الرأي

بعد كليب زهر الدين.. الميادين التي تُفقؤ عينُها

يوسف فارس

26 تشرين الثاني 2019 22:18

يبدو الواقع في قناة الميادين ليس كما هو، "المصاب جلل" قد يقول البعض، "فقأت الميادين كلتا عيناها" يتشمّت البعض أيضاً، والحق أن "الميادين" قد خسرت بخروج الزميل سامي كليب ثم الزميلة لينا زهر الدين، نجم


يبدو الواقع في قناة الميادين ليس كما هو، "المصاب جلل" قد يقول البعض، "فقأت الميادين كلتا عيناها" يتشمّت البعض أيضاً، والحق أن "الميادين" قد خسرت بخروج الزميل سامي كليب ثم الزميلة لينا زهر الدين، نجمين لامعين، ليست "قناة المقاومة" صاحبة الفضل بتصديرهما إلى المكانة التي حظيا بها اليوم بكل تأكيد، وإن كانت قد اهدت "كليب" لقاءاً بالسيد حسن نصر الله يوماً ما، لكنهما أساساً نجومٌ مخضرمين خرجوا للميادين من رحم قناة الجزيرة القطرية، فلو قال قائلٌ أن قناة "الواقع كما هو"  صعدت على أكتافهما لن يجانب الصواب كثيراً.

في عالم الإعلام، يُنفق الكثير من الجهد على صناعة النجوم، وكثير من الوقت يَستهلكهُ النجوم أيضاً في صناعة مؤسساتهم، وبالوصول إلى شخصية الإعلامي المؤثر الذي يرتجى دوره في الأوقات الحساسة، يكن الاستثمار المؤسساتي والسياسي في النجوم قد نضج. لذا، فلن نردد الكلاشيهات المكررة التي تقول: بأن المؤسسة لا تقوم على قدم مذيعٍ واحد، لأن مذيعاً أو نجماً واحداً قد يكون إضافة نادرةً لبعض المؤسسات، يملأ فراغاً ويجذب جمهوراً لا يجذبه عشرة مذيعين!

إذاً، دعونا نتفق في البداية، على أن خسارة الميادين، بمغادرة صاحب "لعبة الأمم" كبيرة، لكنها أيضاً متوقعة، ليس لأن ثمة "صراع رؤوس" تعيشها "فضائية المقاومة" منذ سنوات، وليس لأن "كليب" الطموح، لا يكفيه أن يكون معداً ومقدماً لبرنامج واحدٍ في قناة كان أحد مؤسسيها يوماً ما، وشغل في بداية صعودها مناصب حساسة تتعلق بإدارة الأخبار والملف السوري الذي كان ضليعاً في معرفة خفاياه وحصرياته بحكم نفوذ عائلي قدمته له زوجته السابقة لونا الشبل، إنما لأن الأحداث الكبيرة، كالحدث الذي تعيشه دول المنطقة اليوم ولاسيما لبنان، تكون كفيلة دائماً بإحداث هزةٍ تساهم في حسم خيارات الأشخاص والجماعات.

فلنعد بالذاكرة قليلاً، ألم يكن موقف سامي كليب من الدور القطري في الحدث السوري هو دافعه للاستقالة من القناة القطرية؟ وهو الذي قال في احدى لقاءاته مع قناة الإخبارية السورية، أنه كان يعيش وضعاً مادياً ممتازاً، فهو مقدم ومعد ومنتج برنامج "الملف"، ولنضع تحت (منتج) في "قناة خليجية" عشرة خطوط، لقد استقال "كليب" من الجزيرة مدفوعاً بذات الأسباب التي استقال لأجلها من الميادين: المبادئ والضمير والقيم، وخرجت "الميادين" من رحم الحاجة الملحة لكسر أحادية الكلمة التي تحتكرها "الجزيرة" في الشارع العربي، أي أنه كان في وقت ما، يرى في (الثورة السورية) التي جيش لمطالبها المحقة (أحرار) العالم كله، كان يرى فيها مؤامرة تستهدف كينونة الدولة، وخطها السياسي، واختار لأجل كل الخفايا التي لم يكن يبصرها قومه يومها، أن يسمى برنامجه بـ (لعبة الأمم)، لقد ارتضى "كليب" لنفسه أن يكون مبّصراً للشارع العربي الذي انجرف في موجة الشعارات البراقة والثورات الأخّاذة، بالأخطار المحدقة بهوية البلاد العربية ومستقبلها، وقدّم على مدار أعوام مضت، وجبات دسمة من المقاربات والتحليلات التي جردت كثيراً من ألاعيب الدول الكبرى من طلائها الإنساني والديمقراطي البراق.

جمهور "كليب" المحب، وأنا واحدٌ منهم، تشتعل في رأسه جملة من الأسئلة، جميعها برسم استقالته من الميادين:
- أول هذه الأسئلة، ليس عن وجهته القادمة، إنما عن قدرته العجيبة في رؤية المؤامرة التي تتخفى وراء المطالب المحقة للشارع السوري، وعجزه عن رؤية "مؤامرة ما" ربما تتخفى وراء المطالب التي تبدو محقة للشارع اللبناني؟

هذه الازدواجية في المعايير، ليس وحدنا من رفضها، إنما ذكّرته بها "صفحة الثورة السورية" يوم استقالته، بأنه ليس سوى "شبيح" يبحث عن تموضع إعلامي أدسم، وعايرته بإنسانيته العنصرية أيضاً حينما يرى أن اللبنانيين جديرون بثورةٍ لا يستحقها السورين! ألا يبدو الحديث منطقياً بطريقة ما؟ ربما ذلك

- ثاني هذه الأسئلة، أيضاً ليس عن تموضعه الإعلامي القادم ، إنما عن تموضعه الحالي في الشارع اللبناني، إذا كان "جمهور المقاومة" وسيدها، قد خرج فعلياً من حراك الشارع، وصار في الجهة المقابلة له، وقد ظهر أن هذه (الانتفاضة المحقة) بمطالبها ضد الفساد، لم تعد سوى حِراك اختطف، وصار يستخدم من قبل تيارات لبنانية هو يعرفها جيداً، لفرض وقائع سياسية جديدة، أقل ما رشح عنها هو الاشتراطات الأمريكية على "حزب الله" لحل الأزمة اللبنانية!، فليس من المنطقي، أن يبنى الإعلامي برجه العاجي الحالم، ويحدثنا بلغة مؤسسات المجتمع المدني التي تتبنى الحقوق وتسطّح مكائد الساسة متى شاء، وينسى أنه كان يحدثنا طوال سنوات بلسان الإعلامي والسياسي الحاذق الذي يحذر من "لعبة للأمم" و(يسخف ويسطح) من يتبنى طرحه السابق في أن مطالب الشارع المحقة، تستخدم اليوم في تمرير وقائع سياسية ليست محقة بالمرة.

- ثالث هذه الأسئلة التي لا مفر منها، هي عن الوجهة الإعلامية المقبلة لسامي كليب، لأن الإعلام دائماً، هو أداة للتعبة والضغط والتأثير، في يد اتجاه سياسي، فلا اعلام محايد في العالم، ولا مؤسسة بدون توجه تنظّر وتجيّش له، على اختلاف حدة التنظير والتموضع، سيبدو الأمر محرجاً ،لأن إعادة بناء (أصنامٍ) بعد هدمها أمر مشين، فقد هدم زميلنا (أصنام النظام العربي الرسمي) الممثل بالتيار الإخواني القطري التركي في الحرب السورية، والتيار العربي المصري الإماراتي السعودي في الحرب اليمنية، واليوم يختلف مع ما تبقى من العرب، وينسحب استجابة لوخزات ضميره، فيقف على النقيض مع تيار المقاومة والممانعة، وعلى النقيض مع الجميع سلفاً، أي ان البرامج السياسية للعرب جميعهم لم تعد خليقة بأفكاره! لا يبدو الأمر محرجاً لـ "كليب" فحسب، بقدر ما هو مثيراً للشفقة، لأن أي تموضعٍ إعلامي قادم، يحتاج إلى ممول، وأي ممول يحتاج إلى برنامج سياسي، ولم يبق لدى العرب برنامج سياسي رابع غير ما سلف ذكره !

 

ملاحظة: الٓاراء السياسية الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف "النهضة نيوز"