مبنى السفارة الأمريكية في بيروت

تقارير وحوارات

عن تجربة الخروج الأمريكي الأول من المنطقة

يوسف فارس

7 كانون الثاني 2020 17:14

أعني بالقول، أني بذلت من الجهد الكثير، كي أضع يدي على البار أو حلبة المصارعة، أو قاعة القمار في لاس فيغاس التي كان يقضى فيها ترامب وقته حينما كان آخر جندي من جنود المارينز يحزم أمتعته مغادراً بيروت في صبيحة أحد أيام فبراير /1984، وإذا ما كان للسياسية في الفترة التي سبقت خروج القوات الأمريكية من بيروت، نصيب في قائمة اهتمامات  "التاجر الشره"، أم لا!



يتعين علينا أن نبحث ملياً عن هوايات الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب قبل 36 عاماً من اليوم، أعني بالقول، أني بذلت من الجهد الكثير، كي أضع يدي على البار أو حلبة المصارعة، أو قاعة القمار في لاس فيغاس التي كان يقضى فيها ترامب وقته حينما كان آخر جندي من جنود المارينز يحزم أمتعته مغادراً بيروت في صبيحة أحد أيام فبراير /1984، وإذا ما كان للسياسية في الفترة التي سبقت خروج القوات الأمريكية من بيروت، نصيب في قائمة اهتمامات  "التاجر الشره"، أم لا!

هذه التفاصيل مهمة لفهم السياق الذي قرر فيه "أقوى رئيس دولة في العالم" تنفيذ عملية بحجم اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وعن إذا ما كان "الرجل" مطلعٌ على سجل مغامرات جيش بلاده في المنطقة، وطبيعة الخصوم الذين يشتري اليوم مواجهةً معهم.

من المهم الإشارة، أن المعلومات الواردة في هذا المقال، ليست سوى اقتباسات من رواية رئيس وكالة المخابرات الأمريكية المركزية CIA، خلال 45 لقاء جمعه مع صحافي واشنطن بوست بوب ودرود، الذي ألف كتاباً يوثق لمرحلة نشاط "المخابرات المركزية" خلال فترة الوجود الأمريكي في لبنان مطلع الثمانينيات، وعنوان الكتاب هو: "الحجاب، الحروب السرية لوكالة المخابرات الأمريكية"، فضلاً عن شهادات قدمها تيم نفتالي وهو كاتب أمريكي له عشرات الدراسات والكتب التي تحدثت عن عمليات السي آي آي السرية.

 

الخروج الأمريكي الأول   

ربما يمر البعض مرور الكرام، على قول السيد حسن نصر الله، خلال خطاب تأبين الجنرال قاسم سليماني: "المجاهدون والمقاومون الذين أخرجوا الأمريكيين من منطقتنا في السابق كانوا قلة قليلة، مستضعفة، تخاف أن يتخطفها الناس"، لكن خلف هذه الجملة، يختفي تاريخ التجربة الأولى للخروج الأمريكي من المنطقة، الذي يحفظه "المارينز" و "المخابرات المركزية" الأمريكية، عن ظهر قلب.

قصة هذا الخروج الذي ذكّر به "نصر الله" ملمحاً بدون الخوض في التفاصيل، بدأت في مطلع الثمانينيات، أي قبل الإعلان الرسمي عن تشيكل حزب الله، يوم حط عشرات الآلاف من القوات الأمريكية في "بلد الأرز" مستغلاً الحريق الذي سببته الحرب الأهلية، حينها، كانت الخلايا الأولى من "الحزب"، تقرر أنه لن يسمح للأمريكيين باحتلال لبنان.

وصلت الرسالة الأولى خلال اجتماع عالي السرية، عقدته وكالة المخابرات، في مقر السفارة الأمريكية ببيروت، في صبيحة يوم 18/4/1983 كان روبرت آمز، الشهير بـ بوب آمز، وهو كبير محللي الشرق الأوسط في CIA، الذي استطاع اختراق منظمة التحرير الفلسطينية، يصل إلى مبنى السفارة، لوضع خطة عمل القوات الأمريكية في لبنان، وطرق تثبيت القواعد وشراء الحلفاء ومواجهة التحديات القائمة، حينها، كانت سيارة مفخخة تصطف في قبو مبنى السفارة، وصلت السيارة مع وصول بوب آمز تقريباً، وبعد لحظات من بدء الاجتماع الأكثر سرية، دوى انفجارُ هز العاصمة اللبنانية، وسوّى مبنى السفارة المكون من سبع طبقات بالأرض، وأسفر عن مقتل خلية الـ CIA، التي جاءت خصيصاً لمناقشة التحديات التي لم تكن ملامحها معروفة بعد.

حتى ذلك التاريخ، لم يكن معروف الجهة التي تقف وراء الهجوم، لكن ويليم كيسي وهو رئيس الـ CIA في عهد الرئيس رونالد ريغان، اعتبر الهجوم اعتداءً شخصياً عليه، وقرر معاقبة المتورطين بتنفيذ الهجوم، لكن، كان عليه أن يقاتل "طواحين الهواء"، ذلك؛ لأن نسبة معلومات وكالته عن المنفذين هي: صفر.

تلقى الوجود الأمريكي في بيروت، الصفعة الثانية، بعد ستة شهور فقط من عملية تفجير السفارة، ففي 23/ 10/1983 تعرضت قاعدة أمريكية  أقيمت قرب مطار بيروت، يعسكر فيها 1800 عنصر من قوات "المارينز" الأمريكية، لأكبر تفجير شهده عناصر الجيل الجديد في الجيش الأمريكي، إذ تسببت شاحنة مفخخة على متنها 5400 كيلو جرام من المتفجرات، بسحق قاعدة "المارينز" متسببة في مقتل 241 جندياً أمريكياً، أكد الرئيس الأمريكي حينها، بأن قوات بلاده، لن تخرج من لبنان، رغم أن الرغبة الشعبية الأمريكية حينها، كانت تطالب بالخروج الآني، أكد ريغان أيضاً أن ذراع جيش بلاده ستطال المنفذين.

حتى ذلك الحين أيضاً، لم يكن أحد قد تبنى تلك العمليات، لكن بياناً من منظمة تطلق على نفسها "الجهاد الإسلامي" وصل إلى وكالات أنباء عالمية، وأعلن مسؤوليته عن هجومي بيروت، دون ذكر تفاصيل أخرى.

انتقام أمريكي معلق

"ويليم ببلي" كان الرجل البارع الذي أرسلته الـ CIA لإعادة هيكلة البنى التحتية "للمخابرات" في بيروت عقب الهجومين الذين أهدرا الهيبة الأمريكية هناك، وببلي هو مقاتل سابق في المارينز، ضخم البنية، شديد الحذر، وخبير في شئون المنظمات شبه العسكرية "الميليشيات"،  أعاد "الرجل" بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بناء CIA في بيروت، وتلقى دعم غير محدود من رئيسه وليام كيسي، وتمكن على مدار شهور من تجنيد المئات من العملاء الجدد، الذين كان "حزب الله" الذي أعلن عن نفسه رسمياً عام 1984 قد بدأ بحملة خطف وقتل نشطة بحقهم.

كان مخطط إحدى أجرأ عملياته التي قرر تنفيذها لتحرير رهائن الـ CIA قد نضج تماماً، ونال موافقة ودعم رئيس المخابرات الأمريكية، وهي عملية مداهمة ستنفذ بالشراكة مع جهاز الموساد الإسرائيلي وعملاء لبنانيين، لكن حدثاً طارئاً أفضى لوقف العملية في اللحظات الأخيرة، فقد قضى "حزب الله" على كافة عناصر CIA السريين الذين من المقرر أن يقدموا المساندة للقوة المقتحمة، وأيضاً، غير تموضع الرهائن وعزز وجوداً أمنياً غير ملحوظ على مداخل البيوت المقرر اقتحامها.

تتصل كل تلك الأحداث، بأمر لطيف ومدهش، فبرغم حذر "ببلي" الشديد، إلا أنه وقع بـ (محض الصدفة) في غرام فتاة لبنانية جميلة، مثيرة الملامح، اسمها "زينب"، ارتبط الرجل بـ معشوقته طوال شهور، وعاش معها فترة خدمته في بيروت، حياة مليئة بالشغف.
وفي صبيحة يوم 6/3/1984، كانت مجموعة من مقاتلي "حزب الله" تختطف "ببلي" الذي أضحى مؤسس ومرمم جهاز المخابرات المركزية الأمريكية في لبنان، أثناء مغادرته منزله، وبحوزته ملفات تحوي وجبة معلوماتية دسمة تخص عمله المخابراتي في البلاد، ناهيك عن ما يحتفظه في دماغه من تفاصيل ومخططات.

شكل اختطاف "ببلى" ثم تفكيك شبكة عملاء CIA  على وقع المعلومات التي أقر بها خلال تحقيق حزب الله معه، صفعة أخرى، لوكالة المخابرات الأمريكية التي تلقى مسؤولها شريطاً مصوراً يظهر فيه مسؤول فرع وكالته في لبنان في حالة صحية ونفسية يرثى لها، كان تلك صدمة كبرى، وكانت "زينب" مجندة حزب الله، التي أوقعته في حبائلها، ونقلت للحزب أولاً بأول، كافة المعلومات والمهمات السرية التي عمل "ببلى" على انجازها منذ دخوله البلاد، صدمة أكبر وقعاً.

زادت رغبة "كيسي" بالانتقام، ونفذ عملية تفجير بًنيت على معلومات مغلوطة، استهدفت قتل محمد حسين فضل الله، الذي نجا من الاغتيال، في تفجير استهدف حي بئر العبد- أدى لاستشهاد 80 مدنياً وإصابة المئات-  في الضاحية الجنوبية في 8/3/1985  ظناً منهم، أن "فضل الله" هو الموجه والمخطط للعمليات التي استهدفت الوجود الأمريكي في لبنان، قبل أن يقروا بعد سنوات، أنه لا علاقة له بالأمر، وأن جماعة أخرى هي "حزب الله" هي من خططت ونفذت كل ما سلف.


عن تجربة الخروج الثانية

لا يبدو الفارق بين رونالد ريغان ودونالد ترامب كبيراً، كلا الرجلين أبديا تمسكاً شكلياً في البلاد التي تضم قواعد أمريكية، رغم رفض شعوبهم لموقفهم، ريغان، اضطر عام 1984 وبعد أربعة شهور فقط من تفجير قاعدة المارينز، لمغادرة لبنان، قبل أن يغادر أسماع العالم صدى تصريحاته النارية عن تمسكه بالبقاء في بيروت.
كذلك ترامب، الذي أبدى في تعليقه على قرار البرلمان العراقي، تمسكه بالبقاء في البلاد، وهدد بفرض عقوبات اقتصادية على العراق في حال خروجه.
يحتاج  "زعيم حلبات المصارعة" إلى الجلوس ملياً مع وكلاء CIA السابقين، وإلى الشهود الذين نجو من معركة الخروج الأول، لكي يذكروه  بأن "محور المقاومة" يقوم اليوم بتجربة "إخراجه الثانية من المنطقة"، ولديه ما يكفي من الخبرة والإمكانيات اللازمة لذلك، يكمل نصر الله قائلاً: " اليوم الذين سيخرجون القوات الأمريكية من المنطقة،  لم يعودوا جماعات قليلة، صاروا شعوب وقوى وفصائل وجيوش، وتملك امكانات هائلة"..... انتهى.



 





 

 

النهضة نيوز - خاص