الرأي

بين التطبيع الخجول ونظيره الفج .. الإمارات تخلع وجه الحياء

يوسف فارس

18 آب 2020 13:08

أهدر أنور السادات ما يفوق الـ 440 ورقة من صفحات كتابه "البحث عن الذات" وهو يدافع عن فكرة تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، ساق المواثيق والتبريرات التي قد تبدو من ناحية المصلحة القومية لبلاده منطقية، لكن


أهدر أنور السادات ما يفوق الـ 440 ورقة من صفحات كتابه "البحث عن الذات" وهو يدافع عن فكرة تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، ساق المواثيق والتبريرات التي قد تبدو من ناحية المصلحة القومية لبلاده منطقية، لكن مؤلفه الأثير، لم يقنع النبض الشعبي المصري برجاحة منطقه، وأخذت طلقات خالد الإسلامبولي طريقها إلى جسده، لتعلن منذ ذلك الحين، إن التطبيع جريمة، وإن صعد  بمصر لتصبح "نيويورك إفريقيا".

بقي التطبيع في وعي الزعماء العرب جريمة يتوارون منها خشيةً وخجلاً، ورغم أن مختلف الدول العربية تقيم علاقات سرية وشبه معلنة مع دولة الاحتلال، إلا إن جميع الزعماء يتحسسون رقابهم حيال هذه القضية، ولا يجرؤون على المجاهرة والتفاخر بتلك العلاقات المشينة.

يذكر "أفريام هالفي" وهو الرئيس التاسع لجهاز "الموساد" الإسرائيلي، إنه وقبيل توقيع اتفاق وادي عربة بين "الأردن وإسرائيل" عام 1994، عاش الملك حسين أجواءً من الحيرة، وتراجع أكثر من مرة في الاقدام على تلك الخطوة، ويذكر في كتابه "رجل في الظلال" إنه وقبل ساعات من التوقيع الفعلي للاتفاق، كان عليه أن يبقى ملازماً للملك حسين؛ "كي لا يسرح في خياله ويستذكر مصير السادات"، وتولى هالفي كما يقول مسؤولية اشغال فراغ الملك بأية موضوعات، يقول: إنه لم يرَ الحيرة والتردد على وجه الملك الأردني كما رآها قبيل توقيع اتفاق عربة".

في محصلة الأمر، وقعت كلأ من مصر والأردن اتفاقياتها مع دولة الاحتلال، وبعيداً عن البحث عن آثار تلك المعاهدات التي لم تغير من واقع تلك البلدان شيء، إلا إنه كان ملاحظاً، أن المزاج الشعبي فيها، بقي معارضاً لها، ومطالباً دوماً بإلغائها.

من زار القاهرة، واحتك بشعبها، يدرك مقدار الحب الذي يكنه شعب "أم الدينا" لفلسطين، رغم الاختلافات السياسية التي طرأت في السنوات العشرة الأخيرة، إلا إن الشارع المصري مازال يتعاطى مع "إسرائيل" على إنها عدو، ويستذكر دائماً حروب الجيش المصري ضد إسرائيل، حتى في السينما المصرية التي هي ضمير الشارع ومرآة هويته، يجلس البطل في قرة عيون الشارع، عندما يمثل دوراً بطولياً ينتصر فيه أمام الخصم الفطري للبلاد "إسرائيل"، رأينا ذلك في رأفت الهجان والرصاصة لا تزال في جيبي، و أولاد العم، والسفارة في العمارة، ومؤخراً في الممر.

في دول أخرى تقيم علاقات دافئة مع دولة الاحتلال مثل قطر وتركيا، يلاحظ إن تلك الدول ورغم دورها المشبوه في إدارة الملف الفلسطيني، فهي تواصل دائماً غسل نفسها من "دنس" التطبيع، ببروباغندا إعلامية خطابية، تدعم الحق الفلسطيني وتظهر اجرام الاحتلال، صحيح إن خطاب قناة الجزيرة مثلاً مختلف ما بين نسختها العربية والإنجليزية، لكن وفي النهاية، لم تحاول أياً من تلك الدول، تشويه فطرة شعبها في معاداة "إسرائيل".

لكن ما يحدث في الإمارات العربية المتحدة اليوم، هي بادرة تطبيعية تفوق كل الأوصاف، حكام تلك البلاد، لا يجهدون أنفسهم في ادعاء مراعاة مشاعر الشارع، رغم أنه من التجني القول إن سكان ولاية الشارقة وعجمان مثلاً يؤيدون مثل هذا السقوط السياسي والأخلاقي والقيمي، لكن حكام أبو ظبي يمتلكون مساحة واسعة من الحرية في التفاخر بهذا السقوط، إذ إن فرص حدوث انتفاضة شعبية في بلادهم تفشل هذه الجريمة معدومة، ليس لأن الشعب متخم بالرفاهية فقط، لكن؛ لأن هناك دولة بوليسية تراقبها التكنولوجيا، تحصى على الناس أنفاسهم!

من جانب آخر، لا يؤمن حكام الإمارات بفكرة التغيير من الداخل، لذا لا يهتم هؤلاء لما يمكن أن تقوله الشعوب،  وحتى أدواتهم السياسية مثل محمد دحلان، لديه قناعة مفرطة بأن المجاهرة بهذا العار والدفاع عنه لن ينقص من حضوره الإقليمي والوطني شيء، ذلك، لأن التغيير وترتيب الأدوار هو مهمة تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية حصراً.

 

النهضة نيوز - غزة

ملاحظة: الٓاراء السياسية الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف "النهضة نيوز"