تقارير وحوارات

"ثعلب آية الله" قتل.. ولم تقطع أذرعه

يوسف فارس

3 كانون الثاني 2020 14:03

"ثعلب آية الله" هذا هو الوصف الذي كانت قد اختارته عدد من وسائل الإعلام العربية الخليجية والأمريكية؛ للحديث عن الدور الذي أدّاه الشهيد قاسم سليماني في سوريا والعراق وغزة، أما ثعلب، فلأنه عسكريٌ محنكُ


"ثعلب آية الله" هذا هو الوصف الذي كانت قد اختارته عدد من وسائل الإعلام العربية الخليجية والأمريكية؛ للحديث عن الدور الذي أدّاه الشهيد قاسم سليماني في سوريا والعراق وغزة، أما ثعلب، فلأنه عسكريٌ محنكُ جداً، ماكرٌ هادئٌ وبارع في إدارة المعارك، وظف تلك الخبرة في تغيير العقيدة القتالية لعدد من حركات المقاومة في المنطقة، ولعل دوره في الميدان السوري، هو نموذج حي لخططه الميدانية التي تثبت نجاحها دائماً.

أمّا "آية الله" فهي إشارة، إلى أن سليماني كان يمثل الذراع الطويلة للمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، هكذا أصبح: "ثعلب آية الله"، العقل المدبر والمصدر الأبرز للثورة الإسلامية في دول المنطقة.

أسباب منطقية لرعبه

تبدو الأسباب التي يتذرع بها خصوم "إيران" ومحور المقاومة لكره قاسم سليماني، التي تتناسب طردياً مع جوقة الاحتفاء باستشهاده، منطقية جداً؛ فـ سليماني، الذي لمع نجمه عقب العام 2012، ثم 2014، كان بعقليته العقبة في وجه كل المشاريع الأمريكية التي ترعاها الدول الخليجية في المنطقة، رأوه لأول مرة، وهو يستقل دراجة نارية متنقلاً بها بين الجبهات السورية، ولما سقطت الموصل بيد داعش عام 2014، كان سليماني بعد ساعات في بغداد، وبعد أيام، كان المرجع العراقي الشيعي علي الحسيني السيستاني، يصدر فتوى الجهاد الكفائي، التي انخرط على اثرها عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين في ما عُرف لاحقاً: بالحشد الشعبي.

حينها، كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يشكل حلف جدة، وقالت الإدارة الأمريكية تصريحها التاريخي، بأن معركة القضاء على الإرهاب، قد تحتاج إلى 40 عاماً، وعقب ذلك بسنوات قليلة، كان الحشد الشعبي، يطرد آخر مسلحي التنظيم الإرهابي من محافظة الموصل.

ذراع ثعلب آية الله

يمثل اغتيال سليماني الضربة الأكثر قوة التي تلقاها محور المقاومة منذ استشهاد عماد مغنية عام 2008، الرجل الأشهر في إيران، تحول الحرس الثوري الإيراني في عهده إلى قوة إقليمية واسعة النفوذ والأثر، فهو، شريك الحاج عماد مغنية في الدفاع عن لبنان عام 2006، وأحد مهندسي دعم المقاومة العراقية في وجه الإحتلال الأمريكي البريطاني.

ويعد الجنرال أيضاً، نجم معركة استعادة مدينة حلب، وقبلاً من ذلك، المؤسس للعقيدة القتالية الميدانية للجيش السوري، ويمكنك أن تلحظ أثر بصمات استراتيجية الحرب العراقية الإيرانية، في أساليب بناء القوات الرديفة للجيش السوري، ثم في تكتيك "دبيب النمل" لقضم القرى والمدن، واسقاط الحصون بالحصار الطويل، تفريغ الجيش لمعارك أخرى، وتشكيل جيوش شبه أهليه لتأمين المدن المحررة.
غير أن دوره الميداني في سوريا، سبقه أدواراً سياسية أخرى، فهو الذي كان قد فاوض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأقنعه بالتدخل في سوريا، وهو نفسه، شريك مدير الاستخبارات التركية حقان فيدان في تسويات الشمال السوري، وأخيراً، ستذكره المقاومة في غزة مراراً، مع كل صاروخ ينطلق إلى المستوطنات الإسرائيلية، فالحاج سليماني، كان كلمة السر، التي بها وصلت منظومة صواريخ فجر الإيرانية، إلى قطاع غزة واستخدمت لأول مرة عام 2012، وهو كلمة السر، التي ساهمت في نقل خبرات تصنيع الأسلحة والصواريخ إلى المقاومة.

القائد العسكري البسيط جداً، الذي يناديه العراقيون بـ "الحجي"، لم يحتاج في يوم من الأيام إلى تشريف يتجاوز أن يأتي رفاقه لاستقباله، بسيارتين اثنتين فقط، وعدد بسيط من المرافقين، كان يتوجه من مطار بغداد بصحبة رفيق دربه أبو مهدي المهندس، قبل أن تنفذ طائرة أمريكية مسيرة عملية اغتياله، التي يفاجئ الجميع جرأتها وتهورها وليس تكتيكها وتنفيذها.

أذرع الثعلب تنتقم

ستتزايد في الأيام القادمة، وخصوصاً بعد تشييع شهداء العراق والحاج قاسم، الأسئلة عن طبيعة الرد، وكيفيته، أمريكياً، بدأ النفير بانتظار رد تقليدي إيراني على الحدث، من استقدام قطع بحرية من بحر الصين إلى الخليج، إلى نصب المئات من منظومات الباتريوت قرب المنشآت النفطية في السعودية، ثم زيادة إجراءات الحيطة على حدودي الجولان وفلسطين المحتلة في لبنان، هذه التحركات التقليدية، تشير إلى أن أمريكا تنتظر دفعة من صواريخ شهاب أو سكاد، لتسقطها، أو زورقاً مفخخاً يتجه إلى حاملة طائرات ليدمرها، أو حتى اعتراضاً إيرانياً لناقلات النفط الدولية في مضيق هرمز.

التفكير الإيراني الهادئ، يفوق كل طرق الرد التي تنتظرها الإدارة الأمريكية، إذ ليس من الممكن أن ترد الجمهورية الإسلامية على حدث استراتيجي كهذا، إلا برد استراتيجي، هذه هي معادلة إيران، التي كانت تلجأ دوماً إلى تجيير أحداث ميدانية بسيطة؛  لبناء وقائع استراتيجية طويلة الأثر، فما بالكم بفرصة استراتيجية سنحت، لطرد القوات الأمريكية بشكل نهائي من العراق وسوريا. العراق، الذي خرج حتى الأمس القريب، الآلاف من شيعته للمطالبة بطرد إيران منه.

إن أقرب ما يمكن التفكير فيه، هو استخدام "أذرع ثعلب الله" لتنفيذ استراتيجية رد طويلة النفس وبعيدة المدى، استراتيجية تستعيد هيبة الردع لمحور المقاومة، وتحقق منجزات عملانية واختراقات على صعيد ملفات إقليمية. يمكننا أن نتحدث، أنه وبالحد الأدنى، ستتعرض القواعد الأمريكية في العراق وسوريا لمعركة مشاغلة طويلة، تنفذها مجموعات مقاومة غير نظامية، فضلاً من ذلك، ستسيطر البحرية الإيرانية كلياً على مضيق هرمز ومياه الخليج العربي، وفيما يخص النفط، ربما يكون للمنشآت السعودية الإماراتية نصيب كبير من عمليات الاستهداف، هذا ما نتوقعه، وما يخبئوه خارج نطاقات التوقع أكبر.