أخبار لبنان

ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين .. بالشروط اللبنانية

13 حزيران 2019 14:00

فاطمة سلامة في كل مرة يُفتح فيها ملف ترسيم الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني، يجري الحديث عن خطوات متقدّمة وأخرى متعثّرة. هذا الملف العالق منذ نحو 12 عاماً لا يزال رهينة العقلية الأميركية السباقة ل

فاطمة سلامة

في كل مرة يُفتح فيها ملف ترسيم الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني، يجري الحديث عن خطوات متقدّمة وأخرى متعثّرة. هذا الملف العالق منذ نحو 12 عاماً لا يزال رهينة العقلية الأميركية السباقة لفعل كل ما يُساند "إسرائيل". ليس مهماً إن أتى حل الترسيم على حساب حقوق الدولة اللبنانية، بل المهم "شرعنة" هذه الحقوق لصالح العدو. الجانب الأميركي يستغل إسناد مهمة "الوساطة" اليه ليُمعن في تحسين شروط "الإسرائيلي". هذا الديدن عُرفت به الولايات المتحدة الأميركية لسنوات. اليوم، يعود الحراك الأميركي على خط الترسيم من جديد، مع الجولة الثالثة من المفاوضات التي يُجريها مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد مع المسؤولين اللبنانيين. الحديث مع مصادر مطلعة على العملية التفاوضية لا يوحي بأنّ الأمور باتت كما يُشاع أحياناً في ربع الساعة الأخير. تتحدّث المصادر صراحةً عن أنّ المفاوضات تسير الى الأمام، ولكن كلما تقدّمنا خطوةً في المساحة الأخيرة تُصبح الأمور أكثر دقة وتحتاج بالتالي الى كثير من الحكمة والهدوء والتروي للتأكد من ثبات الخطوات.  

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، تلفت المصادر الى أنّ الجانب "الإسرائيلي" يسعى جاهداً عبر الوساطة الأميركية لتحسين شروطه قدر الإمكان. هذا الأمر يرد عليه الجانب اللبناني بمزيد من التمسك بكل شبر من حقوقه، وعليه لن يوافق على أي حل يقضم حقوقه التي يُصر عليها كاملةً. لا تُنكر المصادر أنّه لا يزال هناك الكثير من التفاصيل التي لم تُبت. صحيح أن نوايا الحل قائمة والمبادئ ثابتة، لكن لا نستطيع لا التفاؤل ولا التشاؤم، فالشياطين قد تكمن في هذه التفاصيل الدقيقة. جُملة أمور لا تزال عالقة في التفاوض من ضمنها مسألة الوقت الذي يُصر لبنان على تركه مفتوحاً بينما تُطالب "إسرائيل" بحصره بأشهر ستة. كذلك، توضح المصادر أن لبنان لا يزال يُطالب بضمانات، ويُصر على مسألة تلازم التفاوض في المسارين البري والبحري. 

شحيتلي: لتحصين أنفسنا بسوء الظن

اللواء عبد الرحمن شحيتلي ـ الذي تولى رئاسة لجنة التنسيق اللبنانية مع القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان لسنوات - يُعلّق على مسار التفاوض الحاصل اليوم في ملف ترسيم الحدود انطلاقاً من خبرته الواسعة، فيصف المفاوضات الحاصلة بالأكثر جدية منذ بدء التفاوض على هذا الملف، ويُعرب عن إعجابه بالموقف اللبناني المتمايز، فلأول مرّة تفاوض دولة عربية كيان العدو وتتحصّن بهذه الدرجة من الوعي والدقة والحكمة. حتى أنّ الولايات المتحدة ـ برأيه ـ باتت متحمّسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء التفاوض في سياق محاولاتها لتخفيف العبء المالي عنها جراء مليارات الدولارات التي تدفعها سنوياً لكيان العدو. و"إسرائيل" أيضاً تسعى وراء الحل انطلاقاً من مصلحتها في البدء باستخراج النفط والغاز. وفق حسابات شحيتلي فإنّ تعليق التفاوض يلقي أعباء قانونية واقتصادية وأمنية على "إسرائيل". 

يُشدّد شحيتلي على أنّ الوقت اليوم هو الأفضل للتفاوض خصوصاً أنّ لبنان يتميّز اليوم بقوته التي تمتلكها المقاومة للدفاع عن حقوقه، فلبنان لن يتفرّج على كيان العدو إذا ما عمل على سرقة نفطه وغازه، انطلاقاً من القدرة التي تمتلكها المقاومة والتهديد الذي عبّر عنه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله. 

 

 

ورغم أنّ المفاوضات اليوم باتت في ذروتها، إلا أن شحيتلي يرفض الذهاب بعيداً في التفاؤل. وفق حساباته، نحن نفاوض عدواً ويجب أن نحصّن أنفسنا بسوء الظن، منعاً لأي فخ قد يُنصب لنا. التجربة مع الجانب القبرصي ـ والفخ الذي وقعنا به وندفع ثمنه الى الآن ـ تتطلّب منا الحذر الشديد، وقراءة سطور وأحرف الاتفاق عشرات المرات، فـ"إسرائيل" ومن ورائها أميركا تُمعن في نصب "الأفخاخ" لـ"شرعنة" حقوق لبنان لصالح العدو. وبالتالي فإنّ العدو سيبذل كل ما يملك لـ"شرعنة" ما يستطيع، وما لا يستطيع "شرعنته" سيعمد الى إبقائه معلقاً، ومن هنا أتت فكرة حصر التفاوض بمهلة الشهور الستة. الجانب اللبناني اكتشف هذه النية منذ بداية المرحلة الحالية للمفاوضات، الأمر الذي جعله يدير المفاوضات بذكاء و"يُقرّش" كل كلمة تقال لقطع الطريق على الأطماع الصهيونية. 

يطرح شحيتلي وجهة نظره، وهو الذي خبر عقلية المفاوض العدو، فيُشدّد على ضرورة إصرار الجانب اللبناني  على أن يكون التفاوض على ثلاثة ملاحق:
1- احداثيات الحدود البرية
2-احداثيات منطقة المياه الاقليمية وهي منطقة سيادية كاملة
3-احداثيات المنطقة الاقتصادية وهي منطقة اتفاق على تقاسم اقتصاد وثروات موجودة في البحر

برأي المتحدّث، على الجانب اللبناني أن لا يقبل بتجاهل أي ملحق من هذه الملاحق، فجميعها متكاملة تحفظ حقوق لبنان. ويستحضر شحيتلي تجربة "خيمة التفاوض" من الراحل فؤاد شهاب، فيُشدّد على ضرورة نصب خيمة عند آخر سنتيمتر من حدود لبنان أو ليتم وضع علم الأمم المتحدة هناك، ولتجرِ العملية التفاوضية هناك بعد إزالة التحفظ من منطقة الناقورة. 

ويختم شحيتلي حديثه بالتأكيد على ضرورة أن نحصّن أنفسنا بسوء الظن خلال المفاوضات ولا نتعامل مع الأمور ببراءة، لأننا نتفاوض مع عدو يضع مصلحته فوق كل اعتبار.