تقارير وحوارات

أبو دياك .. غريباً أُستشهد وغريباً يدفن

عمر موسى

6 كانون الأول 2019 21:29

جامدة وصماء ككل الجثث، لكنها أكثر برودة ووحدةً، وملفوفة بكيسٍ أسود، بهذه الهيئة توجت مسيرة خذلان الأسير سامي أبو دياك. أي  موتٍ هذا الذي يصبح شكله حُلما، وأي ممر أمني لم يسلم منه حتى جثمانه، للحظة

جامدة وصماء ككل الجثث، لكنها أكثر برودة ووحدةً، وملفوفة بكيسٍ أسود، بهذه الهيئة توجت مسيرة خذلان الأسير سامي أبو دياك.

أي  موتٍ هذا الذي يصبح شكله حُلما، وأي ممر أمني لم يسلم منه حتى جثمانه، للحظة تفكر، وأنت تشاهد فيديو "تحرير" الجثمان إلى الأردن: وهل كانت لمسيرة الأسير سامي المخذول، نهاية مختلفة عن هذه؟ هل أملِ حقاً  الأسير سامي أبو دياك، وهو  يجدف في  بحرٍ من الاسمنت، ويكافح مستنجداً بأصنامٍ وطنية وعربية ليوفروا له الموت في حضن والدته، أن مطلبه سيتحقق؟ هكذا بكل بساطة سيتخلى جندي الاحتلال عن متعته في مراقبة عذاباتك، ويترك رئيس السلطة الفلسطينية، اتمام اجراءات إعلان الدولة، وينظر في مناشدتك المكتوبة بخطِ رفيع، رفع أصابعك التي حرقها السرطان.

بقهر يا سامي نكتب عن موتك المكرر، ونتخيل: كيف سقط جسدك جريحاً بعد الاشتباك مع قوات الاحتلال في 17/7/2002، في قرية سيلة الظهر في جنين، كيف نظرت لاستشهاد  صاحِبيك، ودمهم القريب من كفك الصاب. كيف كانت أيام التحقيق الـ 75  في أقبية سجن "الجلمة"، 75 يوماً والموت يجرف في جلدك، وكيف استقبلت حكم السجن عليك: "ثلاثة مؤبدات وثلاثين عاماً".

18 عاماً بين جدران أسرٍ تقتل فيه على مهل،  حتى تكاملت جزيئات الموت في جسدك، وأهدتك السرطان، بعد عملياتِ إهمال متعمد ونقلٍ من مكانٍ إلى مكانٍ كذبيحة في صندوق من الشبك، كل ذلك لم يستدعِ تحرك أحد.

الآن يا سامي، بعد قرابة نصف الشهر على استشهادك، والبرد غطى جسدك كما الرمل،  أفضت مفاوضاتٍ بين الاحتلال والأردن إلى تهريب جثتك بـ "كيس أسود" إلى الأردن الذي صودف الإعلان أنك تحمل جنسيته، وفي الأردن، مرروا جثتك بجهازٍ كشفٍ أمني، يعمل تماماً بالآلية نفسها التي اعتدت عليها في السجون، خافوا من قيامتك يا سامي، ووقفة النار التي جربوها قبل عقدٍ من الزمن.

الكاميرات التي زفت خبر استشهادك، غابت عن نقل صورة جثمانك وهو يتسلل من مربع حديدي يا سامي، وتماما كما كاميرات  الاحتلال كانت تترصد تحركاتك، كانت عيون الأمن في الأردن تتلص على الآتين لتشييعك. المشهد لم يتعبهم، فساحة الاستقبال كانت خالية إلا من أقربائك، وأمك التي يرتعش جسدها.

أمر مجدداً على مناشدتك: "إلى كل صاحب ضمير حي: أنا أعيش في ساعاتي وأيام الأخيرة اريد أن أكون في أيامي وساعاتي الأخيرة إلى جانب والدتي وبجانب أحبائي من أهلي، وأريد أن أفارق الحياة وأنا في أحضانها، ولا أريد أن أفارق الحياة وأنا مكبل اليدين والقدمين، وأمام سجان يعشق الموت ويتغذى ويتلذذ على آلامنا ومعاناتنا".

والدتك التي بكتك طوال الـ 18 عاماً، وأنت مكبل اليدين والقدمين وما ربتت يدها على رأسك طوال سنوات مرضك، هي نفسها التي سقطت ملامحك الشاحبة في حضرتها كطفلٍ صغير، تبكيك الآن مرة أخرى، وليس لنا، أمام كل هذا الخذلان المركب، سوى القول، إننا مذنبون يا سامي، بقدرِ كل التواءة ألمٍ عانيتها.