ذُهل علماء المناخ يوم الجمعة من شدة الفيضانات في ألمانيا وبلجيكا التي أودت بحياة 120 شخصاً على الأقل، وألحقت أضراراً بعشرات الآلاف من المنازل، حيث قال الخبراء إنهم لم يتوقعوا أن ينتج عن أزمة المناخ أحوال جوية بهذه الدرجة من السوء.
وسجّل أكثر من اثني عشر رقماً قياسياً لمنسوب هطول الأمطار في جميع أنحاء أوروبا الغربية، من ضمنها مدينة كولن الألمانية، حيث سجل مراقبو المناخ هطول ستة بوصات من الأمطار في 24 ساعة فقط، بدءاً من صباح يوم الأربعاء إلى صباح الخميس، وهو ما يقارب ضعف المتوسط الشهري لشهر تموز/يوليو، علماً أن الرقم القياسي السابق للمدينة لهطول الأمطار اليومي كان ثلاث بوصات فقط.
وقال أستاذ المناخ والمائيات ديتر غيرتن في معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ لصحيفة الغارديان: "إن الحدث الذي جرى هذا الأسبوع لم تعهده تلك المنطقة قط".
وأظهرت لقطات جوية لمقاطعة أروفيلر الألمانية الأشجار المتساقطة والسيارات المهجورة والطرق المغمورة.
واستناداً إلى قاعدة البيانات الأوروبية للطقس العاصف، شهدت بلدية رايفرشايد الألمانية هطول أكثر من ثماني بوصات من الأمطار في تسع ساعات فقط، ما أدى إلى فيضانات جارفة مفاجئة.
وأفاد المسؤولون مساء الخميس أن ما يصل إلى 1300 شخص ما زالوا في عداد المفقودين، مشيرين إلى أن العدد الكبير قد يكون مرتبطاً بتعطل إمدادات الطاقة وتوقف شبكات الهواتف المحمولة عن العمل، وبصعوبة وصول فرق الإنقاذ إلى بعض المناطق.
وأعرب غيرتن عن صدمته من فداحة الكارثة، وقال: "يبدو أننا لم نتجاوز المستوى الطبيعي فحسب، بل تجاوزناه في مجالات لم نتوقعها من حيث المدى المكاني والسرعة التي تطور بها".
مرت سنين عديدة حذر فيها علماء المناخ من أن استمرار استخراج الوقود الأحفوري يسبب تغيرات عديدة في المناخ، بما في ذلك الحرارة الشديدة والجفاف والأمطار الغزيرة والمتكررة، والتي ارتبطت بارتفاع درجة حرارة المحيطات وزيادة كميات المياه التي تتبخر إلى الهواء.
من جهته، قال كارلو بونتمبو، مدير خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ في المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى، لصحيفة الغارديان: "نتوقع مع تغير المناخ أن تمسي جميع الظواهر المائية والجوية القاسية أكثر قساوة، وما شهدناه في ألمانيا يتفق إلى حد كبير مع هذا الرأي".
ونقلت قناة بي بي سي عن العلماء قولهم اليوم الجمعة إنهم "فشلوا في توقع شدة الفيضانات في ألمانيا" بالإضافة إلى درجات الحرارة الشديدة التي أحاطت بغرب الولايات المتحدة وكندا في الأسابيع الأخيرة، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص.
وقال بيل ماكغواير، المختص بالمخاطر الجيوفيزيائية والمناخية في جامعة كوليدج بلندن، لقناة بي بي سي: "إن التسارع الواضح في تدهور مناخنا المستقر يؤكد ببساطة أننا بحال يرثى لها فيما يتعلق بحالة الطوارئ المناخية".
وامتدت آثار الأمطار الغزيرة عبر أوروبا الغربية، حيث قال مسؤولون في بلجيكا اليوم الجمعة إن 23 شخصاً على الأقل تأكدت وفاتهم وفقد 19 على الأقل، ويتوقع خبراء في هولندا وسويسرا المزيد من الفيضانات يوم الجمعة.
وفيما يتعلق بتداعيات الفيضانات في بلجيكا، قال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو اليوم "ما زلنا ننتظر المحصلة النهائية، لكن من المحتمل أن يصبح هذا الفيضان أسوأ كارثة عرفتها بلادنا على الإطلاق".
وقال المسؤول النقابي التقدمي دويل كانينغ من ولاية أوريغون الأمريكية، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 116 درجة في وقت سابق من هذا الشهر، بعد مشاهدته لمقطع فيديو عن فيضانات مفاجئة في إحدى المدن الألمانية نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي: "هذا هو المناخ الناجم عن الوقود الأحفوري".
جاء الفيضان بعد أيام من كشف الاتحاد الأوروبي عن خطة للتوجه بعيداً عن الوقود الأحفوري بحلول عام 2030 كجزء من خطته لتصبح أوروبا خالية من الكربون بحلول عام 2050.
وقال أرمين لاشيت، حاكم إحدى الولايات الأكثر تضرراً في ألمانيا والمرشح ليستلم مكان أنجيلا ميركل في انتخابات أيلول/سبتمبر المقبل: إن ارتفاع عدد القتلى والأضرار التي لحقت بالمجتمعات الحلية في جميع أنحاء ألمانيا أظهر "أننا بحاجة إلى مواصلة طريق ألمانيا نحو الحياد المناخي بشكل أسرع من ذي قبل".