ثقافة وأدب

كانوا ينتحرون عند الشعور بالعار.. تعرف إلى «الساموراي» وتاريخهم في اليابان

6 آذار 2019 02:31

«الثقافة والقوة العسكرية مثل جناحي طائر، وكما أنه من المستحيل أن يطير الطائر بجناح واحد، فإذا امتلكت الثقافة ولم تمتلك القوة والأسلحة، سوف يستخف بك الناس ويتجاهلونك. بينما إذا امتلكت القوة والأسلحة ول

«الثقافة والقوة العسكرية مثل جناحي طائر، وكما أنه من المستحيل أن يطير الطائر بجناح واحد، فإذا امتلكت الثقافة ولم تمتلك القوة والأسلحة، سوف يستخف بك الناس ويتجاهلونك. بينما إذا امتلكت القوة والأسلحة ولم تكن مثقفًا، سوف يخشاك الناس ويبتعدون عنك، وعندما تتعلم استخدام كل من الثقافة والأسلحة؛ فسوف تمتلك على حد سواء كل من الهيبة والمروءة؛ لذلك سوف يحترمك أبناء المجتمع ويخافونك في الوقت ذاته؛ أي أنهم سوف يُطيعونك».

هذه المقولة إحدى تعاليم عقيدة «الساموراي»، التي تجمع بين ثنائية الثقافة والقوة العسكرية، المُستندة إلى الحكمة. فمن هم المحاربون الذين اشتهرت بهم اليابان؟ وكيف توغلوا داخل طبقات المجتمع الياباني وصولًا إلى الحكم، وانتهاءً بإقصائهم عنه؟ وكيف ساهمت القوى الغربية في القضاء على الإمبراطورية اليابانية، وإخصاء قدرتها العسكرية الهجومية؟

«البوشي» و«الساموراي».. محاربو اليابان القدماء

«الساموراي» هم جماعة من المحاربين اليابانيين القدامى، الذين بدأ دورهم في اليابان مع مطلع العصور الوسطى، حراسًا أو رجال أمن تميزوا بارتداء زيّ «الكيمونو»، لكنهم مع الوقت أخذوا دور المحاربين اليابانيين القدماء (الذين يُطلق عليهم اسم «بوشي»).

ظهر لفظ «بوشي» أول مرة في فترة هييآن (794- 1185)، وكان يُستعمل لتمييز المحاربين النظاميين، الذين جندتهم الأسرة الإمبراطورية، أو العشائر الكبرى؛ لإدارة المناطق والمقاطعات. لاحقًا، ظهر مسمى «الساموراي» الذي يجري استعماله في كثير من الأحيان مرادفًا لكلمة «بوشي»، إلا أن المصطلحين يرجعان في معنيهما إلى حقبتين مختلفتين من تاريخ اليابان، إلى جانب أنهما يُشيران إلى وظيفتين مختلفتين.

يُشير لفظ «بوشي» إلى المحاربين الذين ظهر دورهم قبل عام 1185، وكانوا الحكام الفعليين للبلاد خلال مرحلة الفوضى. ومن أهم مميزات مظهرهم حينها أنهم كانوا يرتدون الدروع، ويحملون معدات ثقيلة جدًا، ويُسمى سلاحهم «دائي-شو» الذي لم يتبق غيره من حِقبتهم.

ولم يعرف «البوشي» في حياتهم سوى الحروب المتواصلة؛ إذ كانت حياتهم متوقفة على المعارك التي كانوا يخوضونها، والتي كان الهدف منها دومًا التوسع على حساب المناطق المجاورة؛ وذلك من أجل تعزيز مكانة القبائل التي ينتمون إليها، وتوسيع مكانة الأراضي الخاضعة لها.

وفي المراحل اللاحقة، ترك محاربو «البوشي» دورهم لرجال الأمن الساموراي، الذين تميزوا بارتداء زيّ «الكيمونو». ويُشتق لفظ الساموراي من كلمة «سابوراو» في اللغة اليابانية، التي تعني الخدمة أو الشخص الذي يخدم.

من فرقة محاربة إلى طبقة اجتماعية

في بداية الأمر، أُطلِق لقب «الساموراي» على الحرس الإمبراطوري المُقيم في العاصمة كيوتو، أي الحراس المسؤولون عن أمن العائلة الإمبراطورية وكبار العائلات من النبلاء، ثم أخذت مجموعة «الساموراي» تشهد تحولات كبيرة مع الوقت؛ حتى أصبحت طبقة اجتماعية متميزة في اليابان.

بدأت فكرة «الساموراي» الأوائل من كونهم نوابًا عن السلطات المحلية والإقليمية، التي أنشأت منهم قوات خاصة للرقابة عُرفِت باسم «فِرق المحاربين». وقد تميزت هذه الفرق بكونها أكثر التزامًا من ناحية التنظيم الأسري، وكان تشكيلها في البداية يستهدف شن حملة عسكرية واحدة أو مواجهة خطر معين، ثم تُحل تلك الفرق بعد ذلك، ويُسمح للمحاربين بالعودة إلى مزاولة حياتهم.

وبحلول القرن الحادي عشر الميلادي، جرى تحويل تلك الفرق إلى مجموعات من المقاتلين، استخدمتها العشائر والنُخب العسكرية في فرض هيمنتها على الأقاليم، مستندة في ذلك إلى قدرات أولئك المحاربين على القتال، الذين كانوا ملتزمين بطاعة الأمراء من خلال عهود الولاء، أو التزامات تعاقدية أخرى، مثل منحهم أراضي أو دخلًا محددًا مقابل خدماتهم العسكرية.

ومع الوقت، تحولوا إلى طبقة اجتماعية مهمة تجمع بين الروح القتالية، والشجاعة والمروءة، بالإضافة إلى اتساع دورهم بوصفهم طبقة مثقفة تلقت التعليم الهولندي، وأصبحوا في عهد الإمبراطور إيدو مُعلمين لبقية الطبقات الاجتماعية الأخرى. ولم يقتصر دور «الساموراي» على كونهم طبقة اجتماعية وثقافية داخل المجتمع الياباني وحسب، بل تعدى ذلك إلى ممارسة الأدوار السياسية والعسكرية في اليابان مدة تقترب من 700 عام.

واستمر ذلك حتى ثورة الإمبراطور ميجي (1868- 1912)، الذي ألغى امتيازاتهم بوصفهم طبقة اجتماعية انقسمت إلى مجموعتين. رفضت المجموعة الأولى الوضع الجديد وفضلت مقاومته بالسلاح، وأعلنت الثورة ضد الإمبراطور ميجي، لكن ثورتهم فشلت. وعلى الجانب الآخر، تقبلت المجموعة الثانية الأمر، وأصبحوا من أهم رجال ثورة ميجي، وقادوا اليابان الحديثة.

وعلى الرغم من التطورات والتحولات الكبيرة التي طرأت على المجتمع الياباني، يعتقد بعض المؤرخين أن روح الساموراي لا تزال بارزةً في نظام اليابان وطابعها الخاص المميز، الذي تحول مع الوقت إلى نمط حياة كان ولا زال سرًّا مهمًا من أسرار تطور اليابان ونهضتها الأولى في عهد ميجي، ونهضتها الثانية عقب الحرب العالمية الثانية.

«البوشيدو» و«السيبوكو».. فلسفة الساموراي الحربية والأخلاقية

خدم محاربو «الساموراي» الإمبراطورية اليابانية، وتميزوا بالإيمان العميق، والولاء، والشجاعة، والتضحية بالنفس، والتفوق العسكري الذي تميزوا به في الصراعات الملحمية، والمؤامرات السياسية والعسكرية، التي جرت بين الأمراء الأقوياء في تلك المراحل التاريخية.

امتاز محاربو «الساموراي» بالتزامهم بالعديد من التقاليد والطقوس، التي كان من أهمها تقاليد «البوشيدو» و«السيبوكو». وكانت تلك التقاليد أشبه بنظام أو شريعة للحياة، التي يعدها البعض روح اليابان حتى اليوم.

أما عن «البوشيدو» التي تعني «الواجب» باليابانية، فكانت تُمثل الفلسفة الحربية التي اعتنقها محاربو «الساموراي»، وتوضح طريق المحارب، وواجبه خلال حياته كلها تِجاه نفسه وقائده. ويُلزم هذا التقليد محارب «الساموراي» أن يُطيع قائده أو الإمبراطور بإخلاص، حتى لو طلب منه إنهاء حياته.

أما عن «السيبوكو»، فتشمل طريقة «الساموراي» في إنهاء حياتهم، وأداء طقوس الانتحار عند الإحساس بالعار، أو الفشل في أداء واجبه في مهمته، أو تجاه قائده وعشيرته. ويكون ذلك عن طريق شقّ بطنه بخنجر من اليسار إلى اليمين جاثيًا على ركبتيه.

وقد شهدت تكتيكات فنون «الساموراي» القتالية في الحروب واستراتيجياتها تغيرات عديدة، مع اختلاف الأجيال والمراحل التاريخية، لكن الاستعداد للخدمة في القتال، والموت في سبيل أسيادهم ظلت مبادئ راسخة في عقيدتهم؛ إذ كان يُعد الموت في الحروب والمعارك أمرًا مجيدًا. ومن خلال الأداء القتالي الجيد في الميدان، يكسب المحارب الشرف والمجد لنفسه وعشيرته، ويُخلّد ذكره في قصص حروب «الساموراي»، التي سترويها عنه الأجيال القادمة. كذلك كان يجري منح أفضل المحاربين أراضي زراعية أجرًا يُدفع لهم مقابل خدماتهم القتالية في المعارك.

كيف أنهى الميجي حكم «الساموراي» العسكري؟

بعد توحيد اليابان في عام 600 ميلاديًّا، خضعت البلاد إلى حكم طبقة «الساموراي» خلال فترة هييآن، التي فرضت ديكتاتوريتها العسكرية الإقطاعية. كانت البلاد مقسمة إلى عدة مناطق، وكان حكم اليابان في ذلك الوقت إقطاعيًّا؛ يمتلك كل حاكم إقطاعي جيشًا وأتباعًا من «الساموراي» النبلاء. وخلال تلك الفترة، قضت طبقة «الساموراي» من المحاربين اليابانيين على سيطرة الإمبراطور، وأخذ ينمو نفوذ الساموراي وقوته، حتى استمر هذا النظام الإقطاعي المحلي مدة 700 عام.

وفي عام 1868، جاءت نهاية الحكم الإقطاعي وحكم «الساموراي»، وتوحيد اليابان تحت حكومة مركزية موحدة رسميًّا على يد الإمبراطور ميجي، الذي أسس حكومة جديدة أعادت السلطة إلى الإمبراطور.

كانت النهضة الفعلية لليابان على يد الإمبراطور موتسوهيتو، الذي عُرف بالـ«ميجي» أو «الحاكم المستنير» في يناير (كانون الثاني) عام 1868. قاد موتسوهيتو حركة إصلاحية ثورية، قامت على مبدأ إقامة بلد غني وجيش قوي. وكان اليابانيون في هذا الحين يُتابعون التمزيق التام الذي جرى للصين، خلال حروب الأفيون التي شنتها عليها قوى أوروبا وعلى رأسها المملكة المتحدة؛ لذلك أدرك اليابانيون أن الهدف الأساسي ينبغي أن يكون سد الفجوة الاقتصادية والعسكرية بينهم وبين الغرب؛ لتجنب ما حدث للصين.

كسرت ثورة ميجي الإصلاحية عزلة البلاد، وبدأت حركة انفتاح تجارية وعلمية؛ ففتحت المواني البحرية كاملة، وألغت الإقطاعيات العسكرية. وبدأت في تقليص نفوذ «الساموراي» وتجريدهم من امتيازاتهم؛ حتى استطاعت أن تُنهي تحكم الطبقة العسكرية في اليابان في ظرف ثماني سنوات تقريبًا.

وقد حاولت طبقة الإقطاعيين العسكرية والاجتماعية الانقلاب على الميجي مرتين في عام 1874 و1877، وفي كلتا المرتين نجح الإمبراطور في فرض سيطرته؛ حتى خضعت تلك الطبقة الديكتاتورية، ودانت اليابان كلها بالطاعة للإمبراطور موتسوهيتو.