أزمة لبنان

تقارير وحوارات

صحيفة أمريكية: لبنان على حافة الهاوية.. نحو فراغ أمني يملأه التطرف

3 آب 2020 15:58

سلط تقرير نشرته " وكالة شارلوت أوبزيرفر" الأمريكية الضوء على الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها لبنان. ورأت الوكالة أن لبنان يقف اليوم على حافة الهاوية متجهاً إلى الانهيار الفعلي، حيث أن كل ا

سلط تقرير نشرته " وكالة شارلوت أوبزيرفر" الأمريكية الضوء على الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تعيشها لبنان.

ورأت الوكالة أن لبنان يقف اليوم على حافة الهاوية متجهاً إلى الانهيار الفعلي، حيث أن كل الجهود لم تفلح في مكافحة الفساد، كما أنه لا أحد من المانحين التقليدين مستعد لمد يد المساعدة للبلاد، حيث السعودية ودول المجتمع الدولي، ترى في الحكومة القائمة، واحدة من افرازات حزب الله.

 وفيما يلي نص التقرير الذي ترجمته "النهضة نيوز" كاملاً:

في ظل انقطاع التيار الكهرباء الذي يصل إلى 20 ساعة في اليوم، وتكدس جبال من القمامة في الشوارع و الطرقات، و الطوابير الطويلة من الأشخاص بالقرب من محطات الوقود، يبدو أن هذا الصيف سيكون صيفا قاسيا على لبنان، البلد الذي اعتاد على مواجهة البنية التحتية المتداعية و هو يتنقل من كارثة إلى أخرى.

لكن الأمر مختلف هذه المرة ، فقد أصبح كل يوم يجلب معه اشارات أكثر قتامة من اليوم الذي سبقه، فنادرا ما عاش لبنان هذه الحالة خلال أزماته السابقة، حيث شهد لبنان مؤخرا عمليات التسريح الجماعي، و المستشفيات أصبحت مهددة بالإغلاق و المحلات التجارية و المطاعم أقفلت أبوابها، ومستوى الجرائم التي يقوم بها العديد من الناس بدافع اليأس ارتفع، و الجيش لم يعد قادرا على إطعام جنوده، والمستودعات تبيع الدواجن منتهية الصلاحية أيضا.

حيث يبدو أن لبنان يندفع نحو نقطة حرجة و بسرعة مقلقة و مدفوعة بالفساد المالي و انهيار المؤسسات و التضخم المفرط و الفقر المتزايد بسرعة ، بالإضافة إلى تفشي جائحة فيروس كورونا التاجي المستجد .

كما و يهدد الانهيار بتحطيم أمة ينظر إليها على أنها نموذج للتنوع و المرونة في العالم العربي، و ربما تفتح الباب أمام الفوضى أيضا . حيث يقلق اللبنانيون من الانهيار الشديد الذي وصلت إليه البلاد لدرجة أنه قد يغير التنوع الثقافي في الدولة المتوسطية الصغيرة و روح المبادرة التي لا مثيل لها في الشرق الأوسط إلى الأبد .

في الماضي ، كان لبنان قادرا جزئيا على إلقاء اللوم على اضطرابه على الغرباء، فبوجود 18 طائفة دينية، و حكومة مركزية ضعيفة ، و جيران أكثر قوة ، كان دائم عالقا في تنافسات إقليمية تؤدي إلى الشلل السياسي أو العنف أو كليهما . حيث أن حربها الأهلية التي استمرت ما بين عامي 1975-1990 جعلت كلمة "بيروت" مرادفة لدمار الحرب و أنتجت جيلا من أمراء الحرب الذين تحولوا إلى سياسيين لم يتمكن لبنان من التخلص منهم حتى يومنا هذا .

و منذ انتهاء الحرب ، عانت البلاد من تدخل سوري و نزاع متكرر مع "إسرائيل" و نوبات من القتال الطائفي و الاغتيالات السياسية و الأزمات الاقتصادية المختلفة ، بالإضافة إلى تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري بسبب الحرب الأهلية السورية المجاورة . كما أن وجود جماعة حزب الله القوية المدعومة من إيران ، و التي تم إنشاؤها في الثمانينيات لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي ، يضمن أن الدولة ستبقى عالقة في صراع السيادة بين القوى العظمى الإقليمية ، المتمثلة في إيران و المملكة العربية السعودية .

لكن الأزمة الحالية هي إلى حد كبير من صنع لبنان نفسه ، و التي تأتي تتويجا لعقود من الفساد و الجشع من قبل طبقة سياسية نهبت تقريبا كل قطاع من قطاعات الاقتصاد في البلاد .

فلسنوات طويلة ، تجنبت الدولة الانهيار بأعجوبة حتى عندما تراكمت الديون عليها لتمتلك أثقل أعباء الدين العام في العالم . كما و خصص النظام الطائفي لتقاسم السلطة المناصب العليا وفقا للطائفة بدلا من المؤهلات ، مما سمح بدوره للسياسيين بالبقاء من خلال الانخراط في المحسوبية و رعاية مجتمعاتهم و مناصريهم .

يقول مروان المعشر وهو نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في حديث أخير نظمه مركز السياسة العالمية : " إن إحدى المشاكل في لبنان هي أن الفساد أصبح ديمقراطيا ، و لا يتركز على رجل واحد ، لقد إنتهى كل شيء . إن كل طائفة لديها قطاع من الاقتصاد تسيطر عليه و تستمد الأموال منه ، حتى تتمكن من إبقاء طائفتها سعيدة و راضية عنها ".

وصلت المشاكل في لبنان إلى ذروتها في أواخر عام 2019 ، عندما اندلعت احتجاجات على الصعيد الوطني بسبب نية الحكومة في فرض ضريبة على تطبيق رسائل WhatsApp ، الذي ينظر إليه على أنه القشة الأخيرة التي قسمت ظهر البعير للأشخاص الذين سئموا من ساستهم . و قد تسببت تلك الاحتجاجات في إغلاق البنوك لمدة أسبوعين ،  تبعه هجوم جريء على البنوك ثم الضوابط غير الرسمية على رأس المال التي حدت من عمليات سحب أو تحويل عملات الدولار .

كما أنه في ظل نقص في العملات الأجنبية ، خسرت الليرة اللبنانية 80٪ من قيمتها في السوق السوداء ، و شهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية و السلع الأخرى ارتفاعا حادا و غير مسبوقا ، بالإضافة إلى تبخر مدخرات المواطنين في البنوك ما أغرق العديد من المواطنين في فقر مفاجئ .

كما و كتبت مها يحيى ، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط : " إن انهيار لبنان يمثل انهيارا ملحميا له تأثير كبير على الأجيال القادمة و الحالية . حيث أن أن الركائز التي دأبت على حماية لبنان من الانهيار بدأت تتداعى ، بما في ذلك حريات العلامات التجارية و دورها كمركز للسياحة و الخدمات المالية ، بالإضافة إلى محو الطبقة الوسطى . فإذا ترك لبنان بمفرده ، فقد يصل في غضون أشهر إلى نقطة لن يكون قادرا فيها على تأمين احتياجات مواطنيه الأساسية مثل الوقود و الكهرباء و الإنترنت أو حتى الطعام ".

بالفعل ، هناك دلائل تشير إلى دفع البلاد نحو أزمة الجوع خانقة ، بالإضافة إلى مخاوف من الانهيار الأمني أيضا ، فقد انخفضت القوة الشرائية لمرتب الجنود العاديين بالدولار من حوالي 900 دولار إلى 150 دولارا في الشهر . و بالمثل ، شهد موظفو القطاع العام محو رواتبهم أو خسفها بشكل مماثل أيضا ، على عكس الأزمات السابقة عندما جاءت الدول العربية الغنية بالنفط و المانحون الدوليون لإنقاذ الوضع ، فهذه المرة لبنان يقف وحده في مواجهة الأزمات .

كما أن الأمر لا يقتصر على انشغال العالم بأزماته الاقتصادية الخاصة ، بل أن أصدقاء لبنان التقليديين لم يعودوا مستعدين لمساعدة بلد غارق بالفساد ، خاصة بعد أن تخلفت الدولة عن سداد ديونها في شهر أبريل الماضي . علاوة على ذلك ، تقود البلاد حكومة مدعومة من حزب الله ، مما يجعل من غير المرجح أن تأتي دول الخليج إلى الإنقاذ كونها تعتبر "حزب الله تنظيما إرهابيا" . مما يجعل الأمل الوحيد للبنان هو إنقاذ صندوق النقد الدولي ، لكن أشهرا طويلة من المفاوضات لم تسفر عن شيء .

بالإضافة إلى ذلك ، لم يكن وزير الخارجية الفرنسي خلال رحلته الأخيرة إلى بيروت واضحا تماما في في أقواله عندما قال أنه لن يتم مساعدة لبنان قبل اتخاذ إجراءات إصلاحية موثوقة ، مكررا : " ساعدونا لنساعدكم ! ".

و لكن يبدو أن تلك الكلمات قد سقطت إلى حد كبير على آذان صماء ، فلا يستطيع السياسيون اللبنانيون الاتفاق على حجم خسائر الحكومة ، ناهيك عن تنفيذ الإصلاحات لإنهاء الفساد الذي يستفيدون منه منذ عقود .

و الجدير بالذكر أن الانهيار الكامل للبنان يهدد المنطقة ككل ، مما قد يؤدي إلى فراغات أمنية يمكن استغلالها من قبل المتطرفين .

فقد قالت منى يعقوبيان ، كبيرة مستشاري نائب الرئيس لشؤون الشرق الأوسط و أفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام ، في مقال نشر لها عبر صحيفة The Hill الأمريكية ، أن الانهيار التام في لبنان يمكن أن يثير تدفقات جديدة للاجئين إلى أوروبا و يضيف المزيد من الاضطرابات إلى عدم الاستقرار الممتد من سوريا إلى العراق ، بالإضافة إلى تداعيات سلبية على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة . و في ضوء المخاطر الراهنة ، لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تجاهل الانهيار الوشيك للبنان كما تدعي ، خاصة و أن لبنان يتجه بسرعة نحو السيناريو الأسوأ ليصبح دولة فاشلة و منهارة في شرق البحر الأبيض المتوسط  .

النهضة نيوز - ترجمة خاصة