متفرقات

الطب الذي يعالجنا يقتلنا أحيانًا.. تعرف إلى الوجه المرعب لـ«ملائكة الرحمة»

24 آذار 2019 14:51

الأخطاء واردة في كل المهن، لأن الخطأ طبيعة بشرية بالطبع، لكن حينما يتعلق الأمر مباشرًة بحياة مرضى، قد لا يمكن تقبل هذا الخطأ، في السطور التالية نسلط الضوء على مسألة الأخطاء الطبية، في محاولة لتوضيح بع

الأخطاء واردة في كل المهن، لأن الخطأ طبيعة بشرية بالطبع، لكن حينما يتعلق الأمر مباشرًة بحياة مرضى، قد لا يمكن تقبل هذا الخطأ، في السطور التالية نسلط الضوء على مسألة الأخطاء الطبية، في محاولة لتوضيح بعض الخطوط الفاصلة بين المقصود منها وغير المقصود.

يقتل ربع مليون أمريكي سنويًّا

بدأ الاهتمام بخطورة الأخطاء الطبية في عام 1999، عندماعرفنا أن الخطأ الطبي يقتل سنويًا آنذاك في أمريكا حوالي 100 ألف حالة في المستشفيات، كان ذلك عن طريق كتاب «To Err is Human» الذي أطلقته الأكاديمية الوطنية للعلوم. وفي الوقت الحالي يعد الخطأ الطبي هو ثالث سبب للوفاة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقتل ربع مليون شخص سنويًا -كما تذكر الإحصائيات-، ويتسبب في إصابات للملايين. أكثر من أمراض الجهاز التنفسي والحوادث، والجلطات، والألزهايمر.

وفي مصر يقتل الخطأ الطبي 3558 حالة سنويًا كما يصرح المركز المصري للحق في الدواء، وكانت الأرقام الرسمية تشير إلى وفاة 558 حالة بسبب الخطأ الطبي عام 2015.

أزمة الطب تكمن أن الرؤية من منظور الطبيب تختلف تمامًا عنها من منظور المريض وأهله، هناك عملية جراحية قد تفشل بسبب قطع شريان بالخطأ، وقد يموت المريض بسبب إهمال الطبيب؛ تركه ينزف وانصرف، قد يصاب المريض بعدوى من المستشفى نفسها، لكن في الحقيقة أن أهل المريض لا يريدون سوى شفائه وهو حقهم بالضرورة، وهم غير معنيين بإن كان سبب موت مريضهم خطأ طبيًّا أو إهمالًا أو تدهورًا نتيجة مضاعفات، أو خطأ في المنظومة ككل، الأمر سيان طالما أن المريض قد مات بالفعل وانتهى الأمر.

ما هو «الخطأ الطبي»؟

يمكن تعريف الخطأ الطبي بأنه حدث سبب أذى للمريض كان يمكن تفاديه، وهناك عدة أشكال تندرج تحت تلك الكلمة؛ أولها وأكثرها شيوعًا هو التشخيص الخاطئ أو المتأخر، الذي سيؤدي بالضرورة إلى تأخير العلاج، أشرّ الأطباء هو طبيب لا يسمع شكوى مرضاه، مثل تلك المريضة التي كانت تشتكي من ألم في كتفها، لم يستمع لها الطبيب ولم يأخذ شكوى المريضة بجدية، ونتيجة لذلك تدهورت حالتها، وتوفيت على إثر اعتلال في القلب في حين كان من الممكن علاجها إذا استمع الطبيب فقط لشكواها وأحالها  لمتخصص في أمراض القلب.

تذكر دراسة إحصائية نُشرت عام 2008 أن أمريكا تنفق سنويًّا 700 مليار دولار لإجراء تحاليل غير ضرورية للمريض، لكن التحاليل الخاطئة ليست أبدًا خطوة في طريق العلاج الصحيح، من ناحية أنها تؤخره، ومن ناحية أنها قد تكون هي ذاتها خطرًا على صحة المريض، فمثلا الصبغة المستخدمة للأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي قد تعرض المريض للفشل الكلوي.

هذا ليس معناه بالطبع عدم اللجوء للأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي، ولكن ينبغي دائمًا السؤال، لماذا نخضع لهذا التحليل أو ذاك؟، وأين يقع هذا التحليل على خريطة العلاج؟ أضف أيضًا أن اعتماد العملية الجراحية على نتائج تحاليل خاطئة قد يودي بحياة المريض؛ مثل ذلك الطفل الذي فقد حياته بسبب خطأ في تحليلات ما قبل عملية استئصال اللوزتين.

تدخلات كان يجب ألا تحدث

ربما سمعت عن عملية جراحية أجريت لمريض، في العين اليمنى بدلًا من اليسرى، أو استبدال أنبوبة التنفس بأنبوبة التغذية، أو حدث خطأ في المريض ذاته، كأن تعطي الممرضة حقنة المورفين للمولودة بدلًا من الأم، ما جعل الطفلة على وشك الموت، أو «كانيولا» جرى تركيبها لطفلة بشكلٍ خاطئ سببت تورمًا في ذراعها، وانتهى الأمر ببتر ذراع الطفلة إلى الأبد.

وبالتأكيد سمعت مرارًا عن طبيب قد نسي فوطة في بطن مريض، عانى المريض بعدها من آلالام شديدة، وربما فقد حياته في النهاية، مثل تلك المريضة التي نسي الطبيب فوطة أثناء إجرائه عملية ولادة قيصرية لها. كلها أخطاء كان يمكن بسهولة تجنبها إذا كان هناك حد أدنى من النظام، والانتباه.

تقول الممثلة فران دريشر أن «المستشفى قادرة على أن تشفيك بنفس قدرتها على قتلك». وهناك 1.7 مليون حالة سنويًا في أمريكا  تصاب بعدوى من المستشفيات.

في دراسة لمنظمة الغذاء والدواء FDA  أجرتها لبحث أشهر حالات الخطأ الطبي من عام 1993 إلى 1998 وجدت أناستخدام جرعة غير مناسبة من الدواء، مثل نسبة 41%، واستخدام طريقة خاطئة للدواء مثل 16%، كما وجدت أن نصف الحالات التي تعرضت لخطأ طبي، تتخطى 60 عامًا، بسبب استخدام عدد كبير من الأدوية.

هناك فارق أيضًا بين الإهمال والعرض الجانبي؛ مثلا إذا وصف الطبيب عقار «البنسلين»، نتج عنه حساسية للمريض، فالطبيب ليس مسئولًا بالضرورة عن العرض الجانبي، لكنه مسؤول عن إهماله في عدم إجراء اختبار للحساسية. ولو كان هذا المريض يعيش في ظل منظومة طبية صحية كان سيحمل أرشيفًا يحتوي تاريخه المرضي كاملًا. خطأ آخر من ضمن الأخطاء هو إفاقة المريض أثناء العملية، وذلك بسبب جرعة تخدير غير مناسبة.

كيف نعالج الخطأ والإهمال؟

لن نستطيع أبدًا ضمان صوابية الأفراد، لكن التحدي هو بناء منظومة صحية قادرة على أن تتلافى الخطأ الطبي، أول قواعد المنظومة الصحيحة هو ما يسمى بـــ«الخمسة الصحيحة»: المريض الصحيح، الدواء الصحيح، الجرعة الصحيحة، طريقة الدواء الصحيحة، والوقت الصحيح.

وضع «To Err Is Human» إرشادات لمنظومة صحية وآمنة للمريض عبارة عن نظام كامل له القدرة على تصحيح الخطأ البشري، أوضح الكتاب أن الأمر «ليس بسبب بشر سيئين في نظام جيد، ولكن بسبب بشر جيدين في نظام سيئ».

أحد المستشفيات التي يقترب فيها الخطأ الطبي من الصفر هي «عيادة مايو» ابتكرت المستشفى تقنية للنظافة تضمن النظافة اليومية للأسطح ومقابض الأبواب، وريموت التلفزيون، ومداخل الغرف. تستخدم المستشفى الـ«باركود» الذي يوصل المريض بالدواء المناسب له، كذلك يمكن أن يتلافى الجراح إجراء العملية في جزء خاطئ من الجسم، ببساطة إذا وضع علامة على الجزء الصحيح قبل العملية.

في الحقيقة أن أحد أعضاء تلك المنظومة الصحية المؤثرين كما يوصى الكتاب هو المريض ذاته، تعوّل المنظومة على وعي المريض، وتعوّل كذلك على إعلام الطبيب للمريض كل توقعاته للعملية الجراحية، وكل ذلك لن يجدي نفعًا إلا إذا اعترف الطبيب بالخطأ، مفهوم بالضرورة أنه يخشى العقاب، لكن المهم هو تفادي الخطأ، الخطأ الإنساني.