خطة أمريكية لمستقبل غزة بعد الحرب.. ما تفاصيلها؟

أخبار

خطة أمريكية حول مستقبل غزة بعد الحرب

5 كانون الأول 2023 09:40

كشفت صحيفة بوليتكو الأميركية، بأن مسؤولي إدارة بايدن قد أمضوا أسابيع في صياغة خطة متعددة المراحل لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، والتي تتصور سيطرة السلطة الفلسطينية المتجددة في نهاية المطاف على القطاع.

ورغم أن هذا الحل غير مثالي وفق الصحيفة، لكن المسؤولين الأميركيين ينظرون إليه باعتباره أفضل الخيارات السيئة الوحيدة لمنطقة أدت الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية حماس، إلى تدمير البنية التحتية فيها، وقتل الآلاف من الفلسطينيين وتشريد أكثر من 1.5 مليون آخرين، كما يمكن أن يضع الولايات المتحدة على مسار تصادمي مع الحكومة الإسرائيلية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين ومسؤول في وزارة الخارجية ومسؤول في الإدارة مطلع على المناقشات، تأكيدهم بأن المسؤولين في وزارة الخارجية والبيت الأبيض ووكالات أخرى، قد قاموا بوضع أجزاء من الاستراتيجية في أوراق موقف متعددة واجتماعات مشتركة بين الوكالات منذ منتصف أكتوبر.

سلطة فلسطينية متجددة تتولى إدارة قطاع غزة

‏وعلى الرغم من أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن وآخرين في الإدارة أعلنوا علنا أن السلطة الفلسطينية “المعاد تنشيطها” يجب أن تدير القطاع، إلا أنهم لم يكشفوا عن تفاصيل بشأن كيفية عمل ذلك، لكنهم واجهوا بالفعل مقاومة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي استبعد فعلياً أي دور مستقبلي للسلطة الفلسطينية في غزة.

وبحسب الصحيفة فإن ‏المسؤولين الإسرائيليين في غالبيتهم غير راغبين في مناقشة ما هو أبعد من الحرب الحالية، التي أشعل فتيلها هجوم شرس شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وأدى إلى مقتل نحو 1200 إسرائيلي، ولكن الاستراتيجيين الأمريكيين الذين يضعون الخطط يواصلون العودة إلى السلطة الفلسطينية، التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية ولكنها تعاني منذ فترة طويلة من مزاعم الفساد وعدم الكفاءة ويقولون إن هذا هو الخيار الأكثر قابلية للتطبيق.

‏وقال مسؤول وزارة الخارجية: “نحن عالقون” مضيفا "هناك تفضيل سياسي قوي للسلطة الفلسطينية للعب دور حاكم في غزة، لكنها تواجه تحديات كبيرة على صعيد الشرعية والقدرات".

‏الرؤية الواسعة التي انبثقت عن المحادثات الداخلية هي إعادة إعمار غزة على مراحل متعددة بمجرد انتهاء القتال العنيف بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حماس، وستكون هناك حاجة إلى قوة دولية لتحقيق الاستقرار في المنطقة في أعقاب ذلك مباشرة، تليها سلطة فلسطينية متجددة تتولى السلطة على المدى الطويل.

‏وتشمل الأجزاء الرئيسية من الخطة زيادة المساعدات المتعلقة بالأمن التي يقدمها مكتب الشؤون الدولية لمكافحة المخدرات وإنفاذ القانون التابع لوزارة الخارجية للسلطة الفلسطينية والسماح بدور أكبر للمنسق الأمني الأمريكي، الذي يتمتع بسجل حافل في تقديم المشورة لقوات الأمن الفلسطينية وفق المصادر.

‏وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن: “في النهاية، نريد أن يكون لدينا هيكل أمني فلسطيني في غزة بعد الصراع”.

‏وتم منح جميع المسؤولين إمكانية عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة موضوع حساس للغاية، وأكدوا أن الأفكار المطروحة هي أفكار وليدة وتخضع للعديد من المتغيرات التي لا يمكن التنبؤ بها، ويتوقع المسؤولون الأمريكيون أن يستمر القتال العنيف لعدة أسابيع أخرى، على الأقل.

‏ورفض متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض التعليق على هذه الخطة.

عقبات تواجه الخطة الأمريكية لما بعد الحرب في غزة

ولفتت الصحيفة إلى أن أي استراتيجية تطرحها الولايات المتحدة ستواجه عقبات عديدة، بما في ذلك الشكوك الإسرائيلية والإحباط العربي، على الرغم من أن اللاعبين والمحللين الإقليميين يتفقون بشكل عام على أن واشنطن ستحتاج إلى لعب دور حاسم في مرحلة ما بعد الحرب.

‏وقال أحد المسؤولين الأمريكيين: "إن كيفية الوصول إلى هناك وما هو موجود بالفعل في غزة لتحقيق ذلك أمر صعب للغاية، لأنه لا توجد إجابة واضحة أو سهلة".

‏ويقود عملية التخطيط المسؤول الكبير في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك ويساعده تيري وولف، وهو من قدامى الموظفين في وزارتي الدفاع والخارجية ويعمل الآن في مجلس الأمن القومي.

‏وتشمل الشخصيات الرئيسية الأخرى المشاركة باربرا ليف، ودان شابيرو، وهادي عمرو، الذين يشغلون مناصب رئيسية في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية.

‏وتشارك فرق وزارة الخارجية التي تتعامل مع الشرق الأوسط وتخطيط السياسات، لكن أجزاء أخرى من الحكومة تقوم بالتقييم حسب الحاجة.

تحقيق الاستقرار في غزة بعد الحرب

‏ولعل التحدي المباشر الأكثر صعوبة هو معرفة من الذي سيلعب دوراً في تحقيق الاستقرار في غزة في المرحلة الانتقالية التي تلي القتال.

‏وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤول الأمريكي الثاني قال بأن الدول العربية ورغم أنها بدت مترددة أو غير راغبة تماما في إرسال قوات لغزة، بدا البعض في المحادثات الأخيرة أكثر انفتاحا على الفكرة، واستبعدت إدارة بايدن إرسال قوات أمريكية.

‏إحدى الأفكار التي تم تداولها هي مطالبة دولة الإمارات بالمساعدة في إعادة بناء المرافق الصحية أو تدريب موظفي الخدمة المدنية، وقال المسؤول الأمريكي الثاني إن الأمم المتحدة يمكن أن تلعب دورا في غزة في مرحلة ما بعد الحرب على الأقل على الجبهة الإنسانية ولكن الحكومة الإسرائيلية ليست من محبي الأمم المتحدة، وتعتبرها متحيزة ضد الإسرائيليين.

‏ومن المرجح أن تلعب مصر المجاورة دوراً رئيسياً في غزة ما بعد الحرب وقد تردد اقتراح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في دوائر إدارة بايدن، بأن تكون الدولة الفلسطينية المستقبلية منزوعة السلاح مع وجود أمني دولي مؤقت.

‏وقال المسؤول الكبير في إدارة بايدن: “المجهول الكبير هو بالضبط ما الذي سيبقى من حماس في غزة، وحتى لو كانت أعداد الجماعة منخفضة، فإن حصولهم على الأسلحة يمكن أن يغير بشكل كبير حسابات الدول التي تفكر في إرسال قوات".

‏والشيء الوحيد الذي تأمل الولايات المتحدة أن تراه حاليا هو إدانات أكثر وضوحا لحماس من قبل الحكام العرب، الذين يكره الكثير منهم سرا الجماعة الإسلامية المسلحة، التي يرون أنها تشكل تهديدا محتملا لحكوماتهم، وقد انتزعت حماس السيطرة على غزة من السلطة الفلسطينية قبل أكثر من 15 عاما.

‏ويبدو أن المفتاح إلى إقناع العديد من الزعماء العرب بالتخطيط الجاد لمرحلة ما بعد الحرب هو أن إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل هو الهدف النهائي لهذا العمل.

‏وقال مسؤول وزارة الخارجية إن المسؤولين الأميركيين مدفوعون إلى حد كبير بهذه النتيجة نفسها، لكن التخطيط في الوقت الحالي يركز على تحقيق الاستقرار في غزة.

‏أحد أسباب رفض الرئيس جو بايدن ومساعديه الدعوة إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار هو أنهم يدعمون الهدف الإسرائيلي المتمثل في تدمير حماس، التي تعتبرها واشنطن عقبة رئيسية أمام حل الدولتين كما أن السلطة الفلسطينية الحالية غير محبوبة من قبل العديد من الفلسطينيين، الذين ينظرون إليها على أنها فاسدة وبعيدة عن الواقع وضعيفة، ولم تجر انتخابات منذ سنوات ويديرها محمود عباس البالغ من العمر 88 عاما، والذي لم يقم بإدانة هجوم حماس بوضوح بعد.

‏وأضافت الصحيفة، لم يتسن الاتصال بمتحدث باسم السلطة الفلسطينية للتعليق، وورد أن عباس قال في وقت سابق إن السلطة الفلسطينية لن تسيطر على غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية، مما يعني أنها لا تريد أن يُنظر إليها على أنها دمية.

‏وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين - بما في ذلك بايدن نفسه - يستخدمون كلمة "أعيد تنشيطها" لوصف آمالهم في وجود سلطة فلسطينية مستقبلية تدير غزة، إلا أن كلمات مثل "الإصلاح" أو "تجديدها" أو "إعادة الهيكلة" ربما تكون أكثر قابلية للتطبيق.

‏وردا على طلب للتعليق من الحكومة الإسرائيلية، قال مسؤول إسرائيلي للصحيفة، طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة قضية لا تزال قيد المراجعة، إن "الفجوة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أصغر بكثير مما تراه العين".

‏وقال المسؤول: “تتفق الإدارتان على أن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي لا يمكنها أن تحكم غزة” مضيفا "قد يكون الشخص الذي تم تنشيطه وإصلاحه قادرا على القيام بذلك، لكننا لم نجري بعد مناقشات حول الشكل الذي يجب أن يبدو عليه هذا الإصلاح بالضبط".

‏ومع ذلك، ليس من الواضح ما هو مستوى التغيير – إن وجد – في السلطة الفلسطينية الذي قد يرضي نتنياهو أو حلفائه السياسيين.

‏وقد دعا نتنياهو في بعض الأحيان إلى إنشاء هيكل حكم فلسطيني جديد في غزة، بينما اقترح أيضا أن يكون لإسرائيل نوع من السيطرة الأمنية العامة، ولم تكن تصريحاته متسقة دائما، لكنها لا تشير إلى انفتاح على حكم السلطة الفلسطينية المستقبلي في غزة.

‏ولطالما اتُهم الزعيم الإسرائيلي بمحاولة تقويض السلطة الفلسطينية عمدا كوسيلة لتجنب إنشاء دولة فلسطينية، ويصر نتنياهو على أن السلطة الفلسطينية ليست شريكا جديا في السعي إلى حل الدولتين وأنها تروج للكراهية ضد اليهود.

‏ومع ذلك، فمن غير الواضح أيضا إلى متى سيتولى نتنياهو وائتلافه اليميني مسؤولية إسرائيل حيث لا يحظى نتنياهو بشعبية كبيرة، حيث يتهمه العديد من الإسرائيليين بالمسؤولية عن هجوم حماس في السابع من أكتوبر، ويتوقع المسؤولون الأمريكيون رحيله في نهاية المطاف عن المشهد، لكنه نجح في العودة إلى الساحة السياسية من قبل.

‏وقال المسؤول في الإدارة إن المسؤولين الأميركيين لم يحالفهم الحظ بقدر ما يرغبون في جعل القادة الإسرائيليين يناقشون بطريقة هادفة كيف ستبدو غزة بعد الحرب.

‏ويشعر بعض المحللين والمسؤولين في واشنطن بالقلق من أن مجرد محاولة تحديد ما يعتبر نهاية للحرب سيصبح مع مرور الوقت نقطة خلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأمر ليس كما لو أن شخصا ما سيطلق صافرة ويضع الجميع أسلحتهم.

‏وقال المسؤول في الإدارة: "الإسرائيليون ليسوا في مزاج يسمح لهم بالحديث عن اليوم التالي" مضيفا "إنهم يركزون بشدة على اليوم، لذلك لم يكن هناك الكثير من الاهتمام بشأن مستقبل غزة".

‏وقال المسؤول بوزارة الخارجية إنه على الرغم من ذلك، لا يوجد أي حديث داخلي في إدارة بايدن عن تكييف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل كوسيلة للضغط على البلاد للموافقة على بعض الأفكار قيد المناقشة في واشنطن.

‏وفي مقابلة تم بثها نهاية هذا الأسبوع على قناة ABC News، قلل رون ديرمر، أحد كبار مساعدي نتنياهو، من أهمية فكرة الدولة الفلسطينية، على الرغم من أنه قال إنه يمكن التوصل إلى تسوية سياسية نهائية مع الفلسطينيين وقال "أعلم أن الجميع يتسابقون الآن إلى الأمام لمحاولة إقامة دولة فلسطينية. بالنسبة لشعب إسرائيل، فإنهم لا يفهمون ذلك لأننا عانينا للتو مما يعادل 20 حادثة 11 سبتمبر” مضيفا "أعتقد أن آخر شيء تريد القيام به هو إرسال رسالة إلى أي "جماعة إرهابية" مفادها أن الطريقة التي ستحقق بها هدفا ليست في ارتكاب "هجوم إرهابي" واسع النطاق".

‏وتقوم إدارة بايدن، وهي تخطط للمستقبل، بالتشاور مع المحللين الخارجيين ونشطاء المجتمع المدني وغيرهم، والذين حذر بعضهم من المخاطر المحتملة حيث لا تستطيع الدول العربية في المنطقة حتى أن تتفق فيما بينها على كيفية التعامل مع سيناريو ما بعد الحرب، وهذه هي الدول التي تأمل الولايات المتحدة أن تمول أي عملية إعادة إعمار.

‏وهناك أيضا الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024 فإذا فاز الجمهوريون، فمن المرجح أن يذعنوا أكثر لرغبات إسرائيل، حتى لو أثار ذلك غضب شركاء أمريكا العرب في الشرق الأوسط.

‏ويواجه المسؤولون الأميركيون الذين يرسمون السيناريوهات المختلفة صعوبات بسبب المتغيرات العديدة في هذه العملية.

‏كما كان هجوم حماس مفاجأة للمؤسسة الأمريكية على عكس الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، والذي توقعته إدارة بايدن قبل أشهر من حدوثه، وقال مسؤول الإدارة إنه بعد مرور ما يقرب من شهرين، "شعر الناس بالقلق".

‏وبدا المسؤول الكبير في الإدارة أكثر تفاؤلا: "لقد حددنا كل حالة طوارئ محتملة"، كما قال المسؤول "ومع تطور الأمور، نأمل أن نتمكن من اغتنام هذه اللحظة".

‏وحث بريان كاتوليس، المحلل في معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث في واشنطن، المسؤولين الأمريكيين على محاولة المساعدة في تنظيم الدول العربية بشكل أفضل حتى يكون لها صوت أوضح في اتجاه الصراع.

‏وتعاطف كاتوليس مع الإحباط الذي يشعر به المسؤولون الأمريكيون الذين يحاولون حل اللغز الأخير في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود.

‏وقال: "إنه يشبه كتاب "اختر مغامرتك الخاصة" الذي لا يمكنك التحكم فيه، لأن الظروف ستحدد الاحتمالات". 

المصدر: صحيفة بوليتكو الأميركية