عالم الحيوان

دب الماء قد يعلمنا طريقة لتحمل قسوة السفر إلى الفضاء

13 تموز 2022 18:31

ليس من حيوان على الأرض أقوى من دب الماء البالغ الصغر، إذ بإمكانه البقاء على قيد الحياة أثناء تجمده عند -272 درجة مئوية، وأثناء تعرضه لفراغ الفضاء الخارجي، بل حتى عند تعرضه لكمية أكبر بـ 500 مرة من كمية الأشعة السينية القاتلة للإنسان.

الظروف القاسية التي يتحملها دب الماء

بعبارة أخرى، بإمكان هذا الكائن، الذي يسمي أيضاً بـ "بطيء الخطو"، أن يتحمل ظروفاً لا وجود لها على الأرض. وهذه المرونة المذهلة، إلى جانب مظهره المحبب، جعل دب الماء مفضلاً لدى محبي الحيوانات. ولكن بمعزل عن ذلك، يتطلع الباحثون إلى هذه الحيوانات المجهرية، بحجم عثة الغبار تقريباً، لتعلم طريقة إعداد البشر والمحاصيل لتحمل قسوة السفر إلى الفضاء.

تنبع صلابة دب الماء من تكيفه مع بيئته، وهو أمر قد يبدو مفاجئاً، لأنه يعيش في أماكن تبدو مريحة، مثل أجمات الطحالب الباردة الرطبة التي تنتشر على جدران الحدائق. ونظراً لعيشه في مثل هذه المواطن، إلى جانب جسده القصير والبدين، يسمي بعض الناس دببة الماء بالخنانيص الطحلبية.

مقاومة دب الماء للجفاف

ولكن اتضح أن موطن دب الماء الرطب قد يجف عدة مرات كل عام. ويمثل هذا الجفاف كارثة كبيرة لدى معظم الكائنات الحية، إذ إنه يدمر الخلايا بالطرق نفسها التي يدمرها التجمد والفراغ والإشعاع.

إذ يؤدي الجفاف من جهة إلى مستويات عالية من البيروكسيدات وأنواع الأكسجين التفاعلية الأخرى. وتعمل هذه الجزيئات السامة على تقطيع الحمض النووي للخلية إلى أجزاء قصيرة - كما يفعل الإشعاع تماماً. كما يؤدي الجفاف أيضاً إلى تجعد أغشية الخلايا وتشققها. وقد يؤدي إلى فضّ البروتينات الدقيقة، ما يجعلها عديمة الفائدة. لكن دب الماء وضع استراتيجيات خاصة للتعامل مع هذه الأنواع من العوامل المؤذية.

أعلاه: عندما يجف دب الماء، تصنع خلاياه بروتينات طويلة ومتقاطعة (كما هو موضح) تعمل على حماية أغشية الخلايا وتحميها.

عندما يجف دب الماء، ينبع من خلاياه العديد من البروتينات الغريبة التي لا تشبه أي شيء موجود لدى الحيوانات الأخرى. وتكون هذه البروتينات في الماء ليّنة وعديمة الشكل. ولكن مع اختفاء الماء، تتجمع هذه البروتينات ذاتياً في ألياف طويلة متقاطعة تملأ داخل الخلية. وكما حبيبات الستيروفوم (حبيبات مصنوعة من رغوة البولستيرين)، تدعم هذه الألياف أغشية الخلايا والبروتينات، وتمنعها من التشقق أو الانفضاض.
وهناك على الأقل نوعان من دببة الماء ينتجان أيضاً بروتيناً آخر لا يوجد لدى أي حيوان آخر على وجه الأرض. يرتبط هذا البروتين، المسمى "مانع الضرر"، بالحمض النووي ويقيه من الأشكال التفاعلية للأكسجين.

كيف لدب الماء أن يوصلنا إلى النجوم

ويمكن لمحاكاة دب الماء أن تساعد البشر يوماً ما في استعمار الفضاء الخارجي. كما يمكن هندسة محاصيل غذائية وخميرة وحشرات لإنتاج بروتينات دب الماء، ما يسمح لهذه الكائنات بالنمو بكفاءة أكبر على المركبات الفضائية حيث ترتفع مستويات الإشعاع مقارنة بالأرض.

ويذكر أن العلماء أدخلوا في وقت سابق جين "مانع الضرر" في الخلايا البشرية في المختبر، فنجت العديد من هذه الخلايا المعدلة من مستويات الأشعة السينية أو المواد الكيميائية البيروكسيدية التي تقتل الخلايا العادية. وعند إدخاله في نباتات التبغ - وهو نموذج تجريبي للمحاصيل الغذائية - بدا أن الجين يصون النباتات من التعرض لمادة كيميائية ضارة بالحمض النووي تسمى إثييل سلفونات الميثان (ethyl methanesulfonate). ونمت النباتات ذات الجين المضاف بسرعة أكبر من النباتات التي لا تمتلكه. كما أن النباتات التي تحتوي على هذا البروتين قت نسبة تلف الحمض النووي لديها عند تعرضه للأشعة فوق البنفسجية.

أعلاه: قد تتحمل بطيئات الخطو المجهرية البرودة الشديدة والجفاف والمستويات القصوى من الإشعاع بفضل التكيفات الجزيئية الفريدة.

وتبدي بروتينات دب الماء علامات مبكرة على إمكانية وقايتها للبشر، فعندما عدّلت الخلايا البشرية لتنتج تلك البروتينات، أصبحت مقاومة للكامبتوثين، وهو عامل كيميائي قاتل للخلايا، حسبما أفاد باحثون. ونجحت بروتينات دب الماء في ذلك عن طريق تثبيط الاستماتة الخلوية (apoptosis)، وهي نهج خلوي للتدمير الذاتي يبدأ عمله في أحيان كثيرة عند التعرض للمواد الكيميائية الضارة أو الإشعاع.
وبناء عليه، إن نجح البشر في الوصول إلى النجوم، فقد يكون جزء من نجاح هذا العمل الفذ قائماً على التعلم من متخصصي التحمل بالغي الصغر ذوي الثمانية أرجل والذين يسكنون في أفنية منازلنا.
sciencenews