أخبار لبنان

أزمات لبنان الاقتصادية لا يحلها تغيير الحكومة ولا مساعدة الجيران بل تقشف الزامي للأغنياء

8 تشرين الثاني 2019 14:39

تكمن جذور المشاكل الاقتصادية التي تغذي الاحتجاجات الجماهيرية في لبنان في صورة مخطط بونزي منظم (خطوط متعرجة هابطة ومتصاعدة)، فلن يتم حل المشكلة الاقتصادية عن طريق تغيير الحكومة أو عن طريق ضخ رؤوس الأ


تكمن جذور المشاكل الاقتصادية التي تغذي الاحتجاجات الجماهيرية في لبنان في صورة مخطط بونزي منظم (خطوط متعرجة هابطة ومتصاعدة)، فلن يتم حل المشكلة الاقتصادية عن طريق تغيير الحكومة أو عن طريق ضخ رؤوس الأموال من الدول العربية الصديقة، بل سوف يتطلب اتخاذ إجراءاتٍ أكثر صرامة، بما في ذلك تقشف إلزامي للعديد من أغنى مواطني البلاد، وفقاً لتقرير لشبكة بي ان ان بلومبرج الكندية للمال والاعمال.

وعلى مدى عقودٍ طويلة، اعتمد لبنان على التحويلات المالية للحفاظ على اقتصاده و ربطه بالليرة، فقد تم تحديد سعر صرف العملة بمقدار 1507.5 ليرة مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 1997، مما أدى إلى ارتفاع قيمة العملة مقارنةً بإنتاجية البلاد، و هذا أعطى اللبنانيين دخلاً ومستوى معيشة أعلى من أي دولة عربية مجاورة، مما سمح لهم بالإنفاق على السفر والسيارات والملابس والرفاهية.

خلال الأزمة الائتمانية لعام 2008، توقف المغتربون اللبنانيون الأثرياء عن الثقة في البنوك الأجنبية ونقلوا أموالهم إلى لبنان، مما ساعد على خلق فائضٍ في ميزان المدفوعات قدره 20 مليار دولار بين عامي 2006 و2010، وقد تبدد هذا الفائض على التطوير العقاري والصرف الحكومي، مما أدى إلى ظهور فقاعة اقتصادية كبيرة، حيث يمكن رؤية بقاياها اليوم في الأبراج اللامعة الشاغرة المنتشرة في أفق بيروت.

و ابتداءً من عام 2011، تحول الفائض إلى عجزٍ سنوي مستمر، فحتى عام 2016 لم يكن هناك أي بنك لبناني يتوقع انهاراً اقتصاديا، حيث بدأ البنك المركزي سلسلةً من معاملات ما يسمى بـ"الهندسة المالية"، والتي كانت تعادل مبادلة الليرة بالدولار الجديد، أي الذي تم اجتذابه من الخارج، بمعدلات فائدةٍ باهظة تصل من 14 إلى 30 ٪.

وقد تم الاعتراف بمعظم الليرة التي طبعها البنك المركزي اللبناني كإيرادات، مما أعطى البنوك أرباحاً قياسية، على الرغم من الركود الاقتصادي الثابت. كما حقق البنكيين المتميزين وحدهم أكثر من مليار دولار في عام 2016 في هذه الأرباح المصطنعة، والتي كانت تصرف كمكافآت مدفوعة لكبار المديرين والبنكيين.

كما تم الحصول على الفائدة المستحقة للمودعين السابقين من المستثمرين جدد فلم يستفد المحللون المحليون ولا الأجانب من هذا الأمر، على الرغم من أن الآلية كانت تشبه بشكلٍ مثير للريبة ما فعله مهاجر إيطالي سيئ السمعة في بوسطن منذ قرنٍ مضى، حيث استفاد جميع اللبنانيين العاملين من هذا البديل المحدد في مخطط بونزي، وذلك من خلال ربط العملة بالدولار، مما يعني أن رواتبهم تساوي أكثر من نظام العملات العائمة الموجود في البلاد .

وبسبب تأثير الازدحام، فإن الخاسرين الرئيسيين هم الشباب، حيث وصل معدل البطالة في لبنان بين فئة الشباب ما يقرب من 40 ٪ . ففي النموذج اللبناني، من المتوقع أن يهاجر الشباب العاطل عن العمل ويجدون وظائفاً في مكان آخر وينقلون التحويلات المالية إلى لبنان كمغتربين، لمواصلة تمويل المخطط. لكن هذا أصبح أكثر صعوبةً مع تضاؤل ​​فرص العمل في الخارج يوماً بعد يوم.

وقد كان معظم المحللين مشتتين للغاية بسبب المقاييس التقليدية، مثل الديون الحكومية التي تبلغ قيمتها نحو 90 مليار دولار، وتجاهل حقيقة أن البنك المركزي اللبناني قد اقترض 110 مليارات دولار من البنوك اللبنانية من أصل 170 مليار دولار من إجمالي الودائع. حيث أن نصف ودائع الدولارات في البنوك اللبنانية هي الآن لدى مصرف لبنان، بينما البقية هي ودائع الليرة فلا توجد طريقة لقيام البنك المركزي اللبناني بإعادة هذه الأموال.

وفي الوقت نفسه، خلقت أسعار الفائدة العالية مجموعةً من أصحاب الملايين والمليونيرات في البلاد، ولكن قيمة حساباتهم ليست سوى إدخالاتٍ على الكمبيوتر، تنتجها معدلات عائد مركبة مع عدم وجود استثماراتٍ إنتاجية حقيقية تحقق عوائداً حقيقية على الجانب الآخر، وهذا هو السبب، فمع زيادة الودائع المصرفية بشكلٍ مصطنع، تقلصت السيولة الحقيقية في لبنان.

وتبلغ قيمة الدولار الحقيقي في احتياطيات البنك المركزي اللبناني، بالإضافة إلى الودائع المصرفية ذات الحسابات الوديعة، حوالي 40 مليار دولار، وبمعنى آخر، هناك دولار واحد فقط من السيولة مقابل كل 3 دولارات من الطلب، ولن يكون هذا مشكلةً في الأعمال المصرفية الجزئية بطبيعة الحال، باستثناء أن جميع هذه الالتزامات تكون بعملة أجنبية لا يمكن للبنك المركزي اللبناني طباعتها أو توليدها محلياً.

والخبر السار هو أن كل هذا الدين تقريباً هو ديون داخلية، وهذا يجعل الحل بسيطاً للغاية، فكل ما يتطلبه الأمر هو إعادة الهيكلة الوطنية التي توزع الخسائر على نحو منصف، وتعيد العوائد الوهمية التي تلقاها البنكيين الذين يشكلون أقل من 1 ٪ من المودعين، أو 24000 حساب، برصيد مالي يقرب من 90 مليار دولار، مع متوسط ​​حساب بقيمة 3.5 مليون دولار لكل شخص، وعلى افتراض أن كل مليونير لديه ثلاثة أو أربعة حسابات، وهي ممارسةٌ شائعة في لبنان، فنحن نتحدث عن أكثر من 6000 إلى 8000 من أصحاب الحسابات الطائلة.

• كيف نصلح هذه المشكلة ؟

يمكن للبنك المركزي أن يبدأ بفرض ضوابط على رأس المال وعلى التحويلات في الخارج، والحد من عمليات السحب النقدي، حيث تقوم بعض البنوك بهذا الأمر بالفعل، لكن سيكون ذلك أكثر فعالية وإنصافاً إذا جعل البنك المركزي اللبناني ذلك إلزامياً للجميع.