نظام تجريبي جديد يُقرب تكنولوجيا الكم من الطلاب

تعليم تكنولوجيا الكم

تشهد فيزياء الكم ثورة ثانية تُمهّد الطريق لتطورات هائلة في مجالات الحوسبة، والإنترنت، والاتصالات، والأمن السيبراني، والطب الحيوي، ينجذب عدد متزايد من الطلاب إلى استكشاف المفاهيم الكمّية المتقدمة، مثل التشابك الكمّي والتراكب، نظرا لقدرتها على إحداث تحولات جوهرية في مختلف التطبيقات العلمية والتقنية.

ومع ذلك، لا يزال فهم المبادئ غير البديهية لميكانيكا الكم واستيعاب تأثيرها على التقدم التكنولوجي يشكلان تحديا كبيرا، خاصة في عام 2025، الذي أعلنت عنه اليونسكو باعتباره "السنة الدولية لعلوم وتكنولوجيا الكم".

نظام تعليمي مبتكر لتعزيز فهم الطلاب لفيزياء الكم

استجابة لهذه الحاجة، طور فريق بحثي من كلية الفيزياء بجامعة برشلونة معدات تجريبية مبتكرة تساعد الطلاب على التفاعل مع مفاهيم فيزياء الكم المعقدة، يتميز هذا النظام التجريبي بأنه متعدد الاستخدامات، وفعال من حيث التكلفة، وقابل للتكيف مع بيئات تعليمية مختلفة، وهو قيد الاستخدام بالفعل في المختبر الكمّي المتقدم بالجامعة.

يعد هذا الابتكار خطوة مهمة نحو إتاحة التعليم الكمّي لمؤسسات تعليمية ذات إمكانيات محدودة، مما يوسع فرص الطلاب للحصول على تجربة عملية في فيزياء الكم.

تم عرض تفاصيل هذا النظام في مجلة EPJ Quantum Technology، كنتيجة لتعاون علمي بين عدة أساتذة بارزين من جامعة برشلونة، من بينهم:

البروفيسور برونو جوليّا من قسم فيزياء الكم وعلم الفلك ومعهد علوم الكون بجامعة برشلونة (ICCUB).

البروفيسور مارتي دوكاستيلا من قسم الفيزياء التطبيقية ومعهد علوم النانو والتكنولوجيا بجامعة برشلونة (IN2UB).

البروفيسور خوسيه م. غوميز من قسم الهندسة الإلكترونية والطب الحيوي.

يعتمد المشروع على البحث الذي أجراه راؤول لاهوز في رسالة الماجستير الخاصة به، بمشاركة الباحثين ليديا لوزانو وأدريا برو.

استكشاف الظواهر الفريدة لميكانيكا الكم

تتيح ميكانيكا الكم إمكانية إنشاء أنظمة متشابكة كمّيًا، مثل جزيئين أو فوتونين يعملان بطريقة غير تقليدية. في عام 1964، أثبت الفيزيائي جون بيل تجريبيا أن تنبؤات ميكانيكا الكم تتعارض تمامًا مع الفيزياء الكلاسيكية، والتي كان ألبرت أينشتاين من مؤيديها، مما رسّخ الطبيعة الاحتمالية لميكانيكا الكم.

وفي عام 2022، حصل العلماء ألان أسبكت، وجون ف. كلاوزر، وأنتون زايلينغر على جائزة نوبل في الفيزياء بفضل تجاربهم الرائدة في معلومات الكم وإثباتهم التجريبي لانتهاك متباينات بيل.

يُعتبر التشابك الكمّي اليوم أحد الموارد الأساسية لدفع تطوير التقنيات الكمّية، بما في ذلك الحواسيب الكمّية والتشفير الكمّ،  وفقا للبروفيسور برونو جوليّا، فإن دراسة متباينات بيل ومراقبة انتهاكاتها أمرٌ أساسي لفهم الأنظمة المتشابكة كمّيا،ومن الضروري إجراء هذه التجارب في مختبرات تعليمية لتوفير فهم أعمق لمفاهيم مثل التشابك الكمّي والطبيعة الاحتمالية لميكانيكا الكم.

تمكين الطلاب من استخدام أدوات متقدمة في فيزياء الكم

تم تصميم النظام الجديد في جامعة برشلونة بحيث يُتيح دراسة متباينات بيل وإجراء التصوير المقطعي لحالة الفوتون الثنائية، يمكن تحضير حالات تشابك كمّي مختلفة بسهولة من خلاله، مما يجعله أداة قوية لدراسة فيزياء الكم عمليا.

بالمقارنة مع الأنظمة السابقة، يتميز هذا النظام بتحسين عملية التقاط الفوتونات من خلال كاشفات متصلة بألياف بصرية، وهي إضافة تقنية رئيسية تُسهّل محاذاة النظام وتزيد من كفاءة الاكتشاف.

بحسب البروفيسور برونو جوليّا ومارتي دوكاستيلا، فإن هذا التحسين يتيح إجراء قياسات كاملة لمتباينات بيل خلال جلسة مخبرية قصيرة (بين ساعة إلى ساعتين).

نتائج متميزة واستقبال إيجابي من الطلاب

كشفت النتائج عن قدرة النظام على التحكم في الحالة الكمّية للفوتونات، مما أدى إلى تحقيق حالات تشابك عالية الجودة وانتهاكات واضحة لمتباينات بيل. إضافةً إلى ذلك، تعتمد مكونات هذا النظام على تقنيات مستخدمة على نطاق واسع في التكنولوجيا الكمّية الحديثة، مما يُتيح للطلاب فرصة التفاعل المباشر مع أجهزة متقدمة في هذا المجال.

تم تنفيذ هذا الابتكار بالفعل في برامج البكالوريوس والماجستير، حيث تلقى إشادة واسعة من الطلاب، في برنامج البكالوريوس في الفيزياء، يوفر النظام تجارب عملية تُكمل دروس نظرية المعلومات الكلاسيكية والكمّية وميكانيكا الكم. أما في برنامج الماجستير في علوم وتكنولوجيا الكم، فهو واحد من أربعة تجارب رئيسية تُجرى في المختبر الكمّي المتقدم.

نحو مستقبل تعليمي أكثر تفاعلا في مجال تكنولوجيا الكم

يُشكّل هذا النظام التجريبي خطوة كبيرة نحو تمكين الأجيال الجديدة من العلماء والباحثين في مجال فيزياء الكم، من خلال تبسيط التجارب الكمّية المعقدة وجعلها في متناول الطلاب، يُسهم هذا الابتكار في تسريع فهم التكنولوجيا الكمّية وتعزيز تطورها في المستقبل القريب.