تمكن فريق بحثي دولي من تحقيق إنجاز علمي كبير يتمثل في طباعة مجموعات الخلايا البنكرياسية المنتجة للإنسولين (الجزر البنكرياسية) بتقنية ثلاثية الأبعاد، في خطوة وصفها الخبراء بأنها "نقلة نوعية" في طريق تطوير علاجات متقدمة وقابلة للزرع لمرضى السكري. وصممت هذه الهياكل الحيوية لتكون متينة وعالية الكثافة، وقابلة للزرع تحت جلد المريض مباشرة، وقد أظهرت النتائج الأولية بقاء هذه الخلايا حية وفعالة في إنتاج الإنسولين استجابة لمستويات السكر في الدم لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع كاملة في البيئة المعملية.
هذا البحث الطبي يقوده المتقدم الدكتور كوينتين بيرييه من معهد الطب التجديدي بجامعة ويك فورست بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي أكد أن استخدام خلايا بشرية حقيقية في عملية الطباعة الحيوية يمثل تقدما علميا غير مسبوق، مشيرا إلى أن هذه التقنية قد تمهد الطريق للتخلص من حقن الإنسولين التقليدية التي يعتمد عليها ملايين المرضى حول العالم.
كيف تحل الطباعة ثلاثية الأبعاد مشكلات مرض السكريكيف تحل الطباعة ثلاثية الأبعاد مشكلات مرض السكري
تعتمد الطرق الحالية لعلاج حالات السكري من النوع الأول المتقدمة على عملية زرع الجزر البنكرياسية المأخوذة من بنكرياس المتبرعين، إلا أن هذه الطريقة تواجه تحديات كبيرة، أهم هذه التحديات يتمثل في تلف "المصفوفة خارج الخلية" (ECM) المحيطة بالخلايا أثناء عملية العزل، وهي البنية الداعمة التي تلعب دورا حيويا في الحفاظ على وظائف الخلايا.
ولحل هذه المشكلة طور الباحثون "حبرا حيويا" متخصصا يحاكي بدقة البيئة الطبيعية للبنكرياس، مكون من خليط من المصفوفة خارج الخلية المستخلصة من البنكرياس ومركب "الألجينات" المستخرج من الطحالب البنية، تمت عملية الطباعة باستخدام طابعة حيوية خاصة تعمل بضغط منخفض وسرعة بطيئة تبلغ 20 ملم في الدقيقة، مما أدى إلى تكوين هياكل مسامية ثلاثية الأبعاد تعزز بشكل كبير تدفق الأكسجين والمواد الغذائية إلى الخلايا المزروعة.
وأظهرت النتائج نجاحا كبيرا حيث حافظت أكثر من 90% من الخلايا المطبوعة على حيويتها، مع تفوق ملحوظ في استجابتها لمستويات الجلوكوز مقارنة بالخلايا المعزولة بالطرق التقليدية، كما لاحظ الباحثون أن هذه التقنية ساعدت في الحفاظ على الشكل الطبيعي للخلايا، وهو ما يمثل حلا لأحد أكبر العقبات التي واجهت المحاولات السابقة في هذا المجال.
مستقبل العلاج بين التخزين طويل الأمد والمصادر البديلة للخلايامستقبل العلاج بين التخزين طويل الأمد والمصادر البديلة للخلايا
ويواصل الفريق البحثي تطوير هذه التقنية الواعدة عبر سلسلة من الاختبارات على النماذج الحيوانية، مع التركيز بشكل خاص على دراسة إمكانية التخزين طويل الأمد لهذه الخلايا المطبوعة باستخدام تقنيات التجميد العميق (الكريوبريزرفيشن)، مما قد يمكن من إنشاء بنوك للخلايا الجاهزة للاستخدام عند الحاجة.
في مسار مواز يعمل العلماء على تطوير مصادر بديلة للخلايا المنتجة للإنسولين، تشمل استخدام الخلايا الجذعية البشرية، وكذلك الخلايا المستخلصة من بنكرياس الخنازير، وذلك للتغلب على مشكلة النقص الحاد في بنكرياس المتبرعين البشريين، ويؤكد الدكتور بيرييه أن هذه التقنية تمثل حجر الأساس في تطوير علاجات شخصية قابلة للزرع، وقد تغير بشكل جذري حياة الملايين من مرضى السكري حول العالم إذا ما أثبتت التجارب السريرية القادمة فعاليتها وسلامتها.