رفض شعبي ورسمي لصفقة القرن

تقارير وحوارات

صفقة القرن .. ردود الفعل المتمحورة في دائرة التوقع

فريق التحرير

28 كانون الثاني 2020 16:29

أكثر ما هو مؤذي في حدث فيصلي كالإعلان المرتقب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن مخطط تصفية القضية الفلسطينية المسمى بـ "صفقة القرن" هو أن "مصيبة" هذه، ستمر بسلام على الصعيد العربي، وبردود فعل متوق


أكثر ما هو مؤذي في حدث فيصلي كالإعلان المرتقب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن مخطط تصفية القضية الفلسطينية المسمى بـ "صفقة القرن" هو أن "مصيبة" كهذه، ستمر بسلام على الصعيد العربي، وبردود فعل متوقعة على المستوى الفلسطيني.

فقد اختارت الإدارة الأمريكية توقيتاً مدروساً بعناية لتمرير أكبر مخطط "سرقة" سيسجله التاريخ المعاصر، فهو العصر الذي اختفى فيه "زعماء العرب" المبدئيين، وأحيلت زعامة الدول المحورية إلى قيادات شابة وطائشة، منسلخة عن قضايا أمتها، ومنشغلة في أزماتها المستحدثة.
في دول الخليج مثلاً، يتزامن الإعلان الأمريكي عن صفقة القرن، مع "توقيع سعودي على بياض"، يتضمن موافقة معلنة عن كل الخطوات الأمريكية، ولعل الإعلان عن سماح "مملكة الخير" لرجال الأعمال الإسرائيليين بالسفر إلى "بلاد الحرمين" يعطي مؤشراً على مستوى ضجر "الأسرة السعودية الحاكمة" من الملف الفلسطيني، ورغبتها الشديدة في التعاطي مع "إسرائيل" على أنها كيان طبيعي في المنطقة، في ظل غرقها بحرب خاسرة مع اليمن، وانشغالها في "ملهاة الصراع مع إيران"، الذي تبدو فيها كمن يقاتل "طواحين الهواء" فلا هي "أهل للحرب" ولا تمتلك زمام "السلام".

أما الإمارات، فلدينا زعيم شاب، اسمه محمد بن زايد، يتوفق على شبيهه "ابن سلمان" في الكاريزما الشخصية، ويفوقه في الجنون والتهور، إذ يدفع الرجل مليارات بلاده في حروب لا يستطيع حسمها، من صنعاء إلى طرابلس، لكن والشهادة الحق هنا، أنه يحسن صرف ملايينه على مراكز التأثير والدعاية في الولايات المتحدة الأمريكية، التي صارت تعتاش من المنافسة بين كلٍ من "قطر والإمارات" لتحسين صورتها.
أما مصر التي تبدي عناية كبيرة في الملف الفلسطيني، فلديها من الهموم ما يكفي لكسر دول شابة وفتية لا غارقة بالديون والتحديات، إذ أنها أمام صراع وجودي مع "أثيوبيا" التي استطاعت أن تبني سد النهضة الذي قد يموت على إثره 100 مليون مصري عطشاً، ناهيك، عن هاجس تهديد دولة "الاسلام السياسي" التي تخشى من قيامها في طرابلس، وتجاهد في اجهاضها، فلدى "القاهرة" ما يغنيها عن الدخول في أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة لأجل الفلسطينيين، ولدى الفلسطينيين في غزة والضفة، ما يكفي من أسباب؛ للقناعة بسقف الموقف المصري المتواضع.

لكن الأكثر حزناً، ليس تلك المواقف المتواضعة، فدول العرب وممالكهم، هي شريكة في تمويل هذه المصيبة، فقد قبلت ب "الجزرة الأمريكية"، قبل أن تسمع عن العصا.
فلسطينياً، يبدو "العجز" هو الموقف الرسمي من السلطة في رام الله، فلا آبار نفط، ولا اقتصاد، ولا انتاج، يسمح لسلطة قامت على الهبات الأمريكية والأوربية، لأن "تعرقل" مشروعاً يستلح بإرادة دولية وعربية، كصفقة القرن، ولا بأس من رفض "كلامي" ستفرد الوكالات العربية والعالمية مساحة واسعة لتغطيته، فيما تمر الوقائع على الأرض، لا يعكرها سوى ردود فعل شعبية لا يبدو أنها سترقى إلى حجم الحدث.
وفي غزة التي تعيش حصاراً اقتصادياً تساهم دول اقليمية كقطر استخدامه وفق المشيئة الإسرائيلية لتهذيب ردود الفعل، وتقليم أظافر المقاومة. لا شيء في الأفق، غير هبة شعبية مضبوطة، قد تتطور إلى تصعيد تلجم "المنحة القطرية" حدته في الوقت المناسب، لتمر فيما بعد "صفقة القرن"، في إطار ردود الفعل المتوقعة، والممكن احتوائها وتجاوزها.
كل ما سبق، هو ما يمكن قراءته في ردود الفعل المتوقعة من الإعلان عن الإطار النظري لصفقة القرن، لكن مرحلة التنفيذ الفعلي، لابد أنها ستكون حبلى بالمفاجآت، إذ ليس من المتوقع، أن تصطف الفصائل الفلسطينية في طوابير لتسيلم سلاحها إلى الأمم المتحدة مثلاً، وليس من المتوقع أيضاً أن تجد فلسطينياً واحد، مستعدُ للتعاطي مع ما تتضمنه من شروط ووقائع، تستلزم إذناً شعبياً جمعياً لتمريرها، وربما إذناً من شهداء مسيرة الكفاح الفلسطيني المستمر على مدى 70 عاماً.

 

النهضة نيوز - بيروت