السفيرة-الاميركية

تقارير وحوارات

حين مارست السفيرة الأمريكية دور "مختار البلد": لا قانونية لقرار القاضي مازح .. ولكن

باولا عطية

29 حزيران 2020 20:05

بدا لافتاً أن قرار القاضي محمد مازح بمنع السفيرة الأمريكية دوروثي شيا في لبنان من الإدلاء بأي تصريح لأي وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية، أثار الراي العام على نحوٍ كبير، وأصبح حديث الساعة في اليومي



بدا لافتاً أن قرار القاضي محمد مازح بمنع السفيرة الأمريكية دوروثي شيا في لبنان من الإدلاء بأي تصريح لأي وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية، أثار الراي العام على نحوٍ كبير، وأصبح حديث الساعة في اليومين الفائتين، حيث ادت تبعات هذا القرار الى تقسيم اللبنانيين  بين مؤيد لهذه الخطوة ومعارض لها.

وربما يكثر الجدل حول مشروعية هذا القرار وأساساته القانونية، لكن ومهما كان الموقف إزاء ذلك، كان ملاحظاً خلال الآونة الأخيرة أن السفيرة الأمريكية مارست دور "مختار البلد" الذي يحق له أن يتدخل في كل شيء، يحلل، يهاجم، يتهم، يدعم الاحتجاجات، يشعل الفتنة، يفعل ما يريد.

و بعيدا عن الصخب السياسي والمواقف الشعبوية ما مدى قانونية هذا القرار؟ وكيف خرقت السفيرة الأميركية اتفاقية فيينا للمعاهدات الدبلوماسية بين الدول؟

 

من الناحية القانونية ليس من صلاحية القاضي اصدار أي قرار يطال أي سفير او أي جهة دبلوماسية تمثل بلدها في البلد المضيف، وقراره بالتالي غير قابل للتطبيق فالمرجعية الوحيدة التي يحق لها البت أو التشاور في تصريحات وأداء الدبلوماسي هي وزارة الخارجية الممثلة بوزير الخارجية حصرا.

 

وربما المشكلة الثانية في قرار مازح كانت التدخل في عمل وسائل الاعلام ومنعها من تغطية أو نقل الخبر الامر الذي يمس بحرية الاعلام وحق الوسائل الإعلامية بالوصول الى المعلومة ونقلها الى المشاهد.

وهو ما يعيدنا الى الخلاف الذي حصل على خلفية استجواب قناة "إم تي في" للعسكريين المخطوفين لدى جبهة النصرة قبل وصولهم إلى نقطة التبادل المتفق عليها مع الدولة اللبنانية، أي في المنطقة التي تسيطر عليها جبهة النصرة في جرود عرسال.

ومن هنا يمكن ان نستنتج أن تصرف القاضي مازح كان ردة فعل متسرعة على خطاب ربما مسه شخصياً أو مس معتقداته السياسية وهو قد يكون تصرفا طبيعيا قد يقوم به أي مواطن لبناني في حال شعر ان دولة ما تخرق سيادة بلده الا ان القاضي بالذات ومن منصبه لم يكن له الحق قانونيا بإصدار قرار مماثل.

وزيرة الاعلام تكذب السفيرة الأميركية: الحكومة لم تعتذر

 وبالتالي تحركه جاء على خلفية سياسية، واذا أردنا ان نحلل أكثر يمكن ان نضع تصرفه ضمن اطار رغبة حزب الله بإيصال رسالة مبطنة للسفيرة مفادها اننا وكما نملك السلاح والأرض نحن أيضا نعمل وفق القانون ولدينا مراجعنا القانونية في الدولة. الا انه يبقى مجرد فرضية .

أما الأهم فهو مضمون خطابات شيا التي أدت الى استدعائها من قبل وزير الخارجية اللبنانية ناصيف حتي، حيث قالت السفيرة في مقابلة أجرتها مع قناة الحدث أنّ "الشعب اللبناني يعاني من تبعات عقود من الفساد والانفاق غير المسؤول وسوء إدارة الأموال العامة من قبل الحكومات المتعاقبة والتي وعدت بالإصلاح ولكنها لم تف بالوعد، والولايات المتحدة هي في الواقع اكبر المانحين للمساعدات الى لبنان حيث ان مساهمتنا العام الماضي فقط بلغت سبعمئة وخمسين مليون دولار في مجال المساعدات الإنسانية والتنموية والأمنية".

وتابعت شيا "صحيح اننا نشعر بقلق بالغ إزاء الدور الذي يقوم به حزب الله والذي تم تصنيفه كمنظمة إرهابية والذي يتبوأ عناصره مراكز مناصب وزارية في هذه الحكومة عل غرار حكومات سابقة، والبعض يصف الوضع بأنه دولة داخل دولة وقد شفط مليارات الدولارات الذي كان من المفترض ان تدخل الى خزينة الدولة حتى تتمكن الحكومة من توفير الخدمات الأساسية للشعب اللبناني، اذا أعاق الحزب بعض الإصلاحات الاقتصادية التي يعتبر الاقتصاد اللبناني في امس الحاجة اليها".

خاص صفعة القضاء على وجه شيا .. "جيش السفيرة" يبدأ الهجوم

أما عن الحكومة اللبنانية فقالت شيا "الطريقة التي تشكلت بها الحكومة بعثت على القلق وعلى حد اعتقادي كان حزب الله اول من يدعمها ولا تزال لدينا تحفظات على هذه الحكومة وعلاوة على ذلك لم نرى بعد ما كنا نأمله من هذه الحكومة من حيث اتخاذها الخطوات الملموسة لتنفيذ إصلاحات التي يعتبر الاقتصاد اللبناني بأمس الحاجة اليها.

وتجاوزت شيا دورها كسفيرة وتدخلت أيضاً في تعيين نواب حاكم مصرف لبنان، إذ قالت:" لقد بذلت قصارى جهدي لنقل رسالة تؤكد أهمية تعيين خبراء يتمتعون بالمصداقية والاحترام في العالم في البنك المركزي أن التعيينات التي تقوم على أساس الاعتبارات السياسية المعتادة لن تساعد على تعافي النظام الاقتصادي والمالي الذي اثبت فشله في لبنان كما انها لن تؤدي الى إعادة بناء الثقة"، مضيفة "ان حزب الله بتهديداته وافعاله يزعزع لبنان ويعرض تعافي الاقتصاد اللبناني للخطر".

 

ان ارتكزنا على هذا الجزء فقط من مقابلة السفيرة لوجدنا تدخلا سافرا في شؤون البلد فليس من عمل السفير أن يقول للدولة المضيفة ما عليها فعله لإصلاح وضعها الاقتصادي، كما انه لا يحق لأي سفير دولة مهما علا شانه ان يحدد ما يصب في مصلحة هذه الدولة وما يعرضها للخطر،  كما أنه لا يحق لأي سفير أن يدعم أي حركة احتجاجية في أي دولة في العالم، الى جانب عدم احقية السفير التحدث عن شؤون دولة أخرى بهذه الطريقة عبر وسائل الاعلام.

من جهة أخرى، يشكل كلام السفيرة عن حزب الله، إساءة تستوجب الرفض، فان كنا نوافق او نعارض سياسة وتوجهات حزب الله في لبنان وخارجه لا يحق لأي سفير ان يتحدث عن أي حزب في دولة ويصفه بالإرهابي والفاسد والذي يشفط أموال الدولة وحدها الدولة المعنية لها الحق بالتعاطي مع شؤون هذا الحزب ومحاسبته.

والأمر حساسية، هو أن الحزب يمثل شريحة واسعة من اللبنانيين تمثيلا نيابيا وليس شعبيا فقط وبالتالي توصيفه بالإرهابي هو توصيف لجزء كبير من الشعب اللبناني.

وقد نصت المادة 41 من  اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام  1961 على أنه مع عدم المساس بالمزايا والحصانات على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة. وهذا ما لم تلتزم به السفيرة.

وتضيف المادة أيضاً: "كل المسائل الرسمية المعهود بحثها لبعثة الدولة المعتمدة مع الدولة المعتمد لديها يجب أن تبحث مع وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها عن طريقها أو مع أي وزارة متفق عليها"، بينما السفيرة بحثت شؤون الدولة مع وسائل الاعلام.

اما المادة الثالثة من اتفاقية فيينا فقد حددت دور البعثة الديبلوماسية حيث  تشمل أعمال البعثة الدبلوماسية ما يأتي:

أ- تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها.

ب- حماية مصالح الدولة المعتمدة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها في الحدود المقررة في القانون الدولي.

جـ- التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها.

د- التعرف بكل الوسائل المشروعة على ظروف وتطور الأحداث في الدولة المعتمد لديها وعمل التقارير عن ذلك لحكومة الدول المعتمدة.

هـ- تهيئة علاقات الصداقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها.

و- لا يفسر أي نص من نصوص هذه الاتفاقية بأنه يحرم البعثة الدبلوماسية من مباشرة الأعمال القنصلية.

وبالتالي ينحصر دور السفير في البلد المضيف بكتابة التقارير والاطلاع على أوضاع البلد ونقل هذه التقارير الى دولته فقط دون إعطاء توجيهات للمعنيين في الدولة أو التحدث عن مخاوف فمخاوفه هذه يجب حصرها في تقريره فقط وليس نقلها الى العلن.

وبالتالي يتضح لنا ان السفيرة الأميركية قد خرقت فعلا بنود اتفاقية فيينا من حيث الشكل والمضمون الا ان لبنان قد تعود على خروقات مشابهة منذ الحرب الاهلية حتى يومنا هذا حيث تتدخل الدول في شؤون بلادنا الداخلية بعدة ذرائع "اما مساعدات، اما حق الشعوب في تقرير مصيرها، اما حقوق الانسان ، اما حجة الإرهاب..."، فلا تنفك وتخرق سيادة بلدنا في الوقت الذي تنصاع فيه الأحزاب اللبنانية ورؤساء الكتل اللبنانية والرؤساء الثلاثة لأوامر ومطالب هذه الدول لأنها جزء من محور هذه الدول وهذه الاخيرة هي ضمانة لبقائها في الحكم .

النهضة نيوز - بيروت