احتجاجات عقب انفجار مرفأ بيروت

أخبار لبنان

"تشاتام هاوس" يحلل السياسة اللبنانية

13 آب 2021 23:02

نشر مركز الأبحاث البريطاني "تشاتام هاوس" على موقعه مقالاً بقلم د. لينا الخطيب وجون والاس، تناولا فيه النظام السياسي اللبناني والتأثير الديني وتأثير الأحزاب وطبيعة الفساد في البلاد، وتتطرقا إلى بعض كبار السياسيين في تاريخ لبنان الحديث، ووصف الكاتبان السياسة اللبنانية بأنها تتسم بتركيبة طائفية فاسدة، ويتدخل فيها باستمرار دول مجاورة مثل إسرائيل وسوريا والسعودية وإيران، وشكلتها سنوات عديدة من الحرب.

النظام السياسي في لبنان

وأوضح المقال أن السياسة اللبنانية تستند إلى هيكل طائفي لتقاسم السلطة أُنشئ بعد الاستقلال عن فرنسا في عام 1943، ويضمن الدستور تمثيل جميع الطوائف الدينية الثمانية عشر في البلاد في الحكومة والجيش والإدارة المدنية.

وبناء عليه، يجب تقاسم المناصب الحكومية الرئيسية الثلاثة، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان، بين مسيحي ماروني ومسلم سني ومسلم شيعي.

للوهلة الأولى، قد يعدّ هذا التقاسم محاولة لضمان المساواة في الحكومة، لكن هذا النظام معيب للغاية، إذ جرى الاتفاق أساساً على أنه تقاسم للسلطة بين النخب في ذلك الوقت، بدل بناء هيكل يهدف إلى ضمان الحكم الرشيد في دولة وطنية.

وكانت النتيجة نظاماً ضعيفاً وفاسداً قائماً على المحسوبية، حيث يقوم النافذون فيه بتوزيع الوظائف الحكومية لكسب ولاء الموظفين بدل مكافأة الكفاءة أو الموهبة.

ويزيد هذا النظام من ترسيخ الانقسامات الحالية، حيث يضع الطائفة بمواجهة الطائفة في منافسة على الإدارات الحكومية المربحة.

وأفضى ذلك إلى حكومة مكونة في غالبها من قطاعات بيروقراطية متنافسة عوضاً عن وحدة متكاملة تسعى إلى حكم الدولة اللبنانية.

وصمد النظام على الرغم من ضعفه، وظل دون تغيير يُذكر في أعقاب حرب أهلية وحشية دامت من 1975 إلى 1990، وغزو إسرائيلي في عام 1982، واحتلال سوري لأجزاء من البلاد من 1976 إلى 2005، وحرب أخرى مع إسرائيل في عام 2006، واحتجاجات غير مسبوقة على الصعيد الوطني في 2019.

ووضع اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، خططاً لتغيير هيكل الحكومة من خلال حصر الانقسام الطائفي في المجلس التشريعي الجديد وإلغائه في البرلمان.

بيد أن هذه التغييرات لم ترى النور، إذ لم يكن لدى النخب اللبنانية رغبة في التخلص من نظام يضمن سلطتها، أو في وضع نفسها تحت رقابة برلمان جديد أكثر ديمقراطية وخاضعاً للمساءلة.

الفساد في لبنان

وأكد الكاتبان أن الفساد منتشر في الدولة اللبنانية، كما هو حال ثقافة الحصانة، إذ تعامل الأحزاب السياسية الحاكمة مؤسسات الدولة كمصدر للدخل، كما أن الطوائف المتنازعة إما تتواطأ في الفساد عمداً أو تغض الطرف عن جرائم خصومها لحماية نظام يعمل لصالحها.

ويسعى السياسيون إلى السيطرة على الوزارات لتوجيه الموارد والتمويل إلى حلفائهم، وكفرصة لاختلاق "موظفين أشباح" - أي وظائف مدفوعة الأجر لأشخاص غير موجودين بحيث تذهب رواتبهم لجيوب السياسيين أو يصرفونها لأتباعهم للحفاظ على ولائهم.

واتهم الكاتبان – دون تقديم أدلة مقنعة - حزب الله بأنه حوّل الفساد إلى أهداف غير مشروعة بشكل علني، مستخدماً نفوذه في وزارة الزراعة لتأمين واردات نترات الأمونيوم اللازمة لتصنيع المتفجرات، وكأنهما يريدان إلصاق مسؤولية انفجار مرفأ بيروت بحزب الله خدمة لأجندة معينة ربما.

موارد لبنان الطبيعية

ولفت المقال إلى أن النخب اللبنانية لها تاريخ في استخدام الطاقة كأداة طائفية مؤثرة في الآخرين، فبسبب العجز الواسع الناجم عن الأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان، ذهبت بعض الأحزاب السياسية الحاكمة إلى حد السيطرة على محطات الوقود وحصر الدخول بعملائها وأصدقائها فقط.

وأعربت شركات دولية عن اهتمامها بالتنقيب عن الغاز والنفط في المياه البحرية اللبنانية، لكن احتياطيات لبنان المحتملة قد تقع فريسة لفساد النظام السياسي، حيث يتنافس السياسيون اللبنانيون للسيطرة على وزارتي الطاقة والمالية لتحويل أي أرباح صناعية جديدة إلى حلفائهم.

تأثير الدين في السياسة اللبنانية

ويبين الكاتبان أن الدين يؤدي دوراً حاسماً في السياسة اللبنانية، إذ يضمن الدستور التمثيل في الحكومة على أساس الطائفة الدينية، ويجري تعريف الأحزاب السياسية الحاكمة من خلال الانتماءات الدينية أكثر من انتماءاتها الاقتصادية أو الاجتماعية.

ويمتد دور الانتماء الديني في الأحزاب السياسية الحاكمة إلى ما وراء لبنان، إذ تدعم السعودية تيار المستقبل الذي يمثل الطائفة السنية، وتدعم إيران حزب الله الذي يمثل الشيعة.

لكن ما يلفت النظر في السياسة اللبنانية هو أن التحالفات الرسمية وغير الرسمية توجد غالباً عبر الانقسام الديني، فتحالف 8 آذار يضم حزبين رئيسيين هما المسلمون الشيعة (حزب الله) والمسيحيون (التيار الوطني الحر) وتوحده أجندة مؤيدة لسوريا، ويعارضهم تحالف 14 آذار، وهو جماعة معادية لسوريا تهيمن عليها الأحزاب السنية والمسيحية المارونية.

حزب الله

واستعرض المقال كيف تشكل حزب الله في لبنان وأمسى في نظر الكثيرين الحركة الوحيدة المقاومة لإسرائيل: تأسس حزب الله جزئياً بسبب الغزو الإسرائيلي عام 1982، وهو جماعة معظمها من شيعة جنوب لبنان. وتحملت المناطق الجنوبية في لبنان، التي أهملتها حكومة بيروت، وطأة الغزو الإسرائيلي عام 1982 مع بقاء القوات الإسرائيلية في أجزاء من تلك المنطقة حتى عام 2000.

وقد أدى ذلك بشكل طبيعي إلى تأجيج الغضب والاستياء، وتحويل جنوب لبنان إلى قاعدة تجنيد مفيدة لجماعة مثل حزب الله الذي عرّف نفسه على أنه حركة مقاومة.

لكن الادعاء بأن دعم حزب الله يقتصر على منطقة أو دين أمر غير دقيق، ففي حين أنه قوة شيعية مهيمنة في السياسة اللبنانية، يتمتع أيضاً بدعم لبنانيين آخرين يرون فيه القوة الوحيدة التي توفر مقاومة فعالة للتوغل الإسرائيلي.

السياسيون اللبنانيون

وبحث المقال السياسيين اللبنانيين الذين قال إنهم يعكسون صورة النظام الطائفي إلى حد كبير، وهم شخصيات بارزة تمثل العائلات القوية والسلالات السياسية المهيمنة، وعدد الشخصيات السياسية الرئيسية في الثلاثين سنة الماضية:

رفيق الحريري

رجل أعمال لبناني تولى رئاسة الحكومة من 1992 إلى 1998، ومرة أخرى من 2000 إلى 2004. قضى معظم حياته في بناء ثروة في السعودية، وتمتع بعلاقة شخصية وثيقة مع الملك السعودي، ثم ساعد في التوسط في اتفاق الطائف لعام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وعاد إلى لبنان بعد فترة وجيزة ليدخل السياسة.

وفي عام 2005 اغتيل بواسطة قنبلة ضخمة في بيروت، ومن يقف وراء الاغتيال لا يزال محل خلاف.

أشعل مقتل الحريري شرارة ثورة الأرز، وهي سلسلة احتجاجات أدت إلى انسحاب القوات السورية من لبنان.

وواصل نجله سعد الحريري قيادة تيار المستقبل اللبناني، وهو حزب سياسي سني معارض لسوريا وحزب الله وجزء من تحالف 14 آذار.

وتقلد سعد الحريري منصب رئيس الوزراء من 2009 إلى 2011 ومن 2016 إلى 2020.

ميشال عون

قاد الجيش اللبناني في الثمانينيات، وقاد إحدى الحكومتين المتنافستين خلال الحرب الأهلية، ونجا من محاولة اغتيال في عام 1990، وكان أحد المعارضين لاتفاق الطائف، وعاش في المنفى في فرنسا لمدة 15 عاماً، حيث أسس "التيار الوطني الحر"، وهو حزب مسيحي ماروني.

وعاد إلى لبنان بعد اغتيال الحريري، وأصبح حزبه أكبر كتلة مسيحية، وشكل تحالف 8 آذار مع حزب الله، ثم أصبح رئيساً للجمهورية، وحول قيادة حزبه إلى صهره جبران باسيل.

تشكيل الحكومة اللبنانية

في أعقاب انهيار الحكومة بعد انفجار بيروت في آب/أغسطس 2020، توقفت جهود تأليف حكومة جديدة، إذ فشل رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري والرئيس ميشال عون في الاتفاق على التشكيلة الوزارية.

دفع هذا البلد إلى أزمة أعمق مع تضخم عنيف ونقص في الوقود والكهرباء والأدوية.

المناخ السياسي الحالي

وأكد المقال أم قوة الاحتجاج في لبنان تتنامى، وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في تنظيم عامة الناس، ما يسمح لهم بالتنفيس عن إحباطهم من الجرائم وأوجه القصور الناجمة عن الفساد المستشري.

وفي عام 2015، نزل سكان بيروت إلى الشوارع كجزء من حملة "طلعت ريحتكم"، احتجاجاً على ضعف تعامل الحكومة مع أزمة النفايات المفرطة في البلاد.

تبع ذلك حركة "بيروت مدينتي"، وهي ائتلاف شعبي لبناني يتسم بنبذ الطائفية، وتقدم بمرشحين في الانتخابات الوطنية.

وعلى الرغم من فشل الحركة في الاستيلاء على السلطة، إلا أنها بدأت محادثات حول النقل العام والمساحات الخضراء والتراث والإسكان وإدارة النفايات في بيروت.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2019، انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء لبنان تعبيراً عن الغضب من ارتفاع الضرائب، وتداعيات تأمين الخدمات العامة، واستشراء الفساد الحكومي. وكان الشعار الذي تم ترديده هو "كلّن يعني كلّن"، ما يعكس الحاجة إلى هدم البنية اللبنانية الفاسدة بالكامل وإنشاء نظام حكم جديد كلياً.

وأثار الانفجار المدمر في مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020 المزيد من الغضب بسبب غياب المساءلة في لبنان، إذ خزنت مواد متفجرة بكميات هائلة في منشأة بالميناء، بما يتعارض مع إجراءات الصحة والسلامة الأساسية. وشعر المتظاهرون أن هذا حدث لأن السياسيين كانوا واثقين من قدرتهم على التعامل مع القضية.

واستقالت الحكومة في أعقاب الانفجار، وجرى تقديم استراتيجية جديدة لمكافحة الفساد، لكن لا تزال هناك شكوك واسعة بشأن هذه الإجراءات.

مصير لبنان

وختم الكاتبان مقالهما بالقول إن لبنان واجه في عام 2021 ما وصفه البنك الدولي بأنه – ربما - من بين أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية في تاريخ العالم، ولا يمكنه الهروب من دائرة الفساد داخل نظامه السياسي الحالي، ما جعل تشكيل حكومة أفضل وتحقيق انتعاش اقتصادي وتحقيق السلام أمراً بعيد المنال.

وعلى الرغم من أن النظام السياسي معيب على نحو مهلك، إلا أنه يتمتع بمرونة بسبب الحماية التي يوفرها للفساد والحساسيات الدينية المرتبطة بتقسيم السلطة.

كما تواجه الجماعات النابذة للطائفية تحدياً صعباً، لكنها أظهرت قدرتها على التنظيم بشكل فعال، ففي حزيران/يونيو 2021، فاز ائتلاف من الأحزاب الجديدة بنحو ثلاثة أرباع المقاعد في انتخابات نقابة المهندسين والمعماريين، التي يهيمن عليها عادة حلفاء النخبة.

والأمر المؤكد أن لبنان لن يتعافى من أزماته الجارية إلا من خلال العمل على الإصلاح لاستبدال النظام السياسي الحالي في نهاية المطاف. وبالرغم من أن واجب المجتمع الدولي أن يدعم هذه العملية، يجب أن يقودها اللبنانيون في النهاية لكي تنجح.

تشاتام هاوس