معركة سرت

تقارير وحوارات

عندما يتواجه الحلفاء في معركة تقاطع الخطوط الحمراء .. مع أي الأطراف تقف أمريكا في ليبيا؟

فريق التحرير

21 حزيران 2020 12:41

فشلت المبادرات السياسية في وضع حد للصراع القائم في ليبيا، إذ يشعر واحد من طرفي الصراع – تركيا- بفائض القوة الذي يؤهله لحسم المعركة عسكرياً، وأن انقلاب الموازين في الميدان كان الدافع لطرح الرئيس المصري

فشلت المبادرات السياسية في وضع حد للصراع القائم في ليبيا، إذ يشعر واحد من طرفي الصراع – تركيا- بفائض القوة الذي يؤهله لحسم المعركة عسكرياً، وأن انقلاب الموازين في الميدان كان الدافع لطرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمبادرة القاهرة للبحث عن مخرج سياسي للأزمة.

وإلى جانب ذلك، دفع انكفاء قوات الخليفة مشير حفتر، المدعوم إماراتياً ومصرياً، وفشله في معركة تحرير طرابلس، وخسارته المتزايدة في الميدان، وصولاً إلى اقتراب المعركة من مدينة سرت الاستراتيجية، كل ذلك، دفع ساهم في وضوح الدور الذي تؤديه الأطراف الإقليمية والدولية في المشهد الليبي.

إذ أن معركة مدينة سرت الساحلية، دفع روسيا للتدخل بشكل مباشر في الميدان، كما هدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخراً، بالدخول العسكري في المشهد، ما يساهم في تعقيد المشهد الميداني على نحو سينعكس على طاولة المفاوضات التي لابد أن يأتي وقتها بعدما يقول السلاح كلمته.

في الميدان، كان واضحاً مؤخراً، الدور الذي تؤديه المقاتلات الروسية في الحد من فعالية الطائرات بدون طيار التركية، التي ساهمت سابقاً في قلب المشهد الميداني.

ووفقاً لمزاعم أمريكية فقد تسلمت قوات الخليفة مشير حفتر 14 طائرة روسية من طراز ميج 29 وعدد آخر من الطائرات المقاتلة من طراز سوخوي 24، وقد نقلت تلك الشحنة من الطائرات إلى ليبيا عبر سوريا بعد أن أزيل عنها العلامات الروسية.

الميدان الليبي شهد انقلاباً كبيراً بعد خسارة (قوات الجيش الوطني الليبي) لقاعدة الوطية، وهي واحدة من أهم القواعد العسكرية في البلاد، هذه الخسارة المدوية، دفعت قوات "فاغنر" التي يمكن أن نعتبرها "الذراع اليسرى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، للانسحاب إلى منطقة الجفرة، ما يدلل على الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للجيش الروسي، وأيضاً للحلفاء.

هذا التموضع الجديد، أورث الحكومة التركية احباطاً كبيراً، إذ كانت تطمح الأخيرة في تحقيق مزيداً من الانتصارات السهلة في الجفرة وسرت، على غرار ما حدث في ترهونة الوطية، ما يعني أيضاً، أن "الأطماع التركية" بقضم المزيد من الأرض، ينبغي لها دفع ثمن سياسي لموسكو، التي لا يبدو أنها ستتنازل عن خطها الأحمر.

الموقف الروسي من الجفرة لم تقدمه "موسكو" بتصريحات سياسية، ما فعلته فقط، هو أنها نشرت 14 طائرة مقاتلة من طراز "ميغ 29 و سوخوي 24"، وكان من السهل، أن تفهم القوات الليبية المدعومة تركياً، إن عليها أن تخوض حرباً مكتملة الملامح مع روسيا للسيطرة على المنطقة.

الجدل الروسي التركي على سرت، كان قد تصاعد مؤخراً، وقد أجل الطرفان زيارة روسية إلى تركيا في اللحظة الأخيرة، وذلك بعد رفض "أنقرة" مقترح القاهرة لوقف اطلاق النار.

الانزعاج الروسي من التمدد التركي في ليبيا، تحدث عنه الرئيس رجب طيب أردوغان، عندما صرح أن سرت والجفرة وحقول النفط الرئيسية هي الأهداف التالية لعمليات بلاده العسكرية في ليبيا، مشدداً في الوقت عينه، أن "موسكو" منزعجة، ومستدركاً أنه سيناقش الرئيس الروسي بشأن القضية.

وفي مطلع الشهر الماضي، كان وفداً من حكومة الوفاق الوطني قد زار العاصمة الروسية موسكو، وقد خرج نائب المجلس الرئاسي الليبي مصرحاً بأن سرت خط أحمر لروسيا، وقد سمع من المسؤولين الروس كلاماً دفعه للاتصال بطرابلس ويطلب من قائد علميات سرت وقف الهجوم على المدينة، لكن، وبعد عودة رئيس الحكومة فايز السراج من زيارته لأنقرة، أمر باستئناف الهجوم مجدداً.

لكن ما السر في سرت ؟

يحمل الموقع الجغرافي لمدينة سرت، بعداً استراتيجياً مهماً للغاية، فبالنسبة لكل الأطراف التي تبحث عن حضور مفيد في المشهد الليبي، فإن السيطرة على المدينة، مطلب ضروري، لأنها تعتبر بوابة العبور الغربية لمنطقة "الهلال النفطي"، وهي تسيطر على الطريق اللازم للوصول إلى الموانئ النفطية وحقول النفط والغاز.

ذلك الطريق الذي يقود إلى ميناء زويتينة وميناء راس لانوف والسدرة والبريقة، حيث يوجد 11 خط نفط و3 قنوات غاز.

ومن يسيطر على سرت، سيتمكن من احكام نفوذه على ساحل بحري بطول 350 كيلو متراً، وهناك، يمكن ملاحظة العشرات من الخطوط والأنابيب النطفية، ومنشآت تخزين الوقود والبترول.

 

علماً أن تجارة النفط كانت تشكل قبل اسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي، أكثر من 96% من الدخل القومي للبلاد التي تمتلك احتياطي نفط يصل إلى 48.3 مليار برميل، فضلاً عن 1.5 تريليون متر مكعب من الغاز، وهي ثروة، ترغب كل الأطراف الإقليمية المتصارعة للوصول إليها، ولاسيما تركيا.

وتسعى "أنقرة" لاقامة ثلاثة قواعد عسكرية دائمة في البلاد، واحدة في الوطية، وأخرى بحرية في مصراتة، وثالثة بالقرب من مدينة سرت، وتدعى القرضابية.

سرت، مهمة لروسيا أيضاً، فلدى "موسكو" أطماع عسكرية في البلاد، إذ تسعى لإقامة قاعدة عسكرية في جنوب البحر المتوسط، توفر لها عمقاً بحرياً على غرار قاعدتها في طرطوس واللاذقية في سوريا.

أخيراً، تعد جمهورية مصر العربية، أكثر الأطراف الإقليمية تضرراً من سيطرة حكومة السراج المدعومة تركيا، فمن جهة، تعني السيطرة على الهلال النفطي، أن قوات الحكومة المعترف بها دولياً، ستعيش نقلة كبيرة على صعيد الإمكانيات المادية، ما يوفر لها تفوقاً على قوات المشير خليفة حفتر، وما يؤهلها بطبيعة الحال للسيطرة على كافة المدن، وصولاً إلى الحدود المصرية.

 

بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن المشهد أكثر تعقيداً، إذ أن الأطراف المتصارعة في الميدان، لا تربطها خصومة مباشرة مع الولايات المتحدة، فلا الإمارات ولا مصر ولا حتى قوات حفتر تعادي الولايات المتحدة، كما أنه ليس لتركيا ولا قطر وحلف الناتو، خصومة مع الولايات المتحدة، في ليبيا  تتصارع الأدوات الأمريكية وجهاً لوجه، وتبحث "أمريكا" عن أكثر يحقق دعمه المصالح الأمريكية، وهنا، يوفر دخول روسيا في المشهد، الحيرة على حكام البيت الأبيض، لأن من يجابه الجيش الأحمر الروسي، هو خليق بالدعم والمساندة؛ فلا ترغب واشنطن بكل تأكيد، برؤية قواعداً روسية جديدة في المياه الدافئة، أما الطموح التركي، فلا يزال في مهده، وهو بشكل أو بآخر، "طموح أناني" يمكن السيطرة عليه.

 

 

 

 

 

 

النهضة نيوز - بيروت