أخبار

مقال رأي عن قضية اسراء غريب يطالب باستقالة وزيرتين

3 أيلول 2019 19:37

لا تزال قضية موت الشابة اسراء غريب تثير تفاعلات عارمة في المجتمع الفلسطيني. وليس بغريب أن تمتد التفاعلات إلى خارج حدود المجتمع الفلسطيني، فقضايا المرأة تتوحد وسرعان ما تصبح عالمية، في مجتمعات أسهل ما

لا تزال قضية موت الشابة اسراء غريب تثير تفاعلات عارمة في المجتمع الفلسطيني. وليس بغريب أن تمتد التفاعلات إلى خارج حدود المجتمع الفلسطيني، فقضايا المرأة تتوحد وسرعان ما تصبح عالمية، في مجتمعات أسهل ما فيها التخلص من حياة أنثى، في زمن صارت المرأة فيه أكثر استقلالا، وتزاحم الرجل في معترك الحياة على كافة الأصعدة، من الطبيعي أن يرتعب العالم الطبيعي من نهاية حياة لشابة بدأت شق أحلام حياتها للتو.

العنف هو السبب الرئيسي في مصائب الانثى، الاستياء والغضب والحزن بقضية اسراء غريب يكمن في معرفة كل انثى انها من السهل جدا ان تكون اسراء، في مجتمع يقيس شرفه بشعر انثى، ولبسها، وطريقة مشيتها، وما يخرج من لسانها، وما يقرره من جسدها وروحها وحياتها كحق ذكوري طبيعي ممنوح له والذكورية هنا ليست رجل فقط، بل رجل وامرأة. وقضية اسراء هي مثال اخر لهذا، ففتنة النساء وتهييج غضب الرجال يبدو وصفة تاريخية.

موضوع اسراء غريب خرج من السياق الطبيعي له، كجني يفلت من مصباح (ليس الجني العاشق الذي تلبس اسراء على حسب قول زوج أختها)، ليخرج مشاكل مجتمعية مرعبة، تتأكد مرارا وتكرارا لنا بوهن وضع المرأة وعبثية حياتها، وكأنها مجرد طفرة كلما تم التخلص منها كان أفضل.

ولكن.... ما جرى في هذه القضية كشف خرقا أكبر بداخل النظام الذي نعيش فيه، او بالأحرى فضحه، كشفه، وعراه.

نعم، نحن مجتمع ذكوري لا يحترم المرأة، واهم إنجازاته وضع امرأة في كوتة نسائية عند الانتخابات. ولكن المأساة ليست هنا. المأساة في نظامنا المهترئ من كل الاتجاهات.

في الأنظمة التي تحترم نفسها قبل ان تحترم رعاياها، تقوم الدنيا ولا تقعد عندما تأخذ قضية منحى رأي عام. في قضية اسراء، تحولت منصات العالم اجمع للتحليل والتفسير وكل محاولات فهم الحقيقة وابرازها، بينما صمت النظام بكافة اطيافه صمت الجثة التي تنتظر التشريح بعدما تعفنت. فلم نسمع الا ارتدادات من مسؤولين على كافة المستويات. النيابة تعلق ببيان بعدم نشر تفاصيل حتى انتهاء التحقيق. رئيس الوزراء يخرج بتغريده خجولة يشجب فيها الجريمة ان وقعت ويطالب بمحاسبة من يقتلون ان قتلوا. وزيرة المرأة تخرج بعد أيام كثيرة لتقول لنا بأن على القوانين ان تتحسن. الرئيس طبعا مشغول بخطاب يتم الاعداد له في منصة الأمم المتحدة.

وقد اعترف انني من الممكن ان أكون متجنية بعض الشيء، فبالمحصلة، نحن نتكلم عن أكثر الجرائم اقترافا بهذا المجتمع. فكم من انثى تدفن بلا حتى تقرير وفاة، وكم من انثى تسحق ولا يراها أحد، وكم من انثى تضرب وتكسر وتهشم ولا يأبه لوجعها أحد. فهنا الساكت المتواطئ مع كل هذه الجرائم بحق الاناث في المجتمع هو مستشفى ما، وصلت له ضحية ما، وختم بتقرير ان كل شيء تمام.

وهنا اسأل، أين وزيرة الصحة؟

للمفارقة، لدينا وزيرة صحة وليس وزير يعني من المفترض أن يكون هكذا موضوع هو موضوعها الشخصي. قبل شهر كانت قضية التحرش التي أدت الى اضراب نقابة الأطباء وقوفا مع الطبيب. حتى اللحظة لم نسمع تعليقا يصب نحو النية في إجراء تحقيقات حقيقية بشأن ما يجري من تجاوزات مرعبة بالمستشفيات، وقد يكون التحرش مجرد "طفرة" كطفرة وجود الانثى في هذا المجتمع.

فما نسمعه من قصص مرعبة تجري بالمستشفيات من اهمال وتقصير وسوء تشخيص وعلاج خاطئ وسوء معاملة، يجعل المرء يخاف من العلاج أكثر من خوفه من المرض. ما حدث مع اسراء منذ دخلت المستشفى " مكسرة" وخرجت منه "ميتة" هو جريمة لا تقل عن جريمة موتها. المستشفى تبدأ مسؤوليتها عند استقبال المريض وتصبح متواطئة بالجريمة عند السكوت عن التحويل إلى الشرطة، وعندما تكتب تقارير خاطئة، كاذبة، مزورة. الطبيب الذي يتعامل مع المريضة وكأنها أضحية قدمها الاهل وشارك هو في تقطيعها مذنب كذنب من شارك في ضربها وتسبب في رميها على سرير بمستشفى.

في الأيام الأخيرة، منذ لحظة انتشار المقطع الصوتي لصراخ اسراء بالمستشفى، ومنذ وضوح رخو تصرف المستشفى باستباحة الضحية من اغلاق باب عليها واستدعاء شيخ ليطرد الجن منها، كان يجب على الشرطة اغلاق المستشفى بعد كل ما تم تداوله من فيديوهات لاعترافات واضحة. في كل مرة يتم ذكر ما جرى بالمستشفيات بقضية إسراء يؤكد ان الضرر الأكبر حصل هناك.

عدم قبول المستشفى ولا وزارة الصحة بالإدلاء باي تصريح للتحقيق الصحفي الذي اجراه تلفزيون وطن، يشبه في أثره مناشداتي للرئيس. فراغ مطلق يجعل الانسان منا يفكر بوهن وجودنا في هذا الوطن ورخص قيمتنا كمواطنين.

ولكن للأمانة، ان النيابة حتى هذه اللحظة تتصرف بأمانة أكثر من أي جهة مسؤولة، فبعد تقرير الامس قررت النيابة استدعاء زوج اخت اسراء وافراد عائلتها ـ أن يأتي متأخرا أفضل من الا يأتي ـ ولكن ما جرى يؤكد ان ضغط الرأي العام يؤخذ على محمل من الجدية – نعم نحن نستجدي أضعف الايمان-.

اما ان تصمت وزارة الصحة عما جرى في أروقة مستشفياتها فهذه جريمة أكبر. لأننا بتنا نعرف ان وزارة الصحة تتحمل مسؤولية الاستهتار بحياة المرضى عندما تصمت عن تدخل الشيوخ في غرف المستشفيات بدل الطبيب.

عندما تشارك المستشفى بتقرير غير دقيق وغير وافي وكاذب وملفق. من حقنا أن نعرف بالتفاصيل ما جرى وأين تقف التحقيقات وما جرى بالمستشفى. من حقنا ان نعرف اين التسجيلات والامن، ومن حقنا ان نعرف الحقيقة كما حصلت.

في بلاد العالم التي تحترم شعوبها وتحترم أنفسها، كانت ستسقط حكومات في هكذا قضية، او في اقل التقديرات، كانت وزيرة الصحة ووزيرة المرأة ستقدمان استقالتهما، لرفضهما ان تستباح المرأة تحت سلطات تجعل من المرأة اضحية لخطايا المجتمع.

ما الداعي لوجود وزارة صحة لا ترعى صحة وحياة الناس؟ وما الداعي لوجود وزارة امرأة لا تستطيع ان تؤثر على تغيير قانون يسمح بقتل المرأة بلا حساب ولا عقاب.

المصدر: وكالة وطن للانباء