ثقافة وأدب

سعيد عقل : إشكالية الحداثة

الحسام محيي الدين

8 نيسان 2019 16:01

لطالما عُرف سعيد عقل بشاعر الفرح والتفاؤل والمرأة  والنرجسية والغزل ، ولكنه لم يوفَ حقّهُ كشاعر عاش هموم ومفاهيم الحداثة الشعرية التي انطلقت منتصف القرن الماضي مع شعراء أفذاذ كبدر شاكر السياب ونازك ال

لطالما عُرف سعيد عقل بشاعر الفرح والتفاؤل والمرأة  والنرجسية والغزل ، ولكنه لم يوفَ حقّهُ كشاعر عاش هموم ومفاهيم الحداثة الشعرية التي انطلقت منتصف القرن الماضي مع شعراء أفذاذ كبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وأدونيس ويوسف الخال وغيرهم ممّن حملوا هموم الحداثة في مفاهيمها المختلفة من القلق الوجودي ومصير الانسان إلى الشعور بالرفض والنفي وغربة الذات وغير ذلك من تلك الموضوعات المصيرية وقتذاك ، وهو ما يدفعُ بالضرورة الى محاولة إنصاف هذا الشاعر شعرياً كرائد حداثوي في الشعر العربي ، بمعزلٍ عن مواقفه السياسية التي اتخذها في حياته والتي لم تعد ذات أهمية بحثية اليوم . 

ولد سعيد عقل في مدينة زحلة عام 1912 ونشأ ودرس فيها حتى المرحلة الثانوية. " وخلافاً لما يظنه البعض لم تكن لديه أيّ ميول شعرية واضحة .عمل صحافياً في بداية حياته بالتوازي مع دخوله ميدان الشعر حيث بدأ بإنتاجه الشعري منذ العام 1930 فكانت أهم إبداعاته على التوالي : "بنت يفتاح" 1935 : مسرحية شعرية 
"المجدلية " 1937 : ملحمة شعرية تاريخية مستوحاة من " العهد الجديد".
"قدموس" 1944 : مسرحية شعرية كلاسيكية أسطورية .
"رندلى " 1950 ، "أجمل منك ؟ لا " 1960 ، "أجراس الياسمين" 1971، " كتاب الورد" 1972 "قصائد من دفترها" 1973 ، وهي دواوين غنائية رومنسية غزلية . كما أصدر " كما الاعمدة" عام 1974 وهو شعر مناسبات في معظمه باستثناء قصائد قليلة في الذات ، ثم ينشر " دلزى" عام 1991 وهي خماسيات من الحكمة . وغير ذلك فلسعيد عقل مؤلفات أخرى نثرية : "يوم النخبة" "كأس لخمر" ، " لبنان إن حكى" . فضلاً عن "يارا" و " خماسيات" وهما ديوانان شعريان باللغة اللبنانية المحكية ، بالاضافة الى مئات المقالات والابحاث والترجمات والمقدمات للشاعر المتناثرة هنا وهناك في كتب الادب العربي . أنشأ عام 1962 جائزة " سعيد عقل" التي لا تزال تمنح حتى اليوم لمبدعين في الفن والعلم والادب .توفي سعيد عقل عام 2014 ودفن في مدينته زحلة .
عاصر سعيد عقل الشعراء الحداثويين وصادفهم الا أنه لم يتحدث مثلهم بل لقد قاومهم شعرياً فتأثروا به ولم يتأثر بهم ، وهم أنفسهم اعترفوا بذلك في غير مقام ومقال ، ولكن ذلك لا يمنع من وضع أعماله في مكانها الصحيح كإبداعات شهدت تحولات القصيدة الشعرية نحو الحداثة وينظر اليها الجميع على أنها من اروع الشعر العربي الحديث، بعيداً من المواقف الايديولوجية او السياسية للشاعر، تماماً كما أنصف الادباء والنقاد الغربيون شعراءهم ومبدعيهم في نتاجاتهم الادبية بعيداً من مواقفهم السياسية  وهذا ما أحاول تفنيده في هذا البحث المتواضع من خلال دواوينه الشعرية الأربعة وهي على التوالي  : قدموس – المجدلية – رندلى – كما الاعمدة – تعريفاً وتصنيفاً وتوصيفاً ومن ثم نقداً موضوعياً  لا بد منه لتتابع الدرس المنهجي في فكرة المدى أو الفضاء الحداثوي الذي ولدت وعاشت فيه هذه الدواوين موضوع الدرس ، وما إذا استطاع الشاعر المواءمة بين الكلاسيكية العربية في بناء القصيدة الخليلية وموضوعات الأفق الحداثوي الذي كان سائداً وقتذاك ، وكل ذلك في تبيان تفاصيل اللغة الشعرية والصورة والبناء الايقاعي في موسيقاه الداخلية والخارجية ، مع التأكيد على معجمه المستمد من علوم البلاغة في البيان والبديع والمعاني ، لأدلف منها الى الثيمة الاساسية للبحث التي تؤكــــد ( وربما تنفي ! ) نجاح الشاعر في تجسيد عناصر الحداثة التي انبثقت في عصره .

غداً : " قدموس " سعيد عقل : الأسطورة الممسرحة شعراً .