يُشار أحياناً إلى أن إيلون ماسك، أشهر رجال الأعمال في العالم، باسم " الورقة الرابحة للتكنولوجيا "، ليس لأسباب سياسية، ولكن بسبب عادته في إصدار تصريحات مذهلة ذات مصداقية عالية، وفي السادس عشر من يوليو الماضي، كشف عن نوع جديد من واجهة آلة الدماغ (BMI)، حيث أعلن أنه إذا لم يدخل البشر في التعايش مع الذكاء الاصطناعي، ومن المؤكد أنهم سيتركون لن يلحقوا بالتطور وسيبقون متخلفين عن وكب التكنولوجيا الحديثة، وكان يشير ضمنياً في إعلانه أنه هو الرجل الذي يستطيع إيقاف حدوث هذا الشيء.
وتوصيل العقول مباشرة بالآلات يعد طموحاً طويل الأمد، وهذا ما يحدث بالفعل، وإن كان بطريقة فجة وغير أخلاقية في نظر البعض من علماء السلوكيات الأخلاقية فيما يتعلق بالتجارب على البشر.
فعلى سبيل المثال، من أجل تحفيز العقل الباطن، يزرع جراحو الأعصاب بضعة أقطاب كهربائية في دماغ المريض من أجل علاج مرض باركنسون، حيث يتم الآن استخدام "مصفوفات يوتا"، وهي مجموعات تضم 100 إبرة من السيليكون الموصل بجهاز، بشكل تجريبي لتسجيل موجات الدماغ .
وقام فريق من جامعة واشنطن ببناء شبكةٍ تربط العقول معاً، وتسمح للناس بلعب الألعاب مع بعضهم البعض باستخدام أفكارهم فقط، ومؤخراً استطاع الباحثون في جامعة كاليفورنيا بولاية سان فرانسيسكو، أن يلتقطوا إشارات عصبية من الناس أثناء حديثهم، ثم حولوا هذه المعلومات، عبر الكمبيوتر إلى خطاب واضح ومفهوم .
كما هو الحال مع كل الأشياء المرتبطة ب "إيلون ماسك" ، فإن مشروع التشبيك العصبي الدماغي يعتبر الأكثر طموحاً، فالشركة لا تريد فقط تطوير أفضل مؤشر لكتلة الجسم، بل إن الهدف منه هو إنشاء "ربط عصبي" عبر شبكة من الأقطاب الكهربائية الرفيعة للغاية التي تلتقط أكبر قدر ممكن من المعلومات من الدماغ.
ويجب أن تكون الأقطاب الكهربائية اللازمة للقيام بذلك مرنة، حتى لا تتلف أنسجة المخ و تصمد لفترة طويلة، يجب أن يكون عددهم بالآلاف على الأقل لتوفير عرض النطاق الترددي الكافي للدماغ والخلايا العصبية، ولجعل عملية زرع الكثير من الأقطاب الكهربائية آمنة و غير مؤلمة وفعالة ، يجب أن تتم العملية آلياً و ليس بشرياً، مثل جراحة الليزك التي تستخدم أشعة الليزر لتصحيح البصر.
ويبدو أن مشروع ربط الأعصاب والمعروف باسم" Neuralink " قد أحرز بالفعل تقدماً نحو هذه الأهداف، فقد تضمن العرض الذي قدمته أكاديمية كاليفورنيا للعلوم، في سان فرانسيسكو، مقاطع فيديو عن روبوت جراحة الأعصاب الذي يمكن وصفه بأنه ماكينة للخياطة .
ويمسك هذا الروبوت "الخيوط" " الأفلام ، الأقطاب كهربائية ، والتي يصل قياسها إلى أقل من ربع قطر شعرة الإنسان"، ويقوم بغرزها عميقاً في الدماغ من خلال انشاء ثقب دقيق جداً في الجمجمة، وهو قادر على إدخال ستة خيوط ، كل منها يحمل 32 قطب كهربائي في الدقيقة الواحدة.
وقامت الشركة أيضاً بتصميم شريحة يمكنها التعامل مع الإشارات من ما يصل إلى 3،072 قطباً متكاملاً وموصولاً بطريقة معقدة للغاية، أي أكثر بعشرة أضعاف من أفضل الأنظمة الحالية، بالإضافة إلى كونها تنقل المعلومات والاشارات من الدماغ للكمبيوتر وأجهزة القياس لاسلكياً.
ومع ذلك، فإن السحر الحقيقي لا يبدأ إلا عند تحليل المخرجات، وهو ما يحدث في الوقت الفعلي في مختبرات ماسك، وبالنظر إلى السطح ، يبدو أن الخلايا العصبية في الدماغ تنطلق وتتحفز عشوائياً . فعلى الرغم من ذلك، يمكن للبرنامج اكتشاف أنماط محددة ومنتظمة لتلك الخلايا العصبية ونشاطها عندما يقوم الفرد بعمل أشياء معينة.
وعلى سبيل المثال، يتم لصق أقطاب كهربائية كافية في الجزء المسؤول عن الحركة في الدماغ لشخص ما، حينها يكون من الممكن تسجيل ما يحدث في المخ عندما يكتب هذا الشخص على لوحة مفاتيح أو يحرك الفأرة، ثم يمكن بعد ذلك استخدام هذه البيانات للتحكم مباشرة في جهاز الكمبيوتر، وعلى العكس تماماً، يمكن استخدام الأقطاب الكهربائية لتحفيز الخلايا العصبية، وربما إعطاء الشخص المعني الشعور أو الأمر للقيام بأي شيء .
وقام العلماء القائمين على الدراسة باختبار النظام بنجاح باهر على الفئران والقردة حتى الآن، وتأمل الشركة الآن في العمل مع متطوعين بشريين، ربما في وقت مبكر من العام المقبل في حال تعاونت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مع الشركة للتوصل لنتائج قد تؤدي لخلق طفرة تكنولوجية بشرية في العالم بأسره.
الهدف الأول هو استخدام التكنولوجيا هو لمساعدة الناس على التغلب على أمراض مثل العمى والشلل، فمشروع الترابط العصبي يهدف بوضوح لأهداف أكبر من هذه بكثير، فقد صممت أيضاً جهازاً صغيراً يوضع خلف أذن أحد الأشخاص، ويلتقط إشارات من الرقاقة المزروعة و يمررها حسب الاقتضاء، وفي غضون سنوات قليلة، قد يكون استخدام زرع الأسنان للتحكم في أجهزتك أمراً سهلاً بين التقنيات الفنية في سان فرانسيسكو مثل ارتداء سماعات الأذن اللاسلكية اليوم.
وفي النهاية، يتنبأ ماسك بأن الترابط العصبي سيسمح للبشر بالاندماج مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، وبالتالي تمكين النوع للبقاء على قيد الحياة في المستقبل بشكل أفضل.
ورغم أنه كما يوضح هذا الإعلان، فإن لدى ماسك عادةً لتقديم نفسه كمنقذ للجنس البشري، وبعض الآلات على الأقل ستصبح تحت السيطرة المباشرة للأدمغة البشرية، مما يجعل الأمر معقولاً ومقبولاً، وربما لن يكون أكبر عائق أمام هذا الحد هو كتابة البرنامج اللازم لتفسير الموجات الدماغية، ولكن إقناع الناس بأن الجراحة لازمة للقيام بذلك، سواء عن طريق الخياطة الآلية أو غير ذلك، هي في الواقع فكرة جيدة و صعبة في آنٍ واحد.