ثقافة وأدب

المرأة في حياة بدر شاكر السيّاب

الحسام محيي الدين

24 نيسان 2019 13:38

في " جيكور"  القريةِ المتواضعةِ جنوبي العراق تآلف بدر شاكر السيّاب طفلاً لمّا يرشد بعد مع " بوَيب " النَّهر وهوَ يعبرُ قريته الجميلة ، فلَهَى فوقَ ضفَّتَيه وفي مناحي قريته الوديعة أميناً من طوارقِ دهر

في " جيكور"  القريةِ المتواضعةِ جنوبي العراق تآلف بدر شاكر السيّاب طفلاً لمّا يرشد بعد مع " بوَيب " النَّهر وهوَ يعبرُ قريته الجميلة ، فلَهَى فوقَ ضفَّتَيه وفي مناحي قريته الوديعة أميناً من طوارقِ دهره وحدثانه ، وظلَّ " بويبُ" جدولاً خصيباً وثيقَ الصِّلَة ببدر الشاعر وبقصائده البديعة حتى أواخر أيامه ، يستثيرُ به كوامِنَ اشتياقه الى " جيكور " كلما حنّ اليها . أما النخيل فلا يقِلُّ التصاقاً عن " بُويب" بوجدان " السيّاب " ومن ثمَّ أيضاً " بميزات شِعره من حيث ازدهرت دلالاته المتنوعة فيه ، ولا غرو بذلك  فكلمة السيّاب نفسها - ولو صدفةً – تعني البلح الأخضر ". 

وفي " جيكور " ذكرياتٌ جميلة  : فعدا  بويب والنخيل كان " منزل الاقنان " بيت جده ، ملهاه ومرتع طفولته البريئة في ظل والديه ، وبين أقرانه . وجيكور أيضاً تحفر مساحةً واسعةً في بدر الصغير لتركيز طفولته في اطارها الطبيعي حتى عامه السادس حيث توفيت والدته " كريمة " وهو لم يرتوِ بعد من تحنانها الغضّ وعطفها المُطَمْئِن لمن ضنّ عليه دهره بتمام طفولته كما يجب وهي ما تزال في قمة شبابها وذروة عطائها الأمومي لأمثال بدر الطفل الصغير ، لينتقلَ الى حضْنِ جدتهِ كأُمٍّ ثانية قد تعوضُّه حنانها ، فانطوى وآثر اللّوذ بها بعد مصابه المعتمل قلباً وعقلاً بفقدان الأم ، محوّلاً حياته الى مسلك مختلف ومخالف لطبيعة الدنيا من حوله التي يعيشها بقية رفاقه ، غير أنها توفيت هي الاخرى مما أورثهُ  حسرةً ولوعةً متلازمتين جرّاء ذلك .  هذا الإرث من اليُتْم هو تَرِكَةُ القَدَر التي أثقلتْ شاعرنا منذ صغره بشجون وشؤون معاناته التي كبرتْ معه حرماناً  ينسحبُ على نواحي حياته القصيرة التي لم يخرج فيها  من دائرة الحرمان المتواصل من مُطْلقِ اعتمالٍ عاطفي تجاهه في صدر فتاةٍ ما حبيبةً كانت او صديقة يحبُّها وتُحِبُّه ، فترفلُ أحاسيسُهُ بعشقها الغضّ ، هو الباحث عن لفتةٍ هنا او بسمةٍ هناك تزرعُ فيه الهوى وتشبِعُ فيه جوعَ الولَه ، ليحيا مجدداً بمعية  الفقر العاطفي مع بداية ونهاية كل علاقةٍ نسائيةٍ مرَّ بها . إلى الزوجة التي  أسبغَتْ عليهِ منَ الحنان والمودة ما كسَرَ لعنة الحرمان العاطفي في حياته الى حدٍّ ما ، وعوَّضَتْهُ ما حُرِمَ من حنان الام وحُبِّ الحبيبة سابقاً بصبرٍ ووفاء . 

كان  " لِبدر شاكر السياب " شاعرالحداثة العراقي المُبدع مواقفَ من خيباتٍ وآمال مع المرأة الأم ، والمرأة الحبيبة ، والمرأة الزوجة ، وهي محاور ثلاثة مما سيدور البحث عليه بتسلسلٍ لاحق .