تقارير وحوارات

من الرقص إلى السجن.. مؤسسات "تيسير الزواج" في غزة تحول الشباب لـ مطلوبين للعدالة

عمر موسى

5 كانون الأول 2019 17:24

تجهز الشاب أحمد يحيى  (اسم مستعار) هو وزوجته للخروج في زيارةٍ عائلية، بعد شهرٍ  ونصف من زواجهما، وقبل أن يفتح هو الباب، قرع الجرس، فتح أحمد الباب وفور أن تسلم الرسالة من الراجل الواقف  في الخارج، عبس

تجهز الشاب أحمد يحيى  (اسم مستعار) هو وزوجته للخروج في زيارةٍ عائلية، بعد شهرٍ  ونصف من زواجهما، وقبل أن يفتح هو الباب، قرع الجرس، فتح أحمد الباب وفور أن تسلم الرسالة من الراجل الواقف  في الخارج، عبس وجهه وفلتت من لسانه مسبة: " يا ولاد الكـلـ..".

كانت الرسالة التي انفعل لأجلها أحمد (24 عام) بلاغ استدعاء من الشرطة، يطلب منه الحضور لمركز الشرطة القريب من بيته، بعد أن رفعت مؤسسة تيسير الزواج التي تعاقد معها لتوفير إلتزامات عرسه، على أن يجري التسديد بالتقسيط الـ(ألفين ونصف دينار) – تكلفة مستلزمات الحفل- بعد 3 أشهر من إقامة حفل الزفاف.

يروي الشاب لموقع "النهضة نيوز" متفاجئاً: "بعد شهر ونصف طلبوا مني تسديد المبلغ، وأنا ما معي فلس واحد".

حين وصل الشاب لمركز الشرطة، كان أمر الحبس مقضياً بحقه – كان ذلك  قبل 4 شهور من الآن- وحجز  على الفور، حتى تسديد المبلغ كاملاً للمؤسسة.

يحكي أحمد أنه حاول مفاوضة المؤسسة عبر والده، في إسقاط الدعوة المقدمة ضده، لكن ذلك لم يجدِ أي نفعٍ مع المؤسسة.

وقبل أن يتم يومه الـثالث في الحبس، كان الشاب" قد باع طقم عرسه، واستدان والده من أصحابه مضطراً، حتى لا يبيت ابنه في الحبس، حسبما يقول لـ "النهضة نيوز".

سدد والده المبلغ الذي جمعه بـ "طلوع الروح" للمؤسسة وأفرج عن ابنه من السجن، لكنه على كلٌ بات ليلته الـثالثة على الأرض تماما كما في السجن، بعد أن اضطر لبيع طقم عرسه.

مسلسل استغلال  "مؤسسات  تيسير الزواج" التي لا تقدم إلا المصائب للشباب الذين يقعون في مصيدتها، مستمر، إذ أعلنت الشرطة الفلسطيتية صباح اليوم، أنه  خلال شهر نوفمبر المنصرم، صدر  3800 أمر حبس ضد مواطنين بعد أن رفعت مؤسسات تيسير الزواج، قضايا ضدهم".

هذه المؤسسات، تقدم عروضاً مغرية – استناداً إلى الواقع المعيشي في غزة-  للمقبلين على الزواج، وتحت وقع العوز، يقبل الشباب هذه الخدمات التي توفرها، وهي في الغالب، تتدبر الأمور الرئيسية مثل: " غرفة النوم وتكاليف السهرة الشبابية وحجز الصالة، وبدلات العروسين، وبعض النفقات المتعلقة بالغذاء". تتراوح قيمة هذه التجهيزات بين 1500 إلى 2500 دينار أردني (3 – 4 ألاف دولار).

 

يحيى ليس وحده أيضاً، ولا يختلف عن الشاب نور المدهون( 26 عام) إلا بكونه نجح في تسوية أموره مع المؤسسة بعد أن نام على الحصير. فالشاب نور بات الآن في عداد المطاردين من جهاز الشرطة، ويصله بلاغٌ تلو الاخر، بعد أن رفعت "مؤسسة تيسير الزواج" التي أمضى عقداً معها على توفير إلتزامات الفرح، قضية ضده، تطالبه بسداد الـ( 2000 دينار) وهو "لو نفضتني في الحيط ما برن"  حد تعبيره عن عوزه المالي، وعدم مقدرته على السداد.

يقول الشاب لموقع "النهضة نيوز": " صحيح اتفقت معهم على التسديد خلال شهرين، لكن يا أخي اعتقد أن الأمر سيتسهل معي، بس الدنيا مسكرة لا شغل ولا أي حاجة".

يتغيب الشاب عن عيون دوريات الشرطة التي تزوره بيته بين يومٍ وآخر، وكذلك عن عين زوجته وعائلته بعد نمط: "اللص الهارب من العدالة" الذي يعيشه حد وصفه، إلى أن يلقى من يداينه المبلغ ويسدده للمؤسة وينهي القضية.

المؤسسات لا تفي  عادة بوعودها لزبائنها، وإنها تحاول دائماً استباق مدة السداد التي ينص عليها العقد، وأحياناً يبنى هذا الاستباق على كلمات تصل صاحب المؤسسة: " أن هذا الشاب لا يملك مبلغ السداد ومن غير المأمول أن يتحصل عليه" كما نقل لنا مصدرٌ عامل في احدى المؤسسات.

وأحيانٌ أخرى، يتواصل الشاب مع المؤسسة بعد انتهاء مهلة السداد، ويطالبهم بالتأجيل حتى تحصله على المبلغ، لكن المؤسسة ترد برفع قضية فوراً في مركز الشرطة.

"النهضة نيوز" تواصل مع  المقدم أيمن البطنيجي، الذي قال: " إن هذه المؤسسات غايتها تحقيق الأرباح لا المساهمة أو القيام بمصلحة عامة" مشيراً إلى أن معاملاتها: " تجارية بحتة، لذلك يجري التعامل قانونيا مع القضايا التي ترفعها".

لكنه لفت في مرة ماضية إلى أن هذه الجمعيات أفرزت مشاكل  اجتماعية وأحيانً بين الأزواج نفسهم والكفلاء تفضي في الغالب إلى الحبس.

كذلك يواجه عمل هذه المؤسسات كونها لا تقوم على النزاهة والشفافية في تعاملها مع عملائها؛ ولا تلتزم بأي معايير محددة، الأمر الذي زاد من تفاقم الأزمة هذا من جانب.