استهداف منشأة

تقارير وحوارات

"إسرائيل" تدخل الحلبة الإيرانية.. "طهران" أمام استحقاق الرد المكلف  

يوسف فارس

10 تموز 2020 04:42

لم يعد بإمكان إيران التجاهل لا متاح لـ إسرائيل ادعاء السذاجة أمام نمطية الانفجارات التي طالت على نحو متتابع عددا من المنشآت ذات الطابع العسكري في مناطق مختلفة من البلاد آخر تلك الانفجارات و

لم يعد بإمكان إيران التجاهل، ولا متاح  لـ "إسرائيل" ادعاء السذاجة، أمام نمطية الانفجارات التي طالت على نحو متتابع عدداً من المنشآت ذات الطابع العسكري في مناطق مختلفة من البلاد.

آخر تلك الانفجارات، وقع ليلة اليوم الجمعة، وطال وفق ما زعمت وكالات أنباء دولية "منشأة لصناعة الصواريخ غرب العاصمة طهران"، ورغم أن التدقيق في صدقية المعلومات التي نقلتها وسائل الإعلام الأمريكية يظهر لغطاً في التفاصيل الواردة، إلا أن ما هو مؤكد، أن انفجار الليلة، هو حلقة من ذات السلسلة التي ستقر إيران في وقت ما، أنه استهدف هدف يحمل طابعاً أمنياً.

انفجار اليوم هو السادس في سلسلة الأحداث التي بدأت في 26 حزيران الماضي، وطال منشأة لإنتاج الصواريخ في منطقة "خجير"، تبعه خمسة انفجارات أخرى، في بارشين وسينا أطهر وتجريش ثم في منشأة "نطنز" النووية.

ولعل انفجار "نطنز" بكل ما تحمله المنشأة النووية من خصوصية، كشف على شاكلة جلية، البصمات الأمريكية الإسرائيلية في الحدث، إذ أن المنشأة النووية المستهدفة، هي واحده من أهم المنشآت الإيرانية، التي تحوي أجهزة طرد مركزي حديثة، أقرت إيران أن خسائرها فيها كبيرة.

دولة الاحتلال قابلت الأحداث الإيرانية بـ "الصمت" في بداية الأمر، لكن وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان، خرج عن المنظومة الأمنية حين ألمح بدور الجيش الإسرائيلي في استهداف قاعدة نطنز، فقد صرح ليبرمان بالقول: بأن مسؤولاً أمنياً بارزاً في الجيش أعلن أن دولة الاحتلال تقف وراء استهداف منشأة نطنز".

تلك التصريحات أثارت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ أمر ليبرمان بأن "يخرس".

ومهما يكن من أمر، لم يعد من شك، أن ثمة أيادي إسرائيلية وأمريكية تعبث في الميدان الإيراني بشكل نوعي، ونعني بنوعي، هو الطريقة التي تدار فيها تلك العمليات، التي يبدو أن هدفها توصيل رسائل ردعية لبرنامج إيران الصاروخي والنووي، بآلية لا تقود إلى الحرب أو حتى إلى المواجهة.

وهنا، تشير كافة التحليلات، إلى أن الانفجارات التي عاشتها العاصمة الإيرانية على مدار الأيام العشرين الماضية، قد تكون نتاج هجوم هجين، يجمع بين تقنية الهجوم السيبراني و الحرب التكنولوجية التي تستخدم وسائلاً متطورة لا تترك أي بصمات للفاعل، ولعل أفضل الطرق التي تستخدمها إسرائيل في هذا الصدد، هي طائرات "الكواد كابتر" وهي احدى طرازات "الدرونز" التي سبق وجربت استخدمها في ضاحية بيروت، وأيضاً، استخدمتها في الهجوم على مخازن صواريخ تعود ملكيتها للحشد الشعبي العراقي العام الماضي.

2020761530854637295943308546487.jpg
 

ماذا يعني كل ذلك؟

يعني ذلك أن البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني، أصبح يشكل أولوية كبيرة لدى دولة الاحتلال، التي قررت تسكين ملف ضم الضفة الغربية، أو تمريره على نحوٍ غير صدامي، بآلية فرض الوقائع على الأرض، والتفرغ للإنجاز في الملف الإيراني الذي خرج عن السيطرة.

تعلم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تعمل في الملف الإيراني، أن سياسية "الضغط الأقصى" لن تجهض المشروعين الصاروخي والنووي، لكن ما هو في المقدور، هو تخيف عجلة التسارع، وتأخير الإنجاز قدر المستطاع.
خصوصاً ان "كرت البلانش" الذي توفره الإدارة الأمريكية الحالية في العمل ضد إيران، لن يكون مفتوحاً في حال خسر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعركة الانتخابية المقبلة، التي يتبنى خصمه فيها "جو بايدن" سياسات أكثر نعومة في التعاطي مع الملف الإيراني.

هنا تشير مجموعة من المعلومات المتضاربة، إلى أن "السعار" الإسرائيلي دافعه هو وجود مخطط بدأ الحرس الثوري الإيراني للعمل عليه، من شأنه أن يحدث نقلة نوعية كبيرة في قدرات الصواريخ البالستية، ليس على مستوى المدى، إنما على صعيد الدقة والقدرة التدميرية، إذ ترى "تل أبيب" أن هذا التطور خط أحمر، لا بد أن يجهض، كما أن آلية إجهاضه لا ينبغي أن تقود إلى الصدام المباشر.

ثمة أهداف أخرى تريدها إسرائيل وإلى جانبها الولايات المتحدة الأمريكية من كل تلك الأحداث، وتندرج تلك في إطار استراتيجية الضغط الأقصى، وتتمثل في البعد النفسي الذي تعزف على أوتاره الصحف الأمريكية والإسرائيلية، حيث تضع تلك الهجمات الغامضة، إيران في موقف حرج جداً، لجهة بحثها عن آلية الرد عليها.



وفي السياق النفسي ذاته، يجبرنا التأمل في توقيت تلك الضربات إلى ربطها بحالة "النشوة" التي خلفتها كسر ناقلات النفط الإيرانية للحظر الأمريكي على فنزويلا، ووصولها مطلع حزيران الماضي إلى موانئ كاراكاس، الحدث الذي أظهر محدودية الفعل الأمريكي أمام العزم الإيراني على الرد، شجع البلدين إلى مزيد من الخطوات الثورية التي من شأنها زيادة حالة الندية للولايات المتحدة.

ربما تريد كل من أمريكا وإسرائيل، تحقيق حالة من توازن الهزيمة النفسية في المحور الإيراني.

20207611058644637295946586442092.jpg
 

ماذا على إيران أن تفعل؟

أخطر ما تحمله تلك الهجمات، هو غياب المسؤولية وضياع هوية الفاعل، هي تضع الخصم في امتحان "عزم وإرادة"؛ ففي حال امتلاكه دليلاً يشير إلى المتهم، سيكون مضطراً إلى واحدٍ من خيارين، إما الإعلان عن الفاعل، وهذا يقتضي الرد، وتلك مشكلة، أو امتصاص الضربة، وهذه مشكلة أخرى.

كل الخيارات التي تعيشها "إيران" صعبة، صحيح أن قرار الرد بالمثل، يعزز توازن الردع القائم بين دولة الاحتلال وإيران، ويعصم الداخل الإيراني من هجمات مماثلة، إلا أن قراراً كهذا، يفتح الباب واسعاً للتساؤل عن آلية وطبيعته وحدوده، وحجمه الذي يجب أن لا يقود إلى مواجهة لا أحد يريدها في الوقت الحالي.

أما قرار امتصاص الضربة، فهو إعلان "مكلف" جداً، وتوقيع خطي لـ "إسرائيل" بتكرار تجربتها في سورية، تلك التجربة التي يمكن أن تكون مفهومة في سياق ظروف الحرب التي عاشتها البلاد، واستغلال إسرائيل لها، لكنها لن تكون مستوعبة في "إيران"، هي "تهشم" وتضرب حالة الاقتدار التي تتباهى بها الجمهورية الإسلامية، وتجعل من البلاد، ملعباً فسيحاً للموساد، وتدخل المحور برمته في إطار حرب باردة، لن يستنزف فيها أحد سواه.

 

 

النهضة نيوز - بيروت