مستقبل أسعار الفائدة الأمريكية

منوعات

هل سيغير تقرير الوظائف الأمريكية القوي وجهة النظر حول مستقبل أسعار الفائدة الأمريكية؟

25 شباط 2023 13:16

ظل نمو الوظائف في الولايات المتحدة قوياً طوال عام 2022 ولكنه اكتسب درجة مفاجئة من الزخم مع بداية عام 2023، كما انخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من 50 عامًا، تشير بيانات الوظائف القوية التي جاءت أعلى من المتوقع إلى أن أسعار الفائدة يمكن أن تظل مرتفعة لفترة أطول، لكنها أثارت جدلًا كبيرًا حول ما إذا كان هذا يعني أن الاقتصاد أكثر مرونة مما كان متوقعًا.

على مدار العام الماضي اتخذ البنك الاحتياطي الفيدرالي خطوات صارمة لإبطاء النمو الاقتصادي الأمريكي كوسيلة لمكافحة التضخم الذي وصل إلى مستويات تاريخية، وتضمنت إجراءاته تعديلات تصاعدية كبيرة على معدل الأموال الفيدرالية المستهدفة، وعلى الرغم من ذلك، كان سوق الوظائف الأمريكي مرنًا طوال عام 2022، حيث ظل النمو الشهري للوظائف ثابتًا في بيئة نمو متباطئة، ولكن بدءًا من عام 2023 نمت الوظائف بطريقة قوية وبشكل مدهش.

ولكن ماذا تخبرنا الاتجاهات الحديثة عن اتجاه سوق العمل؟ وما الذي تشير إليه بيانات الوظائف الأخيرة، مع نمو التوظيف بشكل أسرع بكثير مما يتوقعه المحللون، حول الاقتصاد الأوسع والتأثير على سوق تداول الأسهم العالمية؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للسياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي في المستقبل؟.

استمرار نمو الوظائف الدراماتيكية

كان التقرير الشهري الصادر عن مكتب احصاءات الولايات المتحدة حول حالة سوق العمل أحد أكثر العناوين الاقتصادية المذهلة في الأسابيع الأولى من عام 2023، حيث أظهر أن الوظائف بالقطاع غير الزراعي ارتفعت بمقدار 517000 في يناير متجاوزة بكثير تقديرات المحللين والتقارير الشهرية الأخيرة، وبالمقارنة، بالنسبة لعام 2022 بأكمله، نمت الوظائف غير الزراعية بمتوسط 401 ألف وظيفة شهريًا متجاوزة أيضًا التوقعات، ولكنها أبطأ من الوتيرة السريعة لنمو الوظائف في عام 2021 والتي تجاوزت 605000 في الشهر، وبرغم ذلك تظل نتائج 2022 مثيرة للإعجاب.

بلغ معدل البطالة في يناير 3.4% وهو أدنى مستوى منذ مايو 1969، وتأتي قوة سوق العمل على الرغم من النمو الاقتصادي الأبطأ بكثير خلال العام الماضي، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي وهو مقياس للأداء الاقتصادي للدولة في الربعين الأولين من عام 2022 ثم أظهر تحسنًا متواضعًا في النصف الثاني من العام، بالنسبة لعام 2022 بأكمله نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1% وهو أبطأ بكثير من معدل نمو الاقتصاد البالغ 5.9% في عام 2021.

ظاهريًا يثير تقرير التوظيف القوي المفاجئ لشهر يناير المخاوف من أن يقوم البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بشكل أكبر والاحتفاظ بها عند مستويات أعلى لفترة أطول في عام 2023، ويمكن أن تؤثر تكاليف العمالة المرتفعة على إجراءات التضخم الأوسع نطاقًا وهو أمر يثير قلق البنك الاحتياطي الذي يكافح التضخم.

مقياس رئيسي يجب مراقبته هو النسبة المئوية للسكان في القوة العاملة والمعروفة باسم معدل المشاركة في العمل، بعد إظهار المعدل بعض التحسن في ديسمبر 2022 ظل مستواه عند 62.4% في يناير، يقول أحد كبار الاقتصاديين في بنك الولايات المتحدة "مات شويبنر": أن معدل المشاركة في العمل في الغالب تحرك جانبًا في الآونة الأخيرة، وأضاف أن تحسين المشاركة في العمل هو إحدى الطرق لمعالجة الضيق في سوق العمل الذي أبقى مكاسب الأجور مرتفعة.

قد يبدو استمرار قوة سوق العمل مفاجئًا في ضوء جهود البنك الاحتياطي الفيدرالي لمحاولة إبطاء الاقتصاد، يقول محلل الاستثمار القومي لبنك الولايات المتحدة " توم هينلين": بينما يتخذ البنك الاحتياطي الفيدرالي إجراءات صارمة فإنه ليس بالضرورة أن يكون له تأثير فوري عبر الاقتصاد الأوسع، وأضاف أن القوى العاملة خضعت لعدد من التغييرات منذ كوفيد 19 وما زالت التغييرات جارية، والجدير بالذكر أن إجمالي عدد الأمريكيين العاملين (استنادًا إلى بيانات مكتب إحصاءات العمل) قد تعافى مؤخرًا فقط إلى مستوى الذروة الذي وصل إليه قبل بدء كوفيد 19 في أوائل عام 2020، ما ينقصنا هو النمو في الوظائف الذي كنا سنشهده عادةً إذا كان لم يحدث الوباء.

بالإضافة إلى ذلك، لا تزال بعض الصناعات تواجه نقصًا في العمال بعد أن ترك عدد من الموظفين مناصبهم أو تم تسريحهم خلال ذروة الوباء، يتضح هذا في العديد من الصناعات لا سيما في قطاعي الخدمات والرعاية الصحية حيث لا تزال العديد من الوظائف شاغرة مقارنة بالارتفاعات السابقة للوباء.

هناك علامة أخرى يمكن أن تشير إلى المزيد من ضغوط الأجور المحتملة وهي العدد المتزايد للوظائف الشاغرة على الصعيد الوطني والتي تقترب الآن من 11 مليون، أي ما يقرب من 1.9 فرصة عمل متاحة لكل عامل وتعتبر هذه النسبة عالية لا سيما في فترة النمو الاقتصادي البطيء.

ماذا يقول سوق العمل للبنك الاحتياطي الفيدرالي؟

رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة المستهدف على الأموال الفيدرالية قصيرة الأجل من حوالي 0% قبل مارس 2022 إلى نطاق 4.50% إلى 4.75% بحلول فبراير 2023، وقد أشار إلى أنه يمكن توقع عدد صغير من زيادات أسعار الفائدة الإضافية في عام 2023، وعلى ما يبدو أن البنك الاحتياطي يعمل حاليًا على مواصلة جهوده لتهدئة التضخم دون التسبب في ركود.

تضيف بيانات الوظائف القوية إلى وجهة النظر الكثيرين بأن الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى رفع أسعار الفائدة والحفاظ عليها عند مستوى أعلى لفترة زمنية أطول، كما تشير جميع المؤشرات إلى أن البنك الاحتياطي سيفعل ما يعتقد أنه بحاجة إلى القيام به لخفض التضخم، وقد يعني هذا الاستمرار في رفع الأسعار حتى تصل إلى ما يكفي لاحتواء الارتفاع السريع في تكلفة الحياة.

أحد أسباب تحرك الاحتياطي الفيدرالي بقوة هو أنه كان متأخرًا في التعامل مع مشكلة التضخم التي اندلعت لأول مرة في أوائل عام 2021، ويعتقد الكثيرون بأن تباطؤًا اقتصاديًا أكبر قادم لكن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال حذرًا من أن الظروف المالية يمكن أن تتحسن مما يلغي جهوده لكبح التضخم.

التحديات في سوق العمل

ينصب تركيز الاحتياطي الفيدرالي أيضًا على مقدار نمو الأجور الذي تباطأ بشكل متواضع في الأشهر الأخيرة، لكنه ظل مرتفعا عند 4.4% خلال الأشهر الـ 12 الماضية.

يلاحظ أحد المحللين أن معدل نمو الأجور السنوي الذي يستهدفه البنك الاحتياطي الفيدرالي يقع في نطاق 3.5%، يمكن أن يكون أحد مفاتيح تحقيق ذلك هو تحسين معدل المشاركة في العمل، ولكن لا تزال هناك حاجة لجذب المزيد من العمال للعودة إلى السوق، بالنظر إلى الوتيرة السريعة الأخيرة لخلق الوظائف وعدد الوظائف المتاحة التي تفوق عدد العمال، يقول المحللون إن تكاليف العمالة لا تزال مرتفعة وهو أمر من المرجح اعتباره في الوقت الذي ينظر فيه الاحتياطي الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة.

القلق على المدى الطويل هو الإنتاجية والتي تقيس مستوى الإنتاج مقارنة بالمدخلات مثل رأس المال أو العمالة، أدى ظهور عصر المعلومات إلى تطورات هائلة في الإنتاجية لكن البيئة تغيرت، يقول محلل الاستثمار القومي لبنك الولايات المتحدة " توم هينلين": ما زلنا نرى تحسينات في الإنتاجية، لكن التطورات لم تخلق الكثير من التأثير في توليد الوظائف والنمو الاقتصادي كما كانت في السابق، فاليوم تشهد نمو الإنتاجية انخفاضًا مزمنًا، وهذا يثير تساؤلات حول توقعات النمو الاقتصادي المستقبلي إذا تقدمت معدلات الإنتاجية وحجم القوى العاملة بشكل أبطأ.