علوم

هذا ما سيفعله الاحتباس الحراري في منطقة الشرق الأوسط خلال القرن الحالي!

23 أيار 2019 17:57

يبدو للبعض أن ظاهرة الاحتباس الحراري، وما تسببه من تغيرات مناخية مرتبطة بمناطق من العالم؛ بعيدة نسبيًا عن منطقة الشرق الأوسط. هؤلاء يظنون أن التغيرات المناخية من أمور «الرفاهية» التي ترتبط بالعالم الم

يبدو للبعض أن ظاهرة الاحتباس الحراري، وما تسببه من تغيرات مناخية مرتبطة بمناطق من العالم؛ بعيدة نسبيًا عن منطقة الشرق الأوسط. هؤلاء يظنون أن التغيرات المناخية من أمور «الرفاهية» التي ترتبط بالعالم المتقدم، أو أنها من الأمور التي تحدث بعيدًا عن عتبة دارنا. لكن الأمر ليس كما نعتقد.

منطقة الشرق الأوسط، مثلها مثل أغلب مناطق العالم، ستشهد تغيرات كبيرة خلال العقود القادمة بسبب ما تفعله ظاهرة الاحتباس الحراري من تغيرات كبيرة في المحيطات. وليس معنى بعد منطقتنا العربية النسبي عن المحيطات أننا لن نشهد هذه التغيرات التي سيكون بعضها عنيفًا فوق ما نتخيل.

وربما علينا جميعًا أن نتذكر أن تغير المناخ الذي نتحدث عنه، لا يتعلق فقط بسقوط بعض الثلوج في الصحراء السعودية، أو هطول أمطار غزيرة في الإسكندرية، أو سيول في لبنان، أو حتى ارتفاع الحرارة في فصل الصيف. بل إن هذه مجرد أمور تمهيدية لما هو أسوأ.

أول آثار الاحتباس الحراري.. الجفاف يضرب المنطقة

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معرضة بشكل خاص لمخاطر تغير المناخ. إنها واحدة من أكثر المناطق جفافًا في العالم. مع الاعتماد الكبير على الزراعة الحساسة للمناخ ونسبة سكانها المرتفعة ونشاطها الاقتصادي في المناطق الساحلية الحضرية المعرضة للفيضانات.

من ناحية أخرى، تعرضت مجتمعات هذه المنطقة للضغوط من أجل التكيف مع ندرة المياه والحرارة لآلاف السنين، وطورت مختلف الحلول التقنية والآليات المؤسسية للتعامل مع هذه القيود البيئية. ما جعل المنطقة مستودعًا قيمًا للمعرفة التقليدية والمؤسسية.

اللامبالاة تجاه الاحتباس الحراري؛ أمر شائع في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتى مع تفاقم المشاكل المرتبطة به. ستستمر موجات الجفاف الطويلة والموجات الحارة الساخنة والعواصف الترابية الأكثر تواترًا من الرباط إلى طهران، وفقًا لمعهد «ماكس بلانك» الألماني للكيمياء.

فصول الجفاف الطويلة بالفعل بدأت تستمر لفترة أطول وأكثر جفافًا، ما يؤثر سلبًا على المحاصيل. طفرات الحرارة هي مشكلة متنامية أيضًا، مع دول تسجل بانتظام درجات حرارة قاتلة في الصيف. قم بتمديد هذه الاتجاهات لعدة سنوات ويبدو أنك ستحصل على صورة مخيفة، واستمر لعدة عقود لتحصل على صورة مروعة.

الخليج لن يكون قابلًا للسكن

في النصف الثاني من هذا القرن، يمكن أن تشهد معظم الأراضي المطلة على الخليج والبحر الأحمر وبحر العرب درجات حرارة رطبة عالية مما يجعل الأنشطة الخارجية مستحيلة عمليًا.

وتتوقع الدراسات أن ترتفع درجات الحرارة في فصل الصيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأكثر من ضعف المعدل العالمي. ستكون درجات الحرارة القصوى البالغة 46 درجة مئوية أكثر بنحو خمسة أضعاف بحلول عام 2050 عما كانت عليه في بداية القرن، عندما كانت الحرارة تصل إلى هذه الدرجات المرتفعة على مدار 16 يومًا في السنة فقط.

بحلول عام 2100، قد ترتفع درجات الحرارة الرطبة -وهي مقياس للرطوبة والحرارة- في دول الخليج العربي بدرجة تجعلها غير قابلة للسكن، وفقًا لدراسة أجريت في «مجلة Nature». عام 2017، اقتربت إيران من كسر أعلى درجة حرارة سجلت بشكل موثوق وهي 54 درجة مئوية، والتي وصلت إليها الكويت في العام السابق.

الحج.. ربما يكون مستحيلا

نعم، تتجه فريضة الحج المقدسة عند المسلمين إلى أن تصبح ضحية لظاهرة الاحتباس الحراري. فقد تصبح أجزاء من الشرق الأوسط، بما في ذلك دول الخليج والأماكن الإسلامية المقدسة في جميع أنحاء مكة والمدينة، غير صالحة للسكن حتى بالنسبة للشباب قبل نهاية هذا القرن، وفقًا لدراسة جديدة.

طقوس الحج، والتي ترتبط بحوالي مليوني مسلم يقومون بشعائرهم في الهواء الطلق من الفجر حتى الغسق في يوم عرفة،ستكون مستحيلة في الصيف. إذ استخدم باحث من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» وآخر من «جامعة لويالا ماريماونت» في لوس أنجلوس، نماذج مناخية عالمية قياسية لإظهار درجات الحرارة المحتملة في المستقبل بالخليج، بافتراض ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار أربعة درجات مئوية، وهو أمر ممكن في وقت لاحق هذا القرن.

قاما بعد ذلك بتنبؤات بنسبة الرطوبة المستقبلية من أجل تقييمدرجات الحرارة الرطبة المحتملة. هذا النموذج في القياس هو الأفضل باعتباره مقياسًا لقدرتنا على تحمل درجات الحرارة العالية، لأنها تعكس قدرة الجسم على التبريد عن طريق التعرق. يقول الباحثان إنه عندما تصل درجات الحرارة إلى 35 درجة مئوية، وهي تقترب من درجة حرارة الجسم 37 درجة، «لن يعد بإمكان جسم الإنسان التخلص من الحرارة الزائدة».

أما الآن فنادرًا ما تتجاوز درجات الحرارة الرطبة 31 درجة مئوية في أي مكان في العالم، لكن دول الخليج تقترب من عتبة 35 درجة مئوية. وذلك لأن درجات الحرارة المرتفعة تدمج مع الرطوبة العالية للهواء المبلل بمياه الخليج الدافئة.

الماء.. أزمة جفاف غير مسبوقة

الماء يمثل مشكلة أخرى. منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها القليل من موارد المياه العذبة، ومن المتوقع أن ينخفض ​​هطول الأمطار بسبب تغير المناخ. في بعض المناطق، مثل المرتفعات المغربية، قد تنخفض بنسبة تصل إلى 40%.

قد يؤدي تغير المناخ إلى هطول أمطار إضافية على البلدان الساحلية، مثل اليمن، لكن من المحتمل أن يقابل ذلك تبخر أعلى. ويقوم المزارعون الذين يكافحون من أجل تغذية المحاصيل بحفر المزيد من الآبار، وتجفيف طبقات المياه الجوفية التي تعود إلى قرون.

وقد وجدت دراسة أجريت باستخدام أقمار وكالة «ناسا» الفضائيةأن أحواض دجلة والفرات فقدت 144 كيلومتر مكعب (حوالي حجم البحر الميت) من المياه العذبة من عام 2003 إلى عام 2010. ويعزى معظم هذا الانخفاض إلى سحب المياه الجوفية لتعويض انخفاض هطول الأمطار.

الإسكندرية ستغرق

المدينة الثانية الأهم في مصر، والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من 5 مليون نسمة، تغرق. تتعرض مدينة الإسكندرية الساحلية، والتي تشتهر بأنها واحدة من أقدم الموانئ القديمة في العالم، للهجوم من البحر ومن البر.

إذ يتسبب تغير المناخ في ارتفاع مستويات المياه في البحر المتوسط. أضف إلى هذا انخفاض مستويات تراكم الطمي في دلتا النيل، مما يعني أن الأسس الساحلية التي بنيت عليها الإسكندرية تؤكل الآن.

في أجزاء كثيرة من المدينة على طول الساحل، لا تزال كتل الأبراج ترتفع على حافة المياه، على الرغم من أن القانون ينص على وجوب تشييدها في الداخل. المباني والأشخاص الذين يعيشون فيها سيكونون في خطر كبير خلال العقود القليلة القادمة.

وطبقًا لأحدث تقرير قدمته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإن الصورة تبدو قاتمة. تخشى العديد من البلدان المنخفضة أن تختفي قريبًا تحت سطح البحر ما لم يكن هناك إجراء عاجل لمنع زيادة درجات الحرارة.

يعد الارتفاع العالمي المستمر في درجات الحرارة سببًا للقلق. الزيادات في درجة الحرارة لها تأثير عميق في البحر. عندما ترتفع درجة حرارة مياه البحر فإن المياه تتمدد. الاحترار يسبب أيضًا عواصف أكثر تواترًا وشدة. في مدينة منخفضة مثل الإسكندرية، يمكن أن يكون لأبسط ارتفاع طفيف في مستوى سطح البحر تأثير كبير.

تتوقع النماذج العالمية ارتفاع مستوى سطح البحر من حوالي 0.1 إلى 0.3 متر بحلول عام 2050، ومن حوالي 0.1 إلى 0.9 متر بحلول عام 2100. بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المتوقع أن تكون التأثيرات أعلى نسبيًا مقارنة بباقي دول العالم.

المناطق الساحلية المنخفضة في تونس وقطر وليبيا والإمارات العربية المتحدة والكويت، وخاصة مصر معرضة لخطر كبير جدًا.

البحر الميت.. يموت

يعد البحر الميت في الأردن من أكثر المعالم الطبيعية شهرة في العالم. ونظرًا لأنه يحتوي على نسبة عالية من الملح، يتدفق ملايين الأشخاص إلى الموقع للحصول على الفوائد الصحية لهذا البحر الفريد من نوعه. إذ تساعد نسبة الملوحة المرتفعة على الاستشفاء من عدة حالات مرضية جلدية.

ويمثل البحر الميت تراثًا تاريخيًا وإرثًا فريدًا في جميع جوانبه، سواء كان وجهة للسائحين أو منتجعًا صحيًّا مفتوحًا، أو فرصة استثمارية. لهذه الأسباب اكتسب البحر الميت اهتمام العالم بأسره. لكن يبدو أن وقت استمتاعنا بهذا البحر الميت أصبح قريبًا من نهايته.

فالبحر الميت الذي يقع عند أدنى نقطة على سطح الأرض، 400 متر تحت مستوى سطح البحر، يغرق بسرعة أكبر. والسبب؟ الاحتباس الحراري بالطبع. وطبقًا لما ذكره رئيس «جمعية الجيولوجيين الأردنيين»، صخر نسور، لصحيفة «عرب ويكلي»، فإن البحر الميت «ظاهرة جيولوجية فريدة قد تختفي في العقود المقبلة».

وأوضح أن مستويات مياه البحر الميت تستمر في الانخفاض بمعدل يتراوح بين 1 و1.5 متر سنويًا، وهذا معدل ينذر بالخطر للغاية ويتطلب عملاً جادًا وسريعًا، على حد وصفه. وقال نسور إن ما يقدر بنحو 650 مليون متر مكعب من مياه البحر الميت تهدر عبر الشركات والمصانع الموجودة على جانبي البحر (فلسطين والأردن) في السنة.

قد يكون تغير المناخ هو السبب في أن هذه المنطقة لديها خبرة قليلة فيما يتعلق بهطول الأمطار. إذ يقدر معدل هطول الأمطار السنوي في منطقة البحر الميت بـ39 مليون متر مكعب مقابل 754 مليون متر مكعب تتبخر سنويًا. وقال نسور «يفقد البحر الميت أيضًا حوالي 80 مليون متر مكعب من المياه سنويًا بسبب انخفاض مستوى المياه الجوفية في الأجزاء الشرقية والغربية. هذه تزود البحر عادة بالمياه من خلال التدفق العميق في الأرض».

وذكرت دراسة جيولوجية أن منطقة البحر الميت انحسرت إلى مساحة 595 كيلومتر مربع وعمقها 420 مترًا، أي أقل من مستواها في عام 1976 بحوالي 35 مترًا. وبنفس المعدلات القائمة حاليًا، يتوقع العلماء اختفاء البحر تمامًا خلال عقود قليلة قادمة.

اضطرابات سياسية أكبر

ترسم الدراسات المتعلقة بالمناخ أو الاحتباس الحراري تحديدًا صورة مستقبلية قاتمة للشرق الأوسط. فقد يجعل الاحتباس الحراري المنطقة أكثر تقلبًا من الناحية السياسية.

عندما اجتاح الجفاف مناطق شرق سوريا من عام 2007 إلى عام 2010، فر حوالي 1.5 مليون شخص إلى المدن، حيث كافح هؤلاء كثيرًا من أجل العيش. وفي إيران، تسببت موجة الجفاف الشديد منذ التسعينيات في هجر الآلاف من المزارعين المحبطين الريف.

نحن نعلم مدى تأثير الاحتباس الحراري على تأجيج هذه الأحداث للحرب التي اندلعت في سوريا عام 2011، والاضطرابات الأخيرة في إيران أيضًا. دراسات تشير إلى وجود روابط بين الأمرين وهو موضوع نقاش كبير. بالتأكيد أضاف الاحتباس الحراري وموجات الجفاف إلى المظالم التي يشعر بها الكثيرون في كلا البلدين.

مجرد احتمال نقص الموارد وخصوصًا المياه، يمكن أن يؤدي إلى صراعات. إذ تتسابق الدول لتأمين إمدادات المياه على حساب الجيران المتواجدين عند المصب. عندما بدأت إثيوبيا في بناء سد هائل على نهر النيل، يحتمل أن يحد من تدفق المياه، وهو ما هدد مصر التي تعتمد على النهر في جميع مياهها تقريبًا، بدأت مشاكل كبيرة تظهر لدرجة أن ذكر البعض احتمالية الحرب.

وأثارت السدود التركية والإيرانية على امتداد نهر دجلة والفرات والأنهار الأخرى غضبًا مماثلًا في العراق، الذي يعاني من الجفاف بدرجات كبيرة جدًا بالفعل.

غالبًا ما تعيق السياسة حل المشكلات. نادرًا ما تكون الدول قادرة على الاتفاق على كيفية تقاسم الأنهار والمياه الجوفية.

في غزة، حيث يؤدي تسرب المياه المالحة والصرف الصحي إلى طبقة المياه الجوفية التي تستهلك بشكل مفرط، إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض، وتسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل ومصر في زيادة صعوبة بناء وتشغيل محطات تحلية المياه.

وفي لبنان، لا يوجد أمل كبير في أن تفعل الحكومة، المنقسمة على أسس طائفية، أي شيء لمنع تراجع إمدادات المياه التي تنبأت بها وزارة البيئة. دول مثل العراق وسوريا، حيث دمرت الحرب البنية التحتية، سوف تكافح من أجل الاستعداد لمستقبل أكثر حرارة وجفافًا.

لا يمكن لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فعل الكثير لوحدها للتخفيف من الاحتباس الحراري. حتمًا، رغم ذلك، سوف يحتاجون إلى التكيف. حتى الآن لم يتم إنجاز الكثير من الأمور.