الرأي

مصر وسد النهضة الإثيوبي .. آآخ لو كان هناك تضامن عربي

يوسف فارس

24 تموز 2020 04:00

تتصرف الحكومة الإثيوبية اليوم وكأنها أزعر القرن الإفريقي ت فشل القمم المتتابعة مع مصر والسودان تطلق التصريحات الاستفزازية النيل لنا تبدأ بملء سد النهضة بشكل أحادي دون أدنى مراعاة لحصة الدول


تتصرف الحكومة الإثيوبية اليوم، وكأنها "أزعر القرن الإفريقي"، تُفشل القمم المتتابعة مع مصر والسودان، تطلق التصريحات الاستفزازية: "النيل لنا"، تبدأ بملء سد النهضة بشكل أحادي دون أدنى مراعاة لحصة الدول الشركاء من المياه، التي تمثل عصب البقاء بالنسبة لهم.

وأمام كل تلك الوقائع، تقف "القاهرة" أمام تحديات المواجهة، فلا هي قادرة على الفعل العسكري، ولا تسعفها الحلول السياسية في كبح جماح الجنون الإثيوبي.

المدركون لحقيقة الأمور، يعلمون أن "أم الدنيا" ستعاني في غضون سنوات قليلة، من شح قاسٍ في مياه الشرب، إذ أنه مع بداية ملء خزان السد بـقرابة 65 مليار متر معكب، فإن حصة مصر من مياه النيل ستتقلص بما نسبته 19%، علماً أن كمية المياه التي سيملأ بها السد، تمثل حصة مصر السنوية من مياه النيل.

ومعنى ذلك، فإنه، إذا كان المصريون سيستطيعون الاستفادة من مياه النيل للشرب في  المنظور القريب، فإنه وعلى المدى البعيد، لن يستطيعوا استخدام المياه لكافة المجالات الحيوية الأخرى، ومنها الزراعة وتوليد الكهرباء!

كل تلك المخاطر النسبية التي تضرب في الوقت الراهن في استقرار "الجارة العربية الكبرى"، يمكن أن تشكل خطراً وجودياً على البلاد في المستقبل؛ لأنه من المعروف سلفاً، أن استقرار النيل، يعني استقرار مصر.


ماذا في السياسية؟

يبدو من المثير للحسرة أن ينتظر المصريون ردة فعل أمريكية على اثيوبيا "عقوبات أو تقليل مساعدات" رداً على مضيها في بناء السد، جهود الإدارة الأمريكية في المرحلة الحالية خادعة وخبيثة، هي تريد تخدير الدولة المصرية، واحتواء ردود الفعل العنيفة التي يمكن أن يقود إليها يأس التفاوض مع إثيوبيا.


كما أن السخرية من توقع موقفاً أمريكيا بحق الحكومة الإثيوبية يبدو شعوراً وجيهاً، إذا ما علمنا، أن مشروع بناء السد الإثيوبي الكبير، في تلك النقطة التي تصيب مصر في مقتل، هو مشروع أمريكي في الأساس، فبين عامي 1956 – 1964 قدم مكتب الاستصلاح الأمريكي مقترحاً حمل عنوان: " السدود الأربعة"، ووفقاً لبيانات المكتب الأمريكي الذي يعرف اختصاراً بـ "USBR" والمصنف كأحد إدارات الخارجية الأمريكية، فقد قُدم مشروع سد النهضة، وحدد مكان بناؤه بعناية، منذ الستينيات، ولعل العصر الفتي في عمر مصر القومية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، لم يكن يسمح بتحوله إلى واقع، أو حتى التلويح فيه كمشروع نظري.


تبدو "أم الدنيا" اليوم في موقف لا يحمد عقباه، هي وحيدة وسط عاصفة من التحديات، في ليبيا وسيناء وإثيوبيا، ولا يبدو أن الإيقاع الموسيقى التي يتخذه مسار الأحداث مفاجئاً، في تركيا "سلطان" يتباهى بفائض قوته، ويتوق للتوسع في شرق المتوسط وشمال سوريا، وفي اتجاهات ليبيا الأربع، وحين تلوح مصر بالقوة، يضرب الإرهاب الجيش المصري في سيناء، وفي بلاد الحبشة، يتصرف الإثيوبيون الذين يحققون مشيئة إسرائيلية أمريكية في بناء سدهم، كأنهم إله القارة السمراء.


ولكن ماذا عن التضامن العربي .. آخ !

لا أحد يريد مصر قوية، حتى إن أصبح نظامها السياسي متصالحاً مع المجتمع الدولي، المخطط الذي يحاك بعناية، يدرك حجم البلاد التي لعبت طوال عصور دور "نداهة اليتيم العربي"، العرب لم يعودوا عرباً، يعدينا الحدث القائم، إلى سيناريو مماثل، حدث في عصر الرئيس المرحوم جمال عبد الناصر، في عام 1960، خلال ولاية الرئيس الأمريكي جون كيندي، أصدر الأخير قراراً بعدم تفريغ حمولة باخرة مصرية كانت محملة بالقطن في ميناء مدينة "نيويورك"، وكان من المفترض، أن تفرّغ السفينة المصرية حمولتها من القطن، وتعود إلى البلاد محملة بالقمح، آنذاك، أراد اللوبي الصهيوني أن يضغط على مصر؛ لانتزاع موقفٍ أكثر برغماتية تجاه السلام مع "إسرائيل" وتتراجع عن أداء دورها القومي في شحن دول العالم الثالث ضد المشروع الصهيوني في المنطقة، وكان القمح هو الوسيلة، فلو لم تصل الباخرة المصرية المحملة بالقمح بعد أسبوعين، فستدخل البلاد بين فكي مجاعة الخبز.


رست السفينة التي كانت تدعى "كليوباترا" حينها في ميناء نيويورك، وقد أبلغ طاقمها بالقرار الأمريكي بوقف تفريغ حمولتها، وخلال ساعات كان الخبر قد وصل للرئيس المصري جمال عبد الناصر، فما كان من الأخير، إلا أن توجه مسرعاً إلى مبنى الإذاعة المصرية، وألقى خطاباً طالب فيه جميع عمال الموانئ العربية، بوقف تفريغ حمولة سفن الشحن الأمريكية، وفي غضون ثلاث ساعات، كانت هناك ثمانون سفينة أمريكية ترسوا في الموانئ العربية، وقد رفض العمال تفريغ حمولتها.

أصبح خطاب الرئيس عبد الناصر، قرار سارِ النفاذ، من طنجة حتى البصرة، وحتى الحكومات العربية الخليجية التي كانت مختلفة مع عبد الناصر سياسياً، وجدت أنه من العار أن تكسر حالة التضامن القائمة.

تذكر صحيفة "نيويورك تايمز" أن الرئيس الأمريكي كيندي أمر في ذات اليوم الذي ألقى فيه الرئيس المصري خطابه 15-4-1960، بتفريغ السفينة المصرية.


واليوم، ليست البلاد التي تمتلك أقوى جيش عربي، بحاجة لأحد ليقاتل نيابة عنها إذا ما فرضت الحرب، التضامن العربي كافٍ في ارغام "بلد الوجود المظلمة" كما كان يسمى تاريخياً، بوقف استكباره.



 

 

النهضة نيوز - بيروت

ملاحظة: الٓاراء السياسية الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن موقف "النهضة نيوز"