خطر الثورانات البركانية الهائلة على البشرية أكبر بكثير من المخاطر التي تشكلها الكويكبات والمذنبات مجتمعة

منوعات

العالم ليس مستعداً للثوران البركاني الهائل القادم

6 أيلول 2022 07:51

قد يتفادى البشر تدمير أنفسهم جراء الحروب أو المساهمة بتغير المناخ، لكن لا تزال هناك تهديدات وجودية أخرى يجب أن نتأهب لها، ومن أبرز هذه الأخطار هو الكويكبات، كذلك الكويكب الذي يشتبه في أنه أباد الديناصورات قبل 65 مليون سنة.

لذا يستعد البشر لهذا السيناريو باستثمارات في مراقبة الكويكبات وانحرافها. لكن أشار باحثان في مقال جديد نشر في مجلة "Nature" إلى ضرورة ألا ندع قلقنا من الكويكبات يطغى على خطر هائل آخر يقبع أمام أعيننا، ألا وهو البراكين، إذ مر على الأرض قبل وجودنا بوقت طويل ثورانات بركانية هائلة لم يختبر جنسنا البشري منها إلا قدراً ضئيلاً..

الثوران البركاني

وفي هذا الصدد، كتب الباحثان مايكل كاسيدي، أستاذ علم البراكين في جامعة برمنغهام، ولارا ماني، باحثة مشاركة في مركز دراسة المخاطر الوجودية بجامعة كامبريدج: "إن احتمال حدوث ثوران بركاني واسع النطاق على مدى القرن المقبل يفوق مجموع احتمالات سقوط الكويكبات والمذنبات بمئات المرات".

وقال كاسيدي وماني إنه في حين أن التحضير لاصطدام الكويكبات أمر حكيم، فإننا لا نستعد بدرجة كافية للحدث الأكثر احتمالاً المتمثل بالثوران البركاني الهائل.

وأضاف الباحثان إن الحكومات والوكالات العالمية تنفق مئات ملايين الدولارات سنوياً على حماية الأرض من الكويكبات، بما في ذلك تجربة أمريكية جديدة لصد الصخور الفضائية.

وستختبر مهمة "اختبار إعادة توجيه كويكبين" (DART) التي ستجريها وكالة ناسا قريباً إمكانية حرف كويكب عن مساره من خلال محاولة تغيير مسار كويكب آخر. وستكلف هذه المهمة نحو 330 مليون دولار، لكن لاحظ كاسيدي وماني عدم وجود استثمار مماثل للتحضير لثوران هائل، وقالا: "علينا تغيير ذلك".

قد نألف البراكين أكثر من الكرات النارية القادمة من الفضاء، ولكن هذا سبب إضافي يدفعنا إلى عدم التقليل من شأنها، فالبراكين، على عكس الكويكبات، موجودة على الأرض بالفعل، وهي منتشرة في جميع أنحاء الكوكب، وتكون في أحيان كثيرة مغطاة بمناظر خلابة تتناقض مع إمكاناتها المدمرة.

الثورات البركانية

وفي حين شهد البشر ثورات بركانية رهيبة كثيرة في العصر الحديث، يبهت معظمها عند مقارنتها بالبراكين العملاقة التي تثور كل 15000 سنة أو نحو ذلك.

حدث آخر ثوران بركاني من هذا النوع منذ نحو 22000 عام، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. ("الثوران البركاني الهائل" هو ثوران له قوة تعادل 8 درجات، وهو أعلى تصنيف في مؤشر الانفجار البركاني VEI).

ووقع آخر ثوران بركاني بقوة 7 درجات في عام 1815 في جبل تامبورا بإندونيسيا، وأسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 100000 شخص. وخفض الرماد والدخان درجات الحرارة العالمية بنحو درجة مئوية واحدة في المتوسط، فلم يأت فصل الصيف في عام 1816، وهذا أدى إلى نقص كبير في المحاصيل أدى بدوره إلى المجاعة وتفشي الأمراض والعنف.

لكن مراقبة البراكين تحسنت منذ عام 1815، وكذلك قدرتنا على حشد الدعم العالمي للإغاثة من الكوارث، ولكنها لا تكفي بالضرورة لموازنة جميع المخاطر التي نواجهها الآن.

ولاحظ الباحثان تضاعف عدد سكان الأرض منذ أوائل القرن التاسع عشر، وازدهرت بعض المناطق الحضرية الكبيرة بالقرب من البراكين الخطيرة. كما أننا نعتمد بشكل أكبر على التجارة العالمية، لذا فإن الاضطرابات التي تحدث في مكان ما ستؤدي إلى نقص الغذاء وأزمات أخرى في أماكن أخرى.

وقد يكون الخطر الذي تشكله البراكين أكبر مما نعتقد، ففي دراسة أجريت عام 2021 استناداً إلى بيانات من لب الجليد القديم، وجد الباحثون أن الفترات الفاصلة بين الثورانات البركانية الهائلة أقصر بمئات أو حتى آلاف السنين مما كان يُظنّ سابقاً.

ولا يزال تاريخ كثير من البراكين غامضاً، ما يصعب توقع الثورانات البركانية المستقبلية وتركيز الموارد حيث تكون المخاطر أعلى. ونحن بحاجة إلى مزيد من الأبحاث حول لب الجليد وكذلك السجلات التاريخية والجيولوجية، كما كتب كاسيدي وماني، بما في ذلك النوى البحرية والبحيرات، خاصة في المناطق عالية الخطورة التي تنقصنا البيانات حولها مثل جنوب شرق آسيا.

وأضاف: نحتاج أيضاً إلى مزيد من الأبحاث متعددة التخصصات لمساعدتنا في التنبؤ بالطريقة التي قد يؤدي بها الثوران البركاني الهائل إلى شل الحضارة، من خلال تحديد المخاطر على التجارة والزراعة والطاقة والبنية التحتية، بالإضافة إلى "نقاط الاكتظاظ" الجغرافية حيث تتداخل المخاطر البركانية مع شبكات التجارة الهامة.

مراقبة البراكين

كما تعد المراقبة الأكثر شمولاً للبراكين أمراً حيوياً أيضاً، بما في ذلك المراقبة الأرضية وكذلك المراقبة الجوية وعبر الأقمار الصناعية. وأشار الباحثان إلى أن علماء البراكين يتوقون منذ فترة طويلة للحصول على قمر صناعي متخصص لرصد البراكين، والذي قد يساعد في الاستعداد للكارثة بما يتجاوز النظام الحالي المعتمد على مشاركة الأقمار الصناعية الحالية مع علماء آخرين.

والوعي المجتمعي والتعليم هو مفتاح آخر للصمود، إذ يحتاج الناس إلى معرفة إن كانوا يعيشون في مناطق خطر بركاني، وكيف يستعدون للثوران، وماذا يفعلون عندما يحدث.

ولفت كاسيدي وماني إلى أن السلطات تحتاج أيضاً إلى وضع طرق لبث التنبيهات العامة عند ثوران البراكين، مثل الرسائل النصية التي تحتوي على تفاصيل حول عمليات الإجلاء، أو نصائح حول النجاة من ثوران البركان، أو إرشادات إلى الملاجئ ومرافق الرعاية الصحية.

مجلة Nature