أخبار

كيف توظف كوريا الشمالية وروسيا فيروس كورونا في خدمة مصالحها؟

21 آذار 2020 22:51

قالت الصحيفة البلغارية العسكرية في مقال مطول، أن روسيا وكوريا الشمالية استغلتا انشغال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالفيروس التاجي المستجد، وقامتا بتمرير العديد من الخطوات التي كان يكمن أن تتسب

قالت الصحيفة البلغارية العسكرية في مقال مطول، أن روسيا وكوريا الشمالية استغلتا انشغال الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالفيروس التاجي المستجد، وقامتا بتمرير العديد من الخطوات التي كان يكمن أن تتسبب بتوتر الأوضاع السياسية والميدانية في تلك الدول، ولو لم يكن العالم منشغلاً بالفيروس، وأوضحت الصحيفة في مقال ترجمته "النهضة نيوز" أن هذا الانشغال الدولي بمكافحة كورونا، يعد فرصة جيدة لكوريا الشمالية بالتملص من العقوبات القاسية المفروضة عليها، بل وبالقيام بتجارب صاروخية بالستية لا تجر عليها مزيداً من العقوبات.

وفيما يلي نص المقال كاملاً:

في بعض الأحيان، لا ترغب بعض الدول في لفت الانتباه إلى أفعالها، خاصة إذا كانت الخطوات التي تتخذها مرتبطة بتهديد حدوث رد فعل من قبل الولايات المتحدة أو قد تؤدي إلى فرض عقوبات عليها.

إذ أن هناك دولتان بارعتان بشكل خاص في التلاعب بالأحداث الدولية و تحويلهما لمصلحتهما، و هما كوريا الشمالية و روسيا؛ فالولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأخرى التي لديها وسائل اعلام تستطيع القيام بتغطية مماثلة، و لكنها الآن تركز بالكامل على تفشي وباء فيروس كورونا الجديد .

ففي هذه الأثناء ، تواصل بيونغ يانغ سرا انتهاك العقوبات المفروضة عليها و تحسين برنامجها النووي، و تستمر حرب روسيا المنسية المستمرة منذ ست سنوات في أوكرانيا؛ فهل هناك أي شك في أن الأزمة الحالية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا الجديد COVID-19 توفر فرصة أكبر لكل من هذه البلدان لتوسيع أنشطتها الخاصة بها ؟

و تجدر الإشارة إلى أن كوريا الشمالية استخدمت بنجاح التعاون غير المتوقع مع كوريا الجنوبية خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2018 في بيونج تشانج ، و ذلك عبر استغلال الايقاف المؤقت لحملة الضغط الأقصى المفروضة عليها من الولايات المتحدة؛ علاوة على ذلك ، مهدت هذه الاتصالات الطريق للقمة مع واشنطن و سيؤول ، و التي كانت ذات أهمية مبالغ فيها بشكل مفرط ، و هذا ما ساعد كوريا الشمالية على تقديم صورة دولية أكثر حداثة و أكثر ودية لبلدها .

كما أنه لا يجب أن ننسى أن روسيا قد صدمت العالم بأسره بغزوها لجورجيا في وقت كان فيه انتباه الناس ينصب على الركود الاقتصادي الكبير، و كذلك على الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008 . ففي عام 2014 ، اتخذت موسكو إجراءات مماثلة و ارتكبت بشكل غير متوقع حربا على أوكرانيا ، و هو أمر فاجأ العالم كله و لم يتكن متوقعا البتة .

فإذا قمت بتقييم هذه الأحداث بأثر رجعي ، فلن تبدو مثل هذه الأفعال غير متوقعة على الإطلاق؛ حيث أنه لطالما استخدمت كوريا الشمالية سياسة التناوب بين التهديدات و الدبلوماسية، محاولةً بهذه الطريقة تخفيف العقوبات المفروضة عليها؛ حتى أن مصالح أمريكا الخاصة بها تشير إلى أن التواصل أفضل من التحرك في دوامة تدور نحو الحرب مع دولة حائزة للأسلحة النووية مثل كوريا الشمالية .

أما بالنسبة لروسيا ، فقد كان من الواضح منذ فترة طويلة أنها مستعدة لاتخاذ الإجراءات الأكثر صرامة لحرمان الدول المجاورة من الاستقلال التام ، و التي تعتبرها أراضيها التاريخية ، فقد حرمتها من الانضمام إلى منظمات غربية مهمة مثل الاتحاد الأوروبي ، أو تحالفات تعتبرها معادية مثل حلف شمال الأطلسي "الناتو" .

و اليوم ، مع هيمنة تفشي فيروس كورونا الجديد COVID-19 على العناوين الرئيسية لجميع مراصد الأخبار الدولية ، من المرجح أن تركز كوريا الشمالية على تجاربها النووية ، حيث يشاهد عدد قليل من الناس مثل هذا الأمر أو يولوه اهتمامهم؛ فبالنسبة لكوريا الشمالية ، فإن تعزيز ترسانة الردع النووي الخاصة بها و المهمة بالفعل يعني أن موقفها التفاوضي سيصبح أقوى في المستقبل .

أما بالنسبة لموسكو ، فإن المفاوضات جارية ، و هي تهدف بطبيعتها إلى إيجاد تسوية محتملة في أوكرانيا ، بينما يهدد صراع جديد مع روسيا البيضاء بالخروج عن السيطرة ، و الذي لن يكون في صالح روسيا البيضاء بأي شكل من الأشكال .

حيث يمكن لروسيا أن تستخدم الوباء لتحويل الانتباه عن مخططاتها الخاصة، و خاصة في هذا الوقت للاستمرار في ممارسة الضغط على أوكرانيا أو حتى تكرار العملية التي قامت بها في شبه جزيرة القرم و الاستيلاء على روسيا البيضاء بالكامل أو جزء منها بشكل مفاجئ .

و هنا نصل إلى السؤال المهم ، لماذا تفعل هذه الدول هذا الأمر ؟ . حيث أن انتباه أمريكا مشتت و تركزت مواردها في مكان آخر ، فإن منافسي واشنطن سيكون لديهم الفرصة للعمل كما يحلو لهم؛ فغالبية الناس قلقون من انتشار فيروسات التاجية ، و قد يشارك الجيش الأمريكي في توفير الرعاية الطبية لهم .

بالإضافة إلى ذلك ، خلال هذه الأزمة الدولية من المهم التركيز أنه لا ينبغي للرئيس الأمريكي زيارة الدول الأجنبية لعقد اجتماعات طارئة أو إعطاء الانطباع بأن اهتمامه يتركز على شيء آخر ؛ و علاوة على ذلك ، تم بالفعل تأجيل التدريبات العسكرية الأمريكية الكبيرة و قد يتم إلغاؤها في آسيا وأوروبا بسبب انتشار فيروس كورونا COVID-19.

و أخيراً ، يجب أن يقال أن انتباه حلفاء واشنطن مشتت أيضا، حيث تركز كل من اليابان و كوريا الجنوبية على إجراءات الطوارئ الخاصة بهما ، و تشاركان أيضا في جولة أخرى من التوتر و الإزعاج في العلاقات مع بعضها البعض .

و في غضون ذلك ، يغلق الاتحاد الأوروبي حدوده ، و لا يوجد أي إجماع بين أعضائه حول كيفية التمسك ببعضهم البعض ، و فوق كل ذلك يلوح شبح الركود العالمي الاقتصادي في الأفق.

و الجدير بالإشارة إليه أيضاً، هو أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لن يتخلى عن طموحاته في حيازة و تطوير الأسلحة النووية؛ ففي نهاية المطاف ، قد يغير موقفه قليلا في بعض مراكز الاختبار أو في مسألة تحديد الأسلحة ، و لكن لا شيء أكثر من ذلك، حيث يفهم كيم أن أسلحة الدمار الشامل التي يمكن أن تصل إلى المدن الأمريكية هي الطريقة الوحيدة لضمان بقائه و استمرار مكانة كوريا الشمالية العالمية .

فالحقيقة أن الأسلحة النووية تعتبر تهديدا جهنميا يمنع واشنطن من تدمير هذا النظام ، كما حدث مع الزعيم العراقي صدام حسين أو مع الزعيم الليبي معمر القذافي .

و في الوقت نفسه ، فإن الصواريخ البالستية العابرة للقارات الخاصة بكوريا الشمالية غير كاملة، و بدون الاختبار المناسب لعناصر الحماية الحرارية ، يمكن تدمير الصواريخ عندما تصل إلى الغلاف الجوي ، و هو ما يمكن أن يدفع كوريا إلى تجربة صواريخها أثناء انشغال العالم بفيروس كورونا الحالي .

وبالطبع  ، يمكن لعدد كاف من الصواريخ البالستية العابرة للقارات أن تصل إلى أهدافها و تقوم تدمير العديد من المدن الأمريكية ، و لكن ماذا لو لم يرغب كيم في المخاطرة بمثل هذا الأمر ؟ لماذا لا يطلق بعض الصواريخ البالستية العابرة للقارات اليوم و تقول فقط أن هذه اختبارات "بالستية" خاصة بالأقمار الصناعية فحسب ؟

و لكن إن قمنا بمتابعة الأخبار الأخيرة ، أجرى كيم بالفعل خمسة اختبارات للصواريخ البالستية قصيرة المدى حتى الآن ، ولم يلاحظ أحد ذلك تقريبا .

كما و انشغل الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بمستقبله الرئاسي في روسيا، فعلى الرغم من حقيقة أنه يتقدم في السن ، بالإضافة إلى أن الحد الأقصى الذي حدده الدستور لولايته كرئيس يقترب من نهايته، يفكر بوتين في كيفية البقاء في السلطة و مواصلة المسار حتى يمكن أخذ روسيا على محمل الجد كقوة عظمى عالمية لا يمكن المساس بها ، فهو لديه العديد من الخيارات التي يستطيع الاختيار فيما بينها .

إذ أن الطريقة الأكثر سهولة بالنسبة له كانت عن طريق تعديل الدستور الروسي ببساطة ، و إزالة القيود المفروضة على عدد المصطلحات الخاصة فيه ، مما سيسمح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2036 . كما أن هناك خيار آخر بالنسبة للزعيم الروسي ، حيث يمكنه الاحتفاظ بالسلطة من خلال أن يصبح رئيسا للاتحاد الرئيسي الجديد داخل روسيا البيضاء و روسيا .
 و كانت هناك بعض المفاوضات الجارية منذ فترة طويلة حول هذا الاتحاد السياسي ، بالإضافة إلى ذلك ، فكلا البلدين عضوين بالفعل في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ، حيث تلعب موسكو الدور القيادي فيه بلا منازع .

و لكن بعد حملة الترهيب و النزاعات حول أسعار أزمة النفط الحالية ، و مع الأخذ بعين الاعتبار الأحداث الجارية في أوكرانيا ، فإن روسيا البيضاء لا تميل بشكل خاص إلى هذا النوع من التعاون مع روسيا . و إذا كان بوتين يريد إنشاء دولة اتحادية عبر ضم روسيا البيضاء ، فسيتعين عليه استخدام القوة للقيام بذلك .

و لكن لماذا لا تفعل روسيا ذلك الآن ؟ فلا أحد يتوقع أن ينشب الصراع في الوقت الراهن ، و هو أمر جيد للغاية بالنسبة لروسيا .

كما أن هناك سببان محتملان لعدم قدرة واشنطن على تجاهل النقاط الساخنة في العالم . فمن الواضح أنه يجب على أمريكا إعطاء الأولوية لمحاربة تفشي فيروس COVID-19 ، و هي تفعل الشيء الصحيح من خلال اتخاذ إجراءات صارمة في هذه المرحلة ، و يمكنها فعل المزيد أيضا في المستقبل القريب .

فلا تستطيع الولايات المتحدة أن تتوقع حدوث الصراعات وسط أزمة صحية دولية ، و لا يمكنها إيقاف أي قوة منافسة و منعها من فعل ما لا تحبه واشنطن أو تنتهك القانون الدولي . و لكن سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن جائحة الفيروس التاجي سيمنع الدول الأخرى من التصرف بقوة لحماية مصالحها الخاصة بها .

 

النهضة نيوز - ترجمة خاصة