انفجار مرفأ بيروت

تقارير وحوارات

ولنا في محكمة الحريري عبرة.. التحقيق في كارثة بيروت:الطوائف تتقاسم المسؤولية

باولا عطية

9 آب 2020 20:02

تترك ز الأنظار اليوم حول التحقيقات الجارية في كارثة انفجار مرفأ بيروت الذي أد ى الى تدمير العاصمة وأسفر عن مقتل 160 شهيد وإصابة أكثر من 5000 شخص في الوقت الذي لا يزال فيه مصير 60 مفقود مجهولا حتى السا

تتركّز الأنظار اليوم حول التحقيقات الجارية في كارثة انفجار مرفأ بيروت الذي أدّى الى تدمير العاصمة وأسفر عن مقتل 160 شهيد وإصابة أكثر من 5000 شخص في الوقت الذي لا يزال فيه مصير 60 مفقود مجهولا حتى الساعة. فيما تستمر عمليات البحث وانتشال الجثث.

وإلى جانب الخسائر البشرية تكّبد لبنان خسائر مادية ضخمة قدرها محافظ بيروت مروان عبود بين 3 و5 مليارات دولار كرقم أولي.

هذا وأعلن وزير الاقتصاد راوول نعمة أنّ خسائر انفجار مرفأ بيروت تقدر بمليارات الدولارات، مشيرا إلى أن بلاده ليست لديها قدرة مالية لمواجهة تداعياته.

وذكر أنّ صوامع القمح تضررت بالكامل في المرفأ، ومن المتوقع أن يتعرض القطاع الاقتصادي والحركة التجارية في لبنان لأزمات إضافية بعد الانفجار الذي من المحتمل أن يسبب نقصا في السلع الأساسية.

وقد اكّدت النتائج الأولية للتحقيق انّ الانفجار نتج عن انفجار 2750 طن من نترات الأمونيوم التي كانت مخزّنة في مرفأ بيروت، في الوقت الذي شكّك فيه خبراء عسكريين بكمية الامونيوم التي انفجرت مؤكدين أن الكمية التي انفجرت لا تتجاوز عدة مئات من الأطنان، حيث أوضح الخبير الروسي فيكتور موراخوفسكي أنه تمت "سرقة كميات كبيرة من نترات الأمونيوم من مرفأ بيروت وانفجار الكمية المتبقية، لأن انفجار 2750 طنًا كان سيؤدي حتما إلى إزالة بيروت من على الخريطة".

وتوجّهت أصابع الاتهام في بادئ الامر الى حزب الله حيث زعم ان يكون سبب الانفجار عائد لوجود أسلحة وصواريخ يخزّنها الحزب في المرفأ ليأتي كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله واضحا في هذا الخصوص وينفي أي علاقة للحزب بالانفجار وعدم وجود ولا حتى بارودة للحزب في مرفأ بيروت، حيث قال نصر الله ان الحزب لا يعلم أي شيء عما هو موجود في داخل مرفأ بيروت ولا كيف تدار الأمور في الداخل حتى ان نصر الله قال "نحن نعلم ما في مرفأ حيفا ونجهل ما في مرفأنا!"

هذا الى جانب الرواية الأخرى التي تؤكّد ضرب صاروخ إسرائيلي للمرفأ اما تكهنا بوجود أسلحة لحزب الله او عن سابق علم بوجود مواد كيميائية شديدة الاشتعال بهدف احداث ضربة موجعة في الداخل اللبناني قبل التوتر الذي شهدته الحدود اللبنانية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة.

وبانتظار ان تصل نتيجة التحقيقات الى خواتيمها ويتكشف من هم المسؤولون عن هذا الانفجار بعد ان منحت الحكومة الجهات المعنية مهلة 5 أيام لكشف ملابسات الحادث، تنطلق أصوات حزبية ودينية مطالبة باللجوء الى تحكيم دولي في قضية انفجار مرفأ بيروت.

ومن ابرز الأصوات المؤيدة لهذا الطرح نذكر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري.

الا ان مطلب الذهاب الى تحقيق دولي في قضية انفجار مرفأ بيروت هو مطلب تشوبه الكثير من العلل للأسباب التالية:

سبق أن كان للبنان تجربة مماثلة عند اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في عام 2005 حيث طالب لبنان بمحكمة دولية خاصّة للتحقيق في القضية وبعد 15 سنة على انشاء هذه المحكمة، كانت النتيجة تكلّف الدولة اللبنانية ما يفوق الـ50 مليون دولار سنويا مصاريف للمحكمة الدولية ليتهم في النهاية 5 عناصر من حزب الله أحدهم قتل في سوريا، بتدبيرهم لحادثة الاغتيال بقرار مسيس معروفة اهدافه، بالرغم من كلّ التقارير التي اعدتها قناة الجديد حول الاخطاء التي قامت بها المحكمة الدولية وعدم كفاية الادلة لا بل استنادها الى ادلة مغلوطة.

وان كان اللبنانيون يخشون لفلفة ملف انفجار مرفأ بيروت وحماية المرتكبين فالنتيجة لن تكون أفضل إذا ما استلمت جهة خارجية التحكيم خصوصا إذا ثبت ان هذه المواد قد انفجرت بفعل قصف اسرائيلي، فللدول مصالحها وحساباتها من جهة والدولة اللبنانية لا تستطيع تحمّل المزيد من التكاليف والاعباء المالية على عاتقها من جهة اخرى لنتيجة ستكون معروفة سلفا، مسيسة كسابقتها.

امّا الحلّ، فهو كحلّ أي قضية فساد في لبنان، يبدأ اولا بإقرار قانون استقلالية القضاء اللبناني، الذي بدوره عليه تشكيل لجنة من نخبة القضاة والمحققين المعروفين باستقلاليتهم ونزاهتهم وعدم خضوعهم لأي فريق سياسي لمباشرة التحقيق في القضية.

فالمتورطين بشكل مباشر او غير مباشر عبر التستر او الاهمال الوظيفي هم تابعون لجميع الأحزاب بحيث لدينا وزير اشغال من حزب المردة وهو يوسف فنيانوس (شغل المنصب في حكومتين لسعد الحريري في عهد ميشال عون 2016 و2019) ووزير من حركة امل وهو غازي زعيتر (شغل منصبه في حكومة تمام سلام 2014) وآخر من الحزب التقدمي الاشتراكي وهو غازي العريضي (وشغل المنصب في حكومة نجيب ميقاتي 2011).

علماً بأن إدارة مرفأ بيروت يتولاها فريق سعد الحريري السياسي أي تيار المستقبل حيث من المفروض أن يخضع مرفأ بيروت لوزارة الأشغال العامة والنقل كونه مكان للنقل والسفر والشحن وبالتالي من المفروض ان يعتبر مرفقا عاما يسير شؤون المواطنين، لكن و في عهد رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري تم انشاء لجنة مؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حيث يتم تعيين الموظفين من قبل تيار المستقبل وهذه اللجنة لا تخضع لتدقيق ديوان المحاسبة ومدخولها من تخزين وتفريغ البضاعة لا تدخل الى وزارة المالية بل تبقى في المرفأ وفي نهاية العام تحدد حجم المال الذي يجب اعطاؤه للدولة".

أما مدير عام الجمارك بدري ضاهر فهو من فريق التيار الوطني الحر، وقد ادعى انه تقدم بطلب من قاضي الامور المستعجلة لبيع مواد نترات الامونيوم وبانه لم يأته جواب. لتنشر مستندات لأول مرة تثبت انه في كل مرة راسلت الجمارك القضاء المستعجل صدرت قرارات فورية من القضاء المختص بإحالة الطلب الى هيئة القاضي المختص.

وما لفتت اليه التحقيقات الاولية ان الجميع كان على علم بالشاحنة التي دخلت الى مرفأ بيروت وبالتالي الجميع مسؤول من رأس الهرم الى اسفله.

 

وفي حين كثرت الروايات عن سبب قدوم الشاحنة الى لبنان تبقى الرواية الكثر تداولا أنّ الشاحنة دخلت الى الأراضي اللبنانية عام 2013 وكان من المفروض أن تفرغ حمولتها في مرفأ طرابلس بحجة حدوث عطل في السفينة يمنعها من الإبحار وخوفا من ان تغرق، الا انّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي رفض، ليتم نقل السفينة بمحتوياتها الى مرفأ بيروت في العنبر رقم 12.

وبما انّ هناك أشخاص قد أقرضوا صاحب السفينة المال وهو لم يعيد إليهم أموالهم رفع الدائنون الذين لا تزال هوياتهم مجهولة دعوى على صاحب السفينة مطالبين بالحجز على ممتلكاتها وقد وكلوا شركة "بارودي وشركائها للمحاماة" والتي يعمل فيها نجل النائب غازي زعيتر، فتم بموجب هذه الشركة الحجز على أملاك السفينة والتي تفوق قيمتها المليون دولار.

وقالت شركة موزمبيق لصناعة المتفجرات لـCNN، إن شحنة نترات الأمونيوم التي تسببت في انفجار مرفأ بيروت، كانت تخص الشركة، وأضافت الشركة على لسان المتحدث باسمها، أن الشحنة التي صادرتها السلطات اللبنانية، قبل سنوات، كانت في طريقها من جورجيا إلى موزمبيق "لكنها لم تصل". مؤكدة انها طالبت بها مرات عدة.

وفي رواية أخرى كتب مقالا يعود الى عام 2013 يقول ان هذه الشاحنة كانت متوجهة الى سوريا لصالح مجموعات مسلحة في حمص والقلمون بهدف استخدامها في صناعة المتفجرات والعبوات الناسفة. وكانت هذه المجموعات فشلت في الاستيلاء على مخزون معمل الأسمدة الآزوتية في حمص (قرب بحيرة قطينة) مطلع هذا العام وقبيل تحرير منطقة "بابا عمرو" المجاورة في آذار.

وما لفتت اليه التحقيقات الاولية ان الجميع كان على علم بالشاحنة التي دخلت الى مرفأ بيروت وبالتالي الجميع مسؤول من رأس الهرم الى اسفله.

وتبقى الحقيقة الوحيدة الملموسة والمعروفة هو أنّ هذا الانفجار كان الرصاصة الخيرة الكفيلة بالقضاء على لبنان نهائيا، وتبقى محاولات الدول مساعدة لبنان لتجاوز هذه المرحلة الصعبة شبكة الامال الأخيرة وخيط النجاة الوحيد، والتي ان عرف المسؤولين اللبنانيين كيفية الاستفادة منها قد تكون فرصة حقيقية للبنان ليعود الى برّ الأمان.

 

النهضة نيوز - بيروت