علوم

محو الذكريات السيئة كآلام الفراق.. اكتشاف علمي يواجه مأزق أخلاقي

3 كانون الأول 2019 19:45

أصبح من الممكن الآن تغيير ذكريات الفراق والحزن الشديدة لتخفيف الألم العاطفي المرتبط بها، وفقاً للبحث الذي أجراه فريقٌ من جامعة ماكجيل وهي جامعة حكومية بحثية دولية موجودة في مدينة مونتريال الكندية.

أصبح من الممكن الآن تغيير ذكريات الفراق والحزن الشديدة لتخفيف الألم العاطفي المرتبط بها، وفقاً للبحث الذي أجراه فريقٌ من جامعة ماكجيل وهي جامعة حكومية بحثية دولية موجودة في مدينة مونتريال الكندية.

وقال "ألان برونيت"، أستاذ الطب النفسي في مركز أبحاث "دوغلاس" في ماكجيل: " يبدو الأمر إلى حدٍ ما، و كأنه خيالٌ علمي ، لكنه لم يعد كذلك في الوقت الراهن".

فقد عملت الدراسة الأخيرة التي أجراها "برونيت" على التحقق من إمكانية ذلك، مع 60 مشاركاً عانوا من الحزن الشديد الحاد بدرجةٍ كافية للدخول في حالةٍ نفسية تصل إلى الاكتئاب. و قد تم تقديم النتائج في مؤتمر للجمعية الدولية لدراسات الإجهاد الناتج عن الصدمة في نوفمبر .

و قال برونيت: " لقد اهتممت بمشاعر انكسار القلب لأنه السبب الأول لاستشارة الناس لأخصائي نفسي، وقد كانت هذه المشاعر المنكسرة و الحزينة من أشهر الآلام الواردة في الكتابات اليونانية " .

كما وطلب فريق برونيت من المشاركين الكتابة عن تجاربهم الحزينة والعلاقات الرومانسية الحزينة “. ثم أعطوهم عقار "البروبانولول" المانع لأنزيمات البيتا، والذي يشيع استخدامه لعلاج ارتفاع ضغط الدم. وذلك من أجل قياس مدى تأثر الذكريات المؤلمة تحت تأثير "البروبرانولول"، حيث وجد الفريق أن العقار قد قلل من قوة المشاعر الحزينة المرتبطة بالذاكرة، وقد أوضح برونيت أن التأثير يتعلق بكيفية تخزين الذكريات واستعادتها في الدماغ، وهي عمليةٌ تعرف باسم "إعادة توحيد" الذاكرة.

وأضاف: " عندما يتم استعادة الذكريات، يتم حفظها مرةً أخرى لتخزين الذاكرة على المدى الطويل، فمن خلال عملية التذكر هذه، يتواصل الناس أيضاً مع المشاعر الأصلية التي شعروا بها، وهذه العاطفة هي أيضاً ذاكرة يتم استعادتها ".

وقال برونيت: "أن ما يفهمه الباحثون في هذا المجال الآن هو أنه من الممكن التدخل حيث يتم حفظ الذاكرة مرةً أخرى في التخزين طويل المدى في الدماغ". وهذا هو المكان الذي يأتي فيه دور عقار البروبرانولول في التأثير على الذاكرة. وأضاف: " يحتوي عقار البروبرانولول على خاصية التدخل في إعادة تسجيل أجزاءٍ من الذاكرة وخاصةً تلك الأجزاء المتعلقة بالعنصر العاطفي ".

وأثناء دراسة مشاعر الخيانة العاطفية، طلب الباحثون من المشاركين ملء استبيان كل أسبوع لقياس شدة الأعراض الاكتئابية المتعلقة بتلك المشاعر السلبية. واتضح أنها تتراوح ما بين أربعةٍ إلى ستة أسابيع، تمكن المشاركون من قراءة قصتهم الخاصة بالخيانة مع استجابةٍ عاطفية أقل بكثير. وقال: "إنهم يشعرون أنها يمكن أن تكون الأوراق التي كتبوها مأخوذة من رواية خيالية وليست قصصهم الحقيقية ".

• اضطراب ما بعد الصدمة

لقد شهد فريق برونيت نتائج مماثلةٍ في الدراسات التي أجريت حول استخدام عقار "البروبرانولول" على أشخاصٍ يعانون من أنواعٍ مختلفة من الذكريات العاطفية المؤلمة والإجهاد المؤلم، بما في ذلك دراسة مع الناجين من هجمات باريس الإرهابية 2015. وقال برونيت:" هذا النوع من العقار، المعروف باسم علاج إعادة التوحيد، ويمكن أن يحل محل علاجات أخرى لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة الذي قد يستغرق شهوراً أو سنوات للحصول على نتائج جيدة. وهذا الاكتشاف هو حقاً خطوةٌ كبيرة للأمام فيما يتعلق في منظور الصحة العقلية ".

• الاتجاه التصاعدي للذكريات المؤلمة

ثمة بعض المآزق الأخلاقية حينما يتعلق الأمر بتغيير مشاعرنا حول ذكرياتنا، وفقاً لجودي إيليس، مديرة أخلاقيات الأعصاب في كندا، وهي مجموعةٌ بحثية مقرها جامعة كولومبيا البريطانية.

وقد قالت إيليس إنها: "تدعم" نوع العمل الذي يقوم به برونيت في إطارٍ تجارب سريرية، بهدف تخفيف المعاناة المصحابة لاضطرابات الصحة العقلية التي لها تأثيرٌ خطير على حياة الناس.

لكنها قالت بأنه هناك منحدرٌ خطير يجب أن نكون على درايةٍ به ان قررنا استخدام مثل هذا العلاج، خاصةً إذا تم استخدامه في سياقات أخرى، خارج إطار سريري. وقالت: " إذا قللنا ذاكرتنا من تجاربنا السيئة، فقد نضعف في الواقع من إمكاناتنا في التعلم منها بهدف تحسين سلوكنا والمضي قدماً ".

وقد استعان الباحثين بأشخاص قاتلوا في الحروب، أي أنهم يكونون مشبعين بالمشاعر السلبية والذكريات المؤلمة للقتال. حيث تقول: " قد نكون قادرين على تدريب مقاتلي الحرب ليكونوا أقل حذراً بشأن تصرفاتهم، إما على الأرض أو حتى المجازفة أثناء تحليقهم بالطائرات أو المناورات الأخرى، لأن الحد من تلك الذكريات والتجارب يمكن الحصول عليها في الوقت الراهن ".

و قالت إيليس ، من وجهة نظرٍ أخلاقية ، يمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة ، مضيفةً : " تلك الذكريات المؤلمة هي التي تسمح لنا بالتحقق مما نقوم به من وجهة نظر أخلاقية و ضمان أن تكون تلك القرارات النهائية ، إلى أقصى حدٍ ممكن ، هي القرارات الصحيحة ".

• محو الذكريات يثير أسئلة أخلاقية

يقول برونيت أن بعض الدراسات قد بحثت في خطوة مستقبلية واحدة، وهي محو الذكريات تماماً. تم تناول هذه الفرضيات العلمية في أفلام مثل Eternal Sunshine of the Spotless Mind ، أثيرت منذ فترة طويلة  إمكانيات وعواقب مثل هذه الممارسة الطبية المستقبلية. وقد اكتشف الباحثون في معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا وجامعة "تورنتو" أنه من الممكن التخلص من الذكريات المرتبطة بالخوف لدى الفئران خلال تجاربهم، مما يشير إلى إمكانية التوصل إلى مثل هذه الإمكانيات في المستقبل.