تم اكتشاف مركبات عضوية متطايرة (VOCs) على عمق يزيد عن كيلومترين داخل بئر محفور في فنلندا، وهو موقع سبق أن كشف عن مياه جوفية يُعتقد أن عمرها يمتد لعشرات الملايين من السنين.
تُعرف هذه المركبات عادةً بتأثيرها السلبي على جودة الهواء الداخلي وتلوث البيئة الصناعية، ولكنها تحدث أيضا بشكل طبيعي في بيئات مثل الأراضي الرطبة، والغابات، والبراكين، والفوهات الحرارية المائية.
دراسة علمية تكشف أسرار التكوينات الجيولوجية العميقة
قام باحثون من جامعة هلسنكي ومركز الأبحاث التقنية في فنلندا (VTT) بجمع عينات من الغازات والميكروبات من البئر العميق، والذي تم حفره من قبل هيئة المسح الجيولوجي الفنلندية (GTK) لأغراض بحثية في منطقة أوتوكومبو، المعروفة بترسباتها الغنية بالمعادن.
تم العثور على مجموعة واسعة من المركبات العضوية المتطايرة في المياه الجوفية داخل الصخور البلورية على أعماق تتراوح بين 500 و2,300 متر، حتى الآن لم يكن هناك سوى القليل من المعلومات حول هذه المركبات في الصخور البلورية والمياه الجوفية غير الملوثة، لكن نتائج هذه الدراسة نُشرت مؤخرا في دورية Communications Earth & Environment.
تأثير الاكتشاف على فهم دورة الكربون العالمية
تُشير نتائج البحث إلى أن هذه الاكتشافات قد تسهم في تحسين فهم دورة الكربون العالمية، بالإضافة إلى تأثيرها المحتمل على جودة الهواء في المنشآت تحت الأرض مثل المناجم.
وأظهرت الدراسة أن الميكروبات في البيئات العميقة، وخاصة البكتيريا والفطريات، تلعب دورا رئيسيا في إنتاج وتكسير المركبات العضوية المتطايرة، ومع ذلك فإن تركيز هذه المركبات وتكوينها الكيميائي يعتمدان أيضا على خصائص الصخور المحيطة، مثل نسبة الكربون والكبريت وظروف الأكسدة والاختزال.
تحليل المركبات العضوية عبر التقنيات الحديثة
وفقا للأستاذة المساعدة ريكا كيتافاينن من جامعة هلسنكي، التي أشرفت على القسم الجيوكيميائي في الدراسة، فقد تم اكتشاف المركبات العضوية المتطايرة من خلال الرائحة.
تقول كيتافاينن:
"اعتمادا على الشخص الذي يشم الرائحة، تم وصف رائحة المياه الجوفية في بئر أوتوكومبو بأنها تشبه المحيط، أو المجاري، أو حتى برائحة حلوة قليلاً، ولتحديد مصدر الرائحة بدقة، استخدمنا تقنيات تحليلية متقدمة مثل كروماتوغرافيا الغاز مع مطياف الكتلة."
أسفرت التحليلات عن اكتشاف أكثر من 40 مركبا عضويا متطايرا، وكان من بين المركبات الأكثر شيوعا البيوتان والبنزين وثنائي ميثيل الكبريت، بالإضافة إلى الهيدروكربونات الأخرى، والكحولات، والكيتونات، والألدهيدات.
الميكروبات ودورها في تكوين المركبات العضوية
درس الباحثون الدور المحتمل للميكروبات في تكوين هذه المركبات أو تحللها من خلال تحليل البيانات الجينومية للمجتمعات الميكروبية الموجودة في البئر العميق.
وتوضح العالمة ماري نيوسونين من مركز الأبحاث التقنية في فنلندا:
"في أعماق الصخور، تملك الميكروبات خيارات محدودة جدا من المغذيات ومصادر الكربون، وتُظهر نتائج الدراسة أن هذه المركبات العضوية المتطايرة توفر إمكانيات جديدة لهذه الكائنات الدقيقة."
مياه جوفية تعود إلى عشرات الملايين من السنين
يُذكر أن حفر بئر أوتوكومبو العميق اكتمل قبل 20 عاما بالضبط، في 31 يناير 2005، ومنذ ذلك الحين، أسفر التعاون البحثي بين جامعة هلسنكي، ومركز VTT، وهيئة GTK عن اكتشافات علمية مهمة، منها المياه الجوفية القديمة التي يعود تاريخها إلى عشرات الملايين من السنين، بالإضافة إلى مجتمع ميكروبي متنوع يعيش في المياه الجوفية وفي سطح الصخور العميقة.
تختتم كيتافاينن ونيوسونين الدراسة بقولهم:
"هذه الدراسة تقربنا خطوة نحو فهم التفاعلات بين العناصر العضوية وغير العضوية في البيئات الجيولوجية العميقة، وسنواصل البحث في هذه البئر للكشف عن مزيد من الأسرار."
حقائق عن بئر أوتوكومبو العميق في فنلندا
تم حفره جنوب شرق مدينة أوتوكومبو، بالقرب من محطة سيزمايارفي القديمة بين عامي 2004 و2005.
يمتد بعمق 2,516 مترًا بقطر 22 سم، ويُعد نافذة رأسية للصخور البلورية التي يعود عمرها إلى 1.9 مليار سنة.
تبلغ درجة الحرارة في قاع البئر حوالي +40 درجة مئوية.
يعد جزءا من البرنامج الدولي للحفر العلمي القاري (ICDP).