أخبار

لماذا استباح نتنياهو اليوم مدينة القدس والمسجد الأقصى ؟

بسام أبو شريف

3 حزيران 2019 02:32

كثيرون ظنوا أن بنيامين نتنياهو اتخذ موقفا يفرض الهدوء على منطقة المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك لارضاء الملك سلمان ، أو لتسهيل ادعائه في القمم الثلاث بأنه حامي الأقصى وثالث الحرمين ، لكن الذين


كثيرون ظنوا أن بنيامين نتنياهو اتخذ موقفا يفرض الهدوء على منطقة المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك لارضاء الملك سلمان ، أو لتسهيل ادعائه في القمم الثلاث بأنه حامي الأقصى وثالث الحرمين ، لكن الذين ظنوا ... خاب ظنهم ، ومن تخيل في البلاط السعودي أن الهدوء في الأقصى هدية اسرائيل للملك سلمان أحبطوا اذ ارتدت أحداث اليوم في مدينة القدس على قمم آل سعود وبذلك ارتدت على كل من وافق على بيان القمة العربية والقمة الاسلامية والقمة الخليجية .
وتبين للجميع أن مايبديه آل سعود من تخل عن فلسطين والأقصى ، هو الحقيقة وأن الكلام الآخر هو صف كلام لذر الرماد في العيون .
ماجرى في القدس اليوم هو تمرين عملي على تهويد القدس كاملا ، وتهجير العائلات الفلسطينية وخلق واقع ديموغرافي جديد يساعد اسرائيل على ادعاء أن القدس هي عاصمة اليهود .
من تابع ماجرى اليوم في باحات الأقصى ، قد يظن أن اقتحام الباحات من قبل ألف مستوطن (معظمهم جنود في الجيش الاسرئيلي ) ، بحماية ألفي جندي والاعتداء على المصلين والمعتكفين والمرابطين هو ماجرى ، لكن الأمر يتعدى ذلك أهدافا وتمرينا ( فالذي حدث اليوم هو استباحة مدينة القدس ) .
منذ بداية رمضان تخطط الدوائر الصهيونية بالتعاون مع بلدية القدس وفريق القتلة في جيش الاحتلال لاستباحة مدينة القدس واغتصابها من أهلها عنوة وبالقوة ، ومن ضمن المناطق المستباحة الأقصى وباحاته ، فقد خطط " خرائط عسكرية " ، لتتمركز في كل زاوية استراتيجية سرية من الجنود وقوات القتل وأن تقطع الطرق في تلك الزاوية بالحواجز الحديدية المتحركة ، وقد بلغ عددها 23 مركزا وجميعها توصل الى الشوارع التي تؤدي للبلد القديمة وللأقصى ، وذلك لمنع الفلسطينيين من التوجه للبلدة القديمة وللأقصى .
كما قامت مجموعات من المستوطنين المسلحين بجولات في الشوارع لشن حملات استفزازية للمحلات الفلسطينية وأصحابها ، وذلك بعد أن رفض هؤلاء اغلاق محالهم أمام مسيرة المستوطنين حسبما طلبت منهم بلدية القدس وسلطات الأمن ( حفاظا على أمنهم وأمن محالهم ) وهدف ذلك ابعاد أي فلسطيني عن المكان ليظهر وكأنه ميدان اليهود والمستوطنين فقط ، وفي الوقت ذاته قامت كافة الحواجز الاسرائيلية عبر الجدار العنصري بمنع عشرات الآلآف من دخول القدس لأداء فريضة الصلاة في المسجد الأقصى ، فمن عادات المسلمين وواجباتهم أن يؤدوا الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان ويخصون الأيام العشرة الأخيرة من رمضان بجهد خاص حتى كبار السن منهم .
وأذكر أن عمتي " رحمها الله " ، كانت تصر أن تذهب للأقصى لأداء فريضة الصلاة – حافية القدمين – وتمشي قرابة 12 كيلو مترا لتصل في موعد الصلاة تيركا بالصخرة المشرفة .
واتصل العشرات للابلاغ عن منع الحواجز الاسرائيلية المصلين للدخول للقدس تحت حجج واهية ، فقد كان يحيل حاجز المصلين الى حاجز آخر ليحيلهم الى حاجز آخر الى أن يجدوا أنفسهم أمام طابور من الآف ينتظرون مزاج الجندي العنصري ليمررهم واحدا واحدا كل خمس دقائق .
ماجرى هو منع بقوة السلاح للفلسطينيين من دخول القدس ، والتوجه للصلاة في الأقصى .
وخاصة أبواب القدس حيث تمركز مئات الجنود المدججين بالسلاح والدعم من قواتهم الخاصة وحرس الحدود ليمارسوا اضطهادا لامثيل له ضد المصلين نساء وأطفالا ورجالا ، وتجمع حول هؤلاء الجنود وتحت حمايتهم غرباء أجانب يرقصون ويصرخون ويلوحون بأعلام اسرائيل مغلقين طرق البوابات حتى لايمر الفلسطينيون ، وان حاول أحد الفلسطينيين المرور هوجم وانهال عليه الجنود دفشا ، ومن اعترض يعتقل .
لم تكن الممارسات فظة وارهابية وهمجية فقط ، بل كانت مليئة بالحقد العنصري الذي كان باديا على وجوه أغلبية الجنود الا البعض منهم ، فقد أشاح هؤلاء بوجوههم حتى لا يروا الوجه السيء للقتلة الصهاينة .
وجاب المستوطنون المسلحون بحماية من جيش الاحتلال المدجج شوارع القدس الشرقية وصولا كدفعات لبوابات المدينة القديمة خاصة باب العامود قرب حائط البراق ... على الحواجز الأولى – عند أبراج سور العنصرية والضم والاغتصاب منع جنود محقونون  "معظمهم ممن يتعاطون المخدرات " ، عشرات الآلآف من الوصول الى مسجدهم .
وعند الحواجز الداخلية " وهذا ممنوع في أراضي دولة اسرائيل حسب قانونهم – اذ لاصلاحية للقوات العسكرية والأمنية في شوارع المدن الاسرائيلية " ، فالأمور مناطة بالشرطة داخل المدن وعلى طرقاتهم تم منع الآلآف من التحرك وطلب منهم ارهابا اغلاق محلاتهم التجارية .
أما عن أسوار القدس فحدث ولا حرج عن الاستفزاز والارهاب والتصرفات الهمجية ، ولوحظ اليوم أن اليافعين والأولاد كانوا الأكثر وقاحة واستفزازا للفلسطينيين خاصة للنساء وكبار السن مخطط لاستباحة المدينة واغتصابها منذ بداية رمضان ، وقد أخذ بعين الاعتبار أن نتنياهو أراد أن يغير صورة اسرائيل في بادئ الأمر باظهار السماح بحرية العبادة ، لكن حساباته الداخلية بعد فشله بتشكيل الحكومة اختلفت ، فرمى بثقله الى جانب يوم الاستباحة والاغتصاب في آخر أيام رمضان واسبوع القدس العالمي ، ولاشك أن حجم الاستباحة ازداد بعد أن رأى الاسرائيليون أن قرار ترامب لم يعن للعالم الحر أي شيء ، فقد خرج الملايين تأييدا للحق الفلسطيني ودعما لتحرر القدس من قبضة المحتل العنصري ، ولم تخل عاصمة أو بلدا من مظاهرات للتعبير عن ذلك ، لكن أبرز مايسجل هو هبة الشعب العربي في اليمن فبالرغم من الدمار والجراح كان رداليمنيين على مؤتمرات العار التي عقدت في مكة خروج مئات الآلآف تحت القصف السعودي لتأييد فلسطين والقدس ، وكذلك ايران : رغم شبح الحرب والحصار والضغط خرج الايرانيون عن بكرة أبيهم داعمين للقدس ولفلسطين والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني .
كيف ترى الصورة ؟
رعب اسرائيلي من نمو قدرات المقاومة وجموع مليونية أدت صلاة الجمعة في الأقصى على أربعة أسابيع متتالية كان آخرها الجمعة اليتيمة التي زامنت قمم العار ، وجاءت ردا عليها .
وشاهد الاسرائيليون صفوف الفلسطينيين تتوحد وترص الصفوف ضد صفقة ترامب ومشروعه الصهيوني ، وشاهدوا فشل مؤتمر البحرين قبل انعقاده فجاءت أحداث القدس محاولة لاظهار شيء غير الذي يجول في صدور الصهاينة ، انهم يرتعدون من قلق على مستقبلهم ، ماذا سيحل بهم ، هل يستطيعون المراهنة على ترامب الذي قد يغير مواقفه اذا عن له أو اذا أمرت مصالحه بذلك ، هاهو يريد أن يفاوض ايران دون شروط مسبقة .
لقد ابتلع كل الشروط ال 12 التي قرأها بومبيوعلنا ، وأجبر بومبيو " الفارغ " ، على الاعلان بلسانه أن واشنطن مستعدة للتفاوض مع ايران دون شروط .
أين وعود ترامب بضرب ايران ، وأين حلف آل سعود- اسرائيل – كوشنر لمحاصرة ايران وشن الحرب عليها بدل اسرائيل ؟؟
انه الرعب من المستقبل دفعهم للقيام بما سيندمون عليه ، ولم يلاحظ أحد " ربما لاحظ البعض " ، أن يهودا غليك " قائد متطرفي الهيكل " ، وثمانين من أركانه قد سلطت الكاميرات عليهم وأصبح لدى من يريد ارشيف عن قادة الهمجية العنصرية الصهيونية في اسرائيل ، لقد لجأ نتنياهو ليهودا غليك بعد أن صدمته مجريات الأخذ والرد بين واشنطن وطهران ، وابعاد ترامب شبح الحرب والاستعداد للتفاوض دون شروط مسبقة .
من كل ماجرى في القدس لايمكننا الا أن نستخلص أن هنالك حالة من الذعر والرعب تسود صفوف الاسرائيليين ، وحالة من عدم اليقين وفقدان الثقة بالنفس تسود أوساط ضباط جيش الاحتلال ، اسرائيل قابلة للكسر وليست غير قابلة للكسر أو التحطيم .
من طرف خفي تنظر عيون ضباط جيش الاحتلال الى مايدور على أرض اليمن وفي جوها ، وكذلك على حزب الله ودوره القومي ، وعلى تنامي قوة الجيش السوري واستعادته لثقته بنفسه وعلى نمو قدرات المقاومة الفلسطينية ووصولها الى مستوى التهديد بالرد صاعا بصاع .
سيسقط نتنياهو كما توقعت له في كتابي نتنياهو – الصعود والهبوط ، وسينكفئ ترامب بعد أن ينهار اقتصاداميركا الى حدود مخيفة ، وستنتصر ارادة الشعوب وستنتزع حريتها واستقلالها وحقوقها .