الجيش التركي في ادلب

أخبار

بين الغوطة وإدلب.. ما ستفهمه تركيا في معركة الشمال

يوسف فارس

20 شباط 2020 22:57

انعكس الاشتعال الدبلوماسي في جلسة مجلس الأمن على الميدان بحريق مماثل، إذ شن الجيش التركي صباح اليوم الخميس، عملية عسكرية ميدانية بالشراكة مع جبهة النصرة ومجموعات مسلحة أخرى اطلقت عليها مسمى "الجيش الو

انعكس الاشتعال الدبلوماسي في جلسة مجلس الأمن على الميدان بحريق مماثل، إذ شن الجيش التركي صباح اليوم الخميس، عملية عسكرية ميدانية بالشراكة مع جبهة النصرة ومجموعات مسلحة أخرى اطلقت عليها مسمى "الجيش الوطني السوري"، استهدفت التقدم في مدينة النيرب، وتزامنت مع تمهيد ناري كثيف على مواقع الجيش السوري، وأيضاً تغطية إعلامية "متحمسة" شاركت فيها قناة الجزيرة القطرية بشكل لافت، إضافة إلى عدد هائل من صفحات وإعلاميين تدعمهم أنقرة، لكن هذه الاندفاعة اصطدمت بإعلان وزارة الدفاع التركية مساء اليوم الخميس، عن مقتل اثنين من جنودها واصابة  خمسة آخرين في غارة شنها الجيش السوري على المدينة، بالتزامن مع ورود معطيات ميدانية أفادت  بتمكن الجيش السوري من امتصاص الهجوم التركي العنيف، ثم صده والبدء بهجوم معاكس.

الصدام الميداني الذي أعقب أسابيع طويلة من "صراخ أردوغان" أتى في أعقاب موقف (إيراني – روسي) صلب في دعم توجه "دمشق" لحسم المعركة في الشمال السوري، وأمام الصورة الميدانية المقبلة التي يتكهن "أردوغان" نتيجتها إذا ما تذكر معركة تحرير حلب 2016، فإن النزول التركي إلى الميدان، هو آخر أوراق سياسية "حافة الهاوية" إذ يهدد الرئيس التركي المخذول بورقة الصدام المباشر الذي لا تتمناه أي من الأطراف، إذا لم يقدم السوريين تنازلات في إخراج المشهد في المرحلة المقبلة.

عليه استحضار معركتي حلب والغوطة  

شكلت معركة تحرير مدينة حلب عام 2016، مفترق طرق، قدم رسالة عن مستوى العزم السوري المسلح بحلفاء صادقين، في التعاطي مع التحديات، إذ أنه وبرغم حجم الضجيج الذي آزر به العالم مسلحي حلب، وأيضاً مستوى الدعم والتسليح الذي حظي به هؤلاء، وصعوبة الواقع الميداني، المتمثل في التعامل مع أبنية وكتل وأحياء سكانية، تحتاج إلى التعاطي معها، بيتاً ببيب وشارعاً بشارع، حقق الجيش السوري وحلفاؤه منجزاً ميدانياً مبهراً في تحرير أحياء المدينة، التي كانت تريدها أنقرة ضاحية من ضواحي اسطنبول، هنا، كانت بداية نهاية الحلم العثماني في سوريا، والنقطة التي وصل فيها صراع الإرادات إلى أشده، وضربت "دمشق" يدها على الطاولة، معلنة أنها تمتلك من العزم ما يكفي لتحقيق وعودها، ومن الصبر والروية ما سيأهلها لعبور الحرب.

اقرأ أيضاً: مقتل جنديين تركيين في إدلب: البنتاغون يحذر من صدام مباشر بين تركيا وروسيا


فيما تمثل معركة تحرير الغوطة الشرقية النموذج الثاني الذي لابد للرئيس التركي أن يستحضره، خصوصاً أن تحرير الغوطة جرى في مثل هذه الأيام من شهر فبراير من العام 2018، وفي الغوطة يمكن أن نتذكر أن المشهد الذي يمكن أن نراه من أحد البيوت المرتفعة في حي جوبر، سيورث الإحباط لأكبر فيالق جيش "هتلر" من إمكانية التقدم بين كل تلك البيوت المتلاصقة والحارات الضيقة، فضلاً عن الأنفاق الغائرة في عمق "سابع أرض"، والدعم الفلكي الذي كان يصل إلى الأخوين "علوش" ومعهم مئات المجموعات المسلحة، هذه التعقيدات الميدانية، لم تكن سوى واحدة من العقبات المنتظرة، فقد علا ضجيج المجتمع الدولي، وأعدت مسرحيات الهجوم الكيماوي من جديد، وجال الصراخ السعودي مثلاً، جهات الكون الأربع، وأنتهى الأمر بمشهد الرئيس السوري بشار الأسد، وهو يتجول في أحياء الغوطة، التي عادت بعد ستة سنوات من الغربة.

ما ينتظره أردوغان في إدلب

كان من المعجز في السابق، احصاء الجبهات التي يقاتل عليها الجيش في الجغرافيا السورية، معارك في الشمال والجنوب والوسط، في المدن والأرياف، وحدات حماية وقائية في المناطق الحساسة، خوفاً من هجوم مباغت، سجون ومعاقل تحاصر فيها وحدات كبيرة من الجيش، عشرات المعارك المتزامنة، ودعم لا محدود للمسلحين، أجبرت الجيش السوري على تقسيم وحداته إلى "زمر" تمتلك كل واحدة من قدر محدود من القوة (عدد مدرعات، عدد مدافع، عدد مشاة، غطاء جوي محدود)، هذه الوقائع استطاع الجيش السوري بمساعدة حلفائه المخلصين، التعاطي معها بمرونة مطلقة، وصولاً إلى ترحيل المسلحين من كافة المدن السورية، بالباصات الخضر، إلى محافظة إدلب الذي ظن أردوغان أن دورها لن يأتٍ في يوم ما.

لقد أنجز الجيش السوري ما أنجزه خلال سنوات الحرب، وحرر قرابة 80%من أراضيه، في وقت متزامن، فأي سرعة يمكن أن يحققها تركيز القوات في معركة واحدة، في جبهة واحدة، كم من مائة دبابة ستحارب، وكم من مائة مدفع، كم من طائرة، والأهم من كل ذلك، كم جندي خَبُر الميدان وحرب العصبات وتمرس فيها خلال تسعة سنوات من عمر الحرب ؟
ثم، ما هي قاعدة البيانات التي يمتلك الجيش السوري عن المجموعات المسلحة التي يحاربها، وأي اختراق حققه في بيئة المسلحين، الذين يدرك السكان الأصليين، أنهم إلى زوال ! هذه الاجابات يعرفها جنرالات الجيش التركي بلا أدنى شك، ويفهمها الرئيس أردوغان، وإلا، لماذا شن معاركه الكلامية على مدار أسابيع، قبل أن ينزل جندياً في المعركة؟

ما ينتظر الجيش السوري في إدلب

ومن ضمن ما يعرفه قادة الجيش التركي، أن الرهان على "أحصنة" مثل بقايا المجموعات المسلحة التي جرى إجلاؤها في باصات الهزيمة، من معارك انتصر الجيش السوري فيها حصراً،
هو رهان "خائب"، إذ أن ما يقاتل في المعارك، هو الإرادة وليس السلاح، وفي إدلب، هناك عدد كبير من المسلحين، الذين لفظتهم المدن السورية، كما لن تقبل بلدانهم استقبالهم، هؤلاء المسلحين، هم البيادق التي تراهن عليها "أنقرة" في مواجهة "كباش الجيش السوري"، فيما سيجلس الجنود الأتراك الذين تمرسوا على قتال الشوارع وحرب العصابات التي يتقنها الجيش السوري، بقدر طلاقتهم في التكلم  باللغة العربية، سيجلس هؤلاء بالمناظير وداخل الاليات المدرعة ضمن استراتيجية ترشيد التكلفة البشرية التركية، في انتظار نصرٍ ما ..  

النهضة نيوز - بيروت