تقارير وحوارات

بانورما لبنان 2019.. من عدوى "الهيلا هو" إلى وكسة الدولار ولعنة الغاز الذي لم يُستخرج

فريق التحرير

31 كانون الأول 2019 17:18

لم يعرف لبنان فترة استقرار حقيقي منذ قيامته ككيان مستقل قبل 99 عاما، وفيما كان يطلق رئيس البلاد "احتفالات مئوية إعلان لبنان الكبير" في أيلول/سبتمبر من العام الحالي، كان وطن الأرز يعيش مرحلة حاسمة جديد

لم يعرف لبنان فترة استقرار حقيقي منذ قيامته ككيان مستقل قبل 99 عاما، وفيما كان يطلق رئيس البلاد "احتفالات مئوية إعلان لبنان الكبير" في أيلول/سبتمبر من العام الحالي، كان وطن الأرز يعيش مرحلة حاسمة جديدة من تاريخه، في ظل حراك احتجاجي لم يكن بعيدا عن معركة دولية لكسر إرادة المقاومة، ترافقا مع ضغوط اقتصادية قاسية بدأت تبرز آثارها على الصعيدين المالي والاجتماعي.

وذخر العام 2019 بالأحداث السياسية والأمنية التي سترافق آثارها اللبنانيين إلى العام الجديد، حيث يتواصل حراك احتجاجي بدأ بموجة غضب شعبي اندلعت يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر وانحسرت تدريجيا، يطلق عليه أنصاره اسم "ثورة"، كانت الحكومة اللبنانية أولى ضحاياه وهي لم تتم سنتها الأولى، فيما سقطت معها تفاهمات سياسية رسمت إطار المشهد السياسي في البلد خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، لاسيما بين رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر من جهة وعلى رأسه وزير الخارجية جبران باسيل، وبين رئيس الحكومة المستقيل أخيرا سعد الدين الحريري.

ومع تطور الأحداث، بدأ اللبنانيون يتعايشون مع مصطلحات مثل الإنهيار المالي والإقتصادي، وسعر الصرف في السوق السوداء للدولار، فيما ارتفعت الأسعار ما بين 30% إلى 100% في بعض الأحيان، ووضعت قيود صارمة على وصول الناس إلى أموالهم المحتجزة في المصارف.

ووسط قتامة المشهد، يحمل لبنان إلى العام الجديد معادلة ردع جديدة بوجه العدو "إسرائيل"، أرستها المقاومة الإسلامية عقب عدوان إسرائيلي فاشل استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت تزامن مع استهداف مقاومين لبنانيين من حزب الله في دمشق، في أواخر شهر آب/أغسطس.

الطائرات الإسرائيلية في سماء لبنان تدخل دائرة التهديد

استيقظ أهالي الضاحية الجنوبية لبيروت فجر الأحد 25 آب/أغسطس على صوت انفجار طائرة إسرائيلية في منطقة معوض كانت تتحضر لشن عدوان ضد أحد الأهداف في المنطقة، وتزامن الحدث غير المسبوق منذ حرب 2006 مع غارات إسرائيلية على مراكز لحزب الله قرب دمشق.

الإحتلال ادعى أن الغارات كانت تستهدف مركزا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لكن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كذب الادعاءات الإسرائيلية متوعدا بالرد الحتمي، فضلا عن إعلانه دخول الطائرات الإسرائيلية دائرة الاستهداف ضمن معادلات المقاومة. وفيما أخلى الجيش الإسرائيلي كامل مراكزه عند الحدود مع لبنان، نجحت المقاومة الإسلامية بضرب إحدى آلياته بعد فترة انتظار شاقة ظل فيها الإسرائيليون "على إجر ونص".

يذكر ان جيش الاحتلال الإسرائيلي نفذ خلال العام 2019 أكثر من ألفي خرق للسيادة اللبنانية، فقد بلغت الخروقات الجوية حتى يوم السبت 28 كانون الأول/ديسمبر 1030 خرقا، فيما خرقت بحرية الاحتلال الإسرائيلي المياه الإقليمية اللبنانية 263 مرة، وسجلت 9 خروق برية.

حراك احتجاجي وأزمات سياسية واقتصادية ومالية تعيد رسم المشهد

شهدت المناطق اللبنانية مساء الخميس 17 تشرين الأول/أكتوبر احتجاجات شعبية اندلعت بشكل مباشر إثر الإعلان عن خطط حكومية لفرض المزيد من الضرائب على البنزين والتبغ، إضافة إلى استحداث ضريبة على استخدام تطبيقات المكالمات الهاتفية عبر الإنترنت مثل واتساب، والتي قٌرّر التصديق عليها في 22 من الشهر نفسه، ثم توسعت الاحتجاجات حيث بدأ المتظاهرون بالمطالبة بإسقاط الرئاسات الثلاثة في لبنان، تغيير النظام السياسي، وإقامة دولة مدنية بالكامل، لتنتهي إلى التركيز على إخراج الأحزاب السياسية المنتخبة من السلطة وتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين.

وتأتي الاحتجاجات مع تصاعد الأزمات الحياتية خلال الأسابيع الماضية، من أزمة الدولار، إلى إقفال محطات الوقود، وتهديد وصول اللبنانيين إلى الخبز، مرورا بتأثر اللبنانيين بمشهد حرائق الغابات في الشوف وتهجير العائلات هناك، وسط عجز الدولة عن التصدي لها بسبب عدم وجود صيانة لطائرات الهليكوبتر لمكافحة الحرائق، وصولا إلى ضريبة مفروضة على البنزين والقمح والمكالمات الهاتفية عبر الإنترنت.

وشهدت البلاد في اليومين التاليين احتجاجات كبيرة نسبيا، وفيما قرر وزراء القوات اللبنانية الاستقالة، لوح زعيم الحزب التقدمي وليد جنبلاط بها، بدوره طلب رئيس الحكومة سعد الدين الحريري مهلة 72 ساعة خرج بعدها بورقة "إصلاحية" من 25 بندا، اعتبرت متقدمة جدا وغير مسبوقة من ناحية جرأة الخطوات وطموحها، واهدة بإقرار موازنة 2020 بعجز يقارب 0% خلال أيام.

موقف حزب الله عبر عنه الأمين العام السيد حسن نصرالله في خمس خطب توجه بها للبنانيين، إطارها العام التأكيد على أحقية المطالب المعيشية للناس وضرورة الوصول إلى تحقيقها عبر خطوات منظمة مع تجنب الفوضى، ولاحقا التفريق بين محتجين عفويين وحراك سياسي مشبوه بأجندة سياسية تضعها سفارات وتنفذ على يد أحزاب ومجموعات ضالعة بالفساد ومسؤولة عن الوصول إلى الوضع الحالي.

ومع مرور أسبوع على الاحتجاجات، كان البلد يغلي على صفيح بركان، دخلت إلى الشارع مجموعات تتمسك بقطع الطرقات مع كل ما يسببه هذا من تعطيل للمصالح واستفزاز لأهالي المناطق الذي ينكل بهم على الأوتوسترادات، وتصاعدت موجة الشتم اكثر فأكثر ما ولد حساسية لدى مناصري الشخصيات التي تتعرض لحملات السباب، فضلا عن وجود معلومات عن دخول سفارات اجنبية على خط توجيه الاحداث، ومجموعات منظمة مدفوعة من جهات مخابرتية وحزبية لتوتير الأجواء.

الحكومة اللبنانية التي صدرت مراسيم تشكيلها في بداية السنة، سقطت بعد 13 يوما من الاحتجاجات إثر استقالة رئيسها سعد الحريري، مع كلام عن وجود ضغوط أمريكية دفعت بهذا الاتجاه، ليتغيب السلطة التنفيذية المسؤولة عن تنفيذ مطالب المحتجين. ومه استقالة الحريري، بدأ مخاض التأليف الشاق، الذي سار بين شروط الحريري برفض مشاركة الأحزاب الأخرى في الحكومة، من جهة، وبين شارع يتحرك بموجات توتير وقطع طرقات عند كل منعطف.

وبعد موقف قواتي رافض لترشيح الحريري، مع ما يعكس من خلفيات دولية، أعلن الحريري عزوفه عن الترشح، بعد خسارته كامل الغطاء المسيحي، فضلا عن عدم قبول شروطه من قبل حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، لتحصل استشارات نيابية أجلت مرتين، كلف على إثرها نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت حسان دياب بـ 69 صوتا مقابل 14 صوتا لنواف سلام وصوت واحد لحليمة قعقور، مقابل امتناع 42 نائبا عن التسمية بينهم نواب الحريري، وبهذا بدات مسيرة التأليف الذيث رحل إلى العام الجديد دون وضوح، ولاحقا أعلن دياب عزمه تشكيل حكومة مستقلين واختصاصيين مصغرة من نحو 20 وزيرا.

اشتداد الضغوط الأمريكية

شددت الإدارة الأمريكية ضغوطها على لبنان خلال العام الحالي، حيث صعدت واشنطن من عقوباتها ما جعل الاقتصاد اللبناني امام تحدي الاستمرار او الانهيار، وإلى جانب العقوبات التي استهدفت رجال أعمال ونواب وشخصيات عدة، قضت الغدارة الامريكية على بنك الاعتماد اللبناني، إثر إدراجها إياه في 29 آب/ أغسطس 2019 على قائمة المصنفين ارهابيين عالميين بشكل خاص المعروفة بـ " SDGT"، واتهمته "بتسهيل عمليات مالية لحزب الله والحصول على مواد وتقنيات لدعم الحزب"، بحسب بيان الخزانة الأميركية.

وإلى جانب العقوبات، جال المسؤولين الأمريكيين في بيروت مرات عدة، من بينها زيارة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 22 آذار/مارس 2019، وجولة من زيارات عدة لمساعده لشؤون الشرق الادنى السفير ديفيد ساترفيلد، فيما ختم العام مساعد وزير ​الخارجية الاميركية، ديفيد هيل الذي زار بيروت في 20 كانون الأول/ديسمبر على ضوء الحراك الاحتجاجي.

وتأتي الزيارات الأمريكية بالتوازي مع نشاط متواصل لسفارة واشنطن في بيروت، والتي تلتقي مسؤولين لبنانيين بشكل مستمر، كما تصدر منها تصريحات تتناول تفاصيل الحياة السياسية الداخلية.

وكما تدخلت السفارة الأمريكية في قضية حادثة قبر شمون عبر بيان رسمي يدعم موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي المتهم بالتستر على مطلقي نار على موكب احد الوزراء، تنشط سفارة عوكر على ملف عودة أحد كبار عملاء "إسرائيل"، عامر الفاخوري، القائد العسكري السابق لمعتقل الخيام، عبر مطار بيروت، وهي العودة التي أثارت غضبا واسعا في الشارع اللبناني، ما استدعى الأمن العام اللبناني الى توقيفه والتحقيق معه باتهامات ممارسة التعذيب داخل معتقل في بلدة الخيام أثناء احتلال العدو الإسرائيلي جنوب البلاد.

النفط والغاز

في 13 كانون الاول/ديسمبر، أعلنت وزيرة الطاقة، ندى بستاني، عن بدء أعمال حفر أول بئر نفطية قبالة سواحل لبنان في شهر كانون الثاني/يناير المقبل عام 2020، لكن مسار النفط الذي بدا منذ عقد تقريبا، لايزال محفوفا بأطماع إسرائيلية وخطوط أمريكية ودولية تجعله ملفا ساخنا إقليميا ودوليا.

ومن المفترض أن يبدأ الحفر في البلوك الرقم 4، على أن يليه البلوك الرقم 9 بعد أشهر عدة. ولن تشمل أعمال التنقيب الجزء الذي تزعم "إسرائيل" امتلاكها له، فيما لا توفر فرصة للإسراع في عمليات الإنتاج في حقل كاريش الملاصق للحدود مع لبنان، ما يعني المس بالنفط اللبناني.

وكشفت وثيقة مسربة أن ساترفيلد قال في بداية العام الحالي أمام وفد لبناني ضم النائبين إبراهيم كنعان وياسين جابر، ومستشار رئيس مجلس النواب علي حمدان أن ترسيم الحدود الجنوبية مشروط بالقبول بالولايات المتحدة وسيطاً وحيداً وبخط هوف (ما يعني التنازل عن نحو 360 كلم مربع من المياه اللبنانية)، وبفك الربط بين الحدود البحرية والحدود البرية. ناطقا باسم "إسرائيل"، ليفرض شروطها، لكنه قدّم نفسه وسيطا، إلى جانب الإصرار على إدخال لبنان في شراكة مع العدو في ملف النفط، وقد ظهر الموقف نفسه في لقاءات مارشال بلنغسلي مع مسؤولين لبنانيين.

+حدث أمني في الجبل يعطل الحكومة+

على صعيد منفصل، نجا وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب يوم 30 يونيو/حزيران من حادث إطلاق نار على موكبه، قُتل على إثره اثنان من مرافقيه، في جبل لبنان. ووجهت يومها التهم إلى الحزب الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط كون المنطقة التي وقعت فيها الحادثة تخضع لنفوذه.

وأدت تلك الحادثة إلى توقف اجتماعات الحكومة لأكثر من ستة أسابيع، في ظل إصرار رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان، الذي يتبع له الغريب، على إحالة الملف إلى المجلس العدلي، أعلى سلطة قضائية في لبنان. لكن الحزب الاشتراكي رفض الأمر. وانتهت القضية بلقاء بين جنبلاط وارسلان، وإحالة الملف إلى المحكمة العسكرية.

القضية عالية الحساسية شهدت تدخلا جديدا للسفارة الأمرييكية في بيروت عبر بيان جاء دعما لموقف جنبلاط، وهو ما لاقى تنديدا واسعا من قبل الأطراف السياسية والوطنية في البلاد.


العلاقات مع سوريا وعودة النازحين

شهد عام 2019 عودة آلاف النازحين السوريين من لبنان عبر ست قافلات للعودة الطوعية على مدار العام سيرتها المديرية العامة للامن العام، فيما ظلت الأرقام المنشورة لأعداد السوريين في لبنان قرب الرقم مليون و500 ألف نازح.

كما وشهد 2019 زيارة رسمية إلى سوريا هي الأرفع منذ بدء الأزمة، حيث شارك وزراء الماليّة ​علي حسن خليل​، الزراعة ​حسن اللقيس​، التجارة الخارجية ​حسن مراد​، والدولة لشؤون مجلس النواب ​محمود قماطي​، في معرض دمشق الدولي خلال شهر آب/أغسطس، وهي زيارة خلفت جدلا على الساحة اللبنانية، لاسيما من قبل الفريق المناهض للعلاقات مع سوريا في بيروت، فيما أعلن وزير الخارجية جبران باسيل عزمه زيارة دمشق، في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر، زيارة لم تتم بسبب الاحداث التي عصفت بالساحة الداخلية.

قمة عربية بتمثيل متواضع

وكانت بيروت قد استقبلت السنة الحالية بقمة اقتصادية عربية، القمة استضافتها في العشرين من كانون الثاني/يناير، وبحثت مشاريع قرارات أعدها وزراء الخارجية حول 29 بندا مطروحا على جدول الأعمال، في ظل مستوى تمثيل متواضع للوفود، وغياب الغالبية الساحقة من الزعماء العرب واعتذارهم عن عدم الحضور.

ولم يحضر على مستوى القادة سوى أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، بالإضافة إلى الرئيس اللبناني ميشال عون باعتباره المضيف.

أول بطولة قارية

تمكن فريق العهد من حصد لقب كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ليصبح أول فريق لبناني يحقق لقبا قاريا. وأحرز العهد اللقب بفوزه بالنهائي على فريق "25 أبريل" الكوري الشمالي بهدف نظيف.

والعهد هو ثالث فريق لبناني يبلغ النهائي بعد النجمة (2005) والصفاء (2008).

وعلى نفس الصعيد، أثار إخفاق منتخب لبنان في الوصول إلى مونديال كرة السلة 2019 جدلاً حول سوء إدارة الفريق وعدم انضباط اللاعبين رغم الطريق السهلة نسبيا للتأهل.

فقد خسر لبنان آخر مباراتين على أرضه أمام كل من نيوزيلندا وكوريا الجنوبية، مع العلم أن النظام والتصفيات الحالية أتاحت بلوغ 7 منتخبات من القارة الآسيوية إلى النهائيات، باعتبار أن البلد المضيف يشارك مباشرة. ووصل لبنان إلى نهائيات مونديال السلة في 2002 و2006 و2010.