أسعار الغاز الطبيعي 2022

منوعات

هل سترتفع أسعار الغاز الطبيعي في 2022؟

5 كانون الأول 2021 22:40

منذ شهر أغسطس شهدت الأسعار العالمية للنفط والغاز والكهرباء والفحم ارتفاعاُ ملحوظاً، مسجلة أعلى مستوياتها منذ عقود، الأمر الذي أعاد ذكريات أزمة الطاقة التي مر بها العالم في فترة السبعينيات، وأعاد البعض ذلك إلى العديد من الأسباب وعلى رأسها الانتعاش الاقتصادي العالمي بعد التباطؤ الكبير الذي شهده بسبب أزمة كوفيد 19، وقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب على مصادر الطاقة وخاصة النفط والوقود بشكل عام.


أسعار الغاز الطبيعي

علاوة على ذلك، جاءت هذه الارتفاعات القوية في أعقاب التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة والاقتصادات الخضراء التي تتجه نحو التزام دولي لاحتواء قضايا تغير المناخ والآثار المرتبطة به حتى عام 2030، وتعكس العقود الآجلة للطاقة إلى أنه من المتوقع أن تتراجع الأسعار خلال الأشهر القادمة.

ومن بين مصادر الطاقة، شهدت أسعار تداول الغاز الطبيعي ارتفاعاً معظم هذا العام وسجلت أعلى مستوى لها في أكثر من سبع سنوات عند 6.432 دولار في 5 أكتوبر، وعلى الرغم من تراجع الأسعار منذ ذلك الحين، إلا أن السلعة لا تزال مرتفعة بأكثر من 70% منذ بداية العام.

يرجح خبراء الطاقة أن أسعار الغاز الطبيعي ستعود إلى مستوياتها الطبيعية في وقت مبكر من عام 2022، متأثرة بـ التقلبات حيال معدلات الطلب على التدفئة في فصل الشتاء، بالإضافة إلى تغيرات في الإمداد، وعلى الرغم من ذلك، إذا استمرت الأسعار في الارتفاع على نفس الوتيرة، فمن المؤكد أن يكون ذلك عبء على معدلات النمو الاقتصادي العالمي.

لماذا ارتفع سعر الغاز الطبيعي بهذه الطريقة؟

هناك عدد من عوامل العرض والطلب التي ساهمت في ارتفاع الأسعار، ولكن يبدو أن جانب الطلب هو المسيطر، وفقاً للمفوضية الأوروبية أدى الشتاء الأكثر برودة خلال عام 2020 إلى ارتفاع الطلب على الطاقة المنزلية، ثم تبعه صيف أكثر دفئاً من المعتاد، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على الكهرباء وتكييف الهواء.

من جهة أخرى، يبدو أن الدفع بـ اتجاه سلوك أكثر صداقة للبيئة قد ساهم أيضاً حيث كان هناك تحول تدريجي بعيداً عن استخدام أنواع الوقود شديدة التلوث مثل النفط والفحم في توليد الكهرباء، وبينما من المتوقع أن تلعب مصادر الطاقة المتجددة دوراً مهماً للغاية في تحول الطاقة في أوروبا، فإن الغاز الطبيعي يملأ تلك الفجوة في الوقت الحالي كـ بديل أنظف، مما يزيد الطلب مرة أخرى، من المرجح أيضاً أن يكون التحول الضروري لـ زيادة العمل من المنزل بسبب الوباء قد ساهم بالفعل في زيادة استخدام الطاقة.

أخيراً وبدرجة أقل، كان ارتفاع المبيعات واستخدام السيارات الكهربائية عاملاً في زيادة الطلب على استخدام الكهرباء، فوفقاً لـ تقرير صادر عن المفوضية الأوروبية، تم تسجيل نحو 350 ألف سيارة كهربائية جديدة في الربع الأول من عام 2021، لتصل إلى 14% من حصة السوق المباعة، ومن المتوقع أن يستمر الطلب على السيارات الكهربائية في الارتفاع بـ التزامن مع إلغاء بيع السيارات الجديدة ذات محركات الاحتراق، ومن المحتمل أن تضيف السيارة الكهربائية النموذجية ما بين الثلث إلى النصف من حجم استخدام الكهرباء للأسر الأوروبية النموذجية سنوياً.

كما أدى ارتفاع الطلب خلال العام الماضي إلى انخفاض الاحتياطيات بشكل كبير مع اقتراب فصل الشتاء هذا، تماماً كما تضرر العرض أيضاً، وتجدر الإشارة إلى أن الغاز الطبيعي ليس سلعة نموذجية، فبمجرد استخراجه فإن خصائصه الفيزيائية تجعل من الصعب تخزينه ونقله، ولا يزال يتم في الغالب نقله عبر الأنابيب، مما يعني أن الأسواق والأسعار تصبح إقليمية وليست عالمية، وعلى الرغم من وجود عملية تسييل الغاز الطبيعي للمساعدة في النقل (LNG)، إلا أنه لا يزال يمثل حوالي 12.5 % من الإنتاج العالمي، بسبب التعقيدات والنفقات العملية الإضافية، بـ اختصار، لا تستطيع أوروبا بـ بساطة شراء المزيد من الغاز من أماكن أخرى.

على الجانب الآخر، بالنسبة للدول المصدرة للغاز الطبيعي، شهد أكبر مصدرين للغاز الطبيعي وهم النرويج وروسيا انخفاضاً في معدلات الإنتاج هذا العام، حيث تراجع الانتاج في النرويج بنسبة 3% في العام المنتهي في يوليو 2021، وذلك مع تراجع الصادرات بنسبة 7.2%، وشهدت المملكة المتحدة أيضاً انخفاضاً في إنتاجها بنسبة 28% خلال نفس الفترة، مع انخفاض الصادرات بنسبة 59.2%، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الإمداد من المملكة المتحدة يتضاءل لـ بعض الوقت مع نضوج الجرف القاري ويصبح الاستخراج منه أكثر تكلفة.

وأدى ارتفاع الطلب من آسيا ولا سيما الصين إلى أن بعض الإمدادات ربما تكون قد تم تحويلها من روسيا إلى الصين، خاصة وأن الصين والعديد من الأسواق الناشئة في الوقت الحالي تواجه أزمة الطاقة الخاصة بها بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الفحم.

هناك أيضاً اتهامات بأن روسيا تحد من معدلات الإمدادات من أجل الحصول على موافقة سياسية لخط أنابيب نورد ستريم 2، ويعتبر هذا خط أنابيب تم تشييده حديثاً بين روسيا وألمانيا، وقد تم بناؤه لـ تجاوز أوكرانيا التي تم اتهامها بسحب الإمدادات أثناء مروره، لدى نورد ستريم 2 العديد من المعارضين بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث يُنظر إلى الاعتماد المتزايد على الإمدادات الروسية على أنه محفوف بالمخاطر من منظور جيوسياسي، لم يتردد السياسيون في استخدام الموقف في محاولة لاستخدامه سبباً أساسياً في حدوث الأزمة داخل بلدانهم، وبالطبع نفى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" تقييد إمدادات الغاز إلى أوروبا لـ رفع الأسعار.

ما هي الدول الأكثر تأثراً؟

كما ذكرنا سابقاً، هذه أزمة طاقة أوروبية إلى حد كبير، ومع ذلك، ستشعر الدول بدرجات مختلفة جداً من التأثر، تُظهر البيانات المأخوذة من وكالة الطاقة الدولية (IEA) لعام 2018 أنه من بين أكبر الاقتصادات، نجد أن هولندا هي الأكثر اعتماداً على الغاز الطبيعي بنسبة 43% كـ حصة من إجمالي استخدام الطاقة، وتأتي إيطاليا في المرتبة التالية بنسبة 41% تليها المملكة المتحدة بنسبة 39%.

بينما تستخدم السويد 2% فقط، وذلك لأنها استثمرت بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة لـ سنوات عديدة، فهي تعتمد على تلك المصادر المتجددة بنسبة (38٪)، كما أن فرنسا منخفضة أيضاً بحصة غاز تبلغ 15% لأنها تعتمد بشكل أكبر على الطاقة النووية بنسبة (43٪)، أما ألمانيا فلديها حصة بنسبة 25% تأتي من الغاز.

ستعتمد أسعار الغاز المستقبلية في النهاية على ما يجلبه طقس الشتاء، لكن الولايات المتحدة في وضع أفضل مع اقتراب الأشهر الباردة، نظراً لأنها أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم وأن مستويات المخزون ليس مستنفدكما هي في أوروبا، وبالتالي فمن غير المرجح أن تحدث قفزة الأسعار وأزمة الطاقة في الولايات المتحدة مثلها مثل أوروبا أوآسيا.

يقول أحد المحللين في هذا الشأن أن الولايات المتحدة لم تضطر إلى الاعتماد على بقية العالم لتوفير إمداداتها، وهذا حقاً ما كانت مشكلة أوروبا، وأشار إلى أن النقص في الولايات المتحدة لا ينبع من نقص الإمدادات، بل من نقص في البنية التحتية خاصة للغاز الطبيعي المسال.