاجها الصين ففي الواقع، من المحتمل أن تصبح إيران الشريك الجيوستراتيجي الأهم للصين في غرب آسيا.

أما بالنسبة للخطر الذي قد تواجهه إيران، خاصة في ظل غياب العلاقات المحسنة مع الغرب، هو أن تجد نفسها تعتمد بشكل مفرط على الصين. حيث يدرك الكثيرون في طهران هذا الاحتمال، وقد أكد البعض أن العلاقات مع الصين يجب ألا تأتي على حساب العلاقات مع الغرب، وخاصة أوروبا. كما أشار رئيس جمعية نواب مجلس طهران، حجة الإسلام سيد رضا تاجوي، يجب استخدام الاتفاقية مع الصين قبل كل شيء كوسيلة ضغط على الغرب ، محذرا من أنه لا ينبغي اعتبار الاتفاقية مع بكين بديلا عن خطة العمل الشاملة المشتركة.

المصدر: معهد كوينسي لفن الإدارة الرشيدة (معهد سياسي أمريكي)