أخبار

مجلس النواب المصري أمام استحقاق الموازنة.. سيناريو الغلاء والإفقار

بدأ مجلس النواب المصري مناقشة الموازنة العامة للدولة، لسنة 2018/2019، عقب أسابيع من نهاية استحقاق انتخابي، خرج بشكل لا يبشر بخير على مستقبل مصر المأزومة، وتأتي الموازنة الجديدة شبيهة بالانتخابات التمث

بدأ مجلس النواب المصري مناقشة الموازنة العامة للدولة، لسنة 2018/2019، عقب أسابيع من نهاية استحقاق انتخابي، خرج بشكل لا يبشر بخير على مستقبل مصر المأزومة، وتأتي الموازنة الجديدة شبيهة بالانتخابات التمثيلية، سواء في وجود طبقة من المستفيدين تسعى للتمرير، وهي ستمر بالتأكيد، وأغلبية ساحقة تأكلها نار العجز، عن وقف سيناريو الغلاء والإفقار.

الموازنة الجديدة تخرج من صلب سياسات الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، فإذا بالصورة تخرج من المشهد، ويأتي البديل بعد تقلبات سياسية، أسوأ من أسوأ سنوات مبارك، خاصة الأخيرة، التي ترك فيها إدارة شؤون الدولة كليًا للجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، التي سيطر عليها نجله، أو الوريث المفترض، وتأتي أيضًا انبطاحًا كاملًا أمام رغبات مسؤولي صندوق النقد الدولي، الحكام الجدد لمصر.

وقبل عرض بعض الأرقام المهمة، الدالة على العقلية المسيطرة على أركان الدولة المصرية، لا بد وأن نقول إن دولة بحجم مصر وبعمق أزماتها، وعلى رأسها الفقر المقترن بسوء توزيع الثروة، إلى حد الإجرام، يصير الحكم البات على أي سياسة اقتصادية فيها بحكم مصالح الطبقات الفقيرة، التي تبلغ طبقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء –حكومي- أكثر من 27% من عدد السكان، وهو رقم مجافٍ للحقيقة بالأصل، إذا ما وضعنا في الاعتبار نسب التضخم المنفلتة طوال سنة ونصف، تلت عملية تحرير سعر صرف الجنيه المصري.

الموازنة المصرية الجديدة تعتمد كليًا وتمامًا على الضرائب، إذ فضلت الحكومة جني الأموال لمقابلة الزيادة الهائلة في فوائد ديونها الخارجية والداخلية من جيوب المصريين، وتبلغ الحصيلة الضريبية المقدرة للعام المالي الجديد نحو 770 مليار جنيه، بنسبة 77.8% من إيرادات الموازنة، بزيادة ضخمة عن العام الحالي، والبالغة 603 مليارات فقط، وهو رقم يؤشر لغياب أي بدائل أمام الحكومة سوى جيوب المواطنين.

الأزمة الكبرى في الضرائب المصرية أنها ضرائب غير مباشرة، أو التي يفضل أغلب الاقتصاديين تسميتها بالضرائب العمياء، لأنها لا تفرق بين مواطن وآخر، وهي بالتأكيد تُفرض على الجميع، في تغييب كامل لقيمة العدالة، التي من المفترض أن تُحمل القادرين أعباء تتناسب مع دخولهم، وتراعي القدرة بين الممولين، فلا تساوي بين من يكون دخله بضعة آلاف من الجنيهات سنويًا ومن يمتلك الملايين والمليارات.

الأغرب من اتجاه النظام إلى الاعتماد الحالي على الضرائب، كوسيلة وحيدة لمجابهة المصروفات، أنه يؤسس الاعتماد عليها مستقبلًا، إذ كشف البيان المالي للحكومة، عن خطط زيادة الحصيلة الضريبية نحو 50% بعد 3 سنوات، لتصل إلى 961 مليار جنيه في 2021، ثم إلى تريليون جنيه في العام الذي يليه، في سعي غريب نحو ربط المستقبل بسياسات ينعكس فشلها يوميًا على أحوال المواطن العادي، الذي يكتوي من سياسات الحكومة، المملاة من صندوق النقد.

الموازنة الجديدة تستهدف سداد فوائد على القروض بقيمة 541.3 مليار جنيه، ارتفاعا من 380 مليارًا في العام المالي الحالي، عقب تسبب سير الحكومة وراء روشتة صندوق النقد في ارتفاع الدين الخارجي إلى أكبر رقم تاريخي له على الإطلاق، ويبلغ 80.8 مليار دولار، بالإضافة لدين داخلي يقدر بـ 3.2 تريليون جنيه، وجاءت هذه الزيادات بلا أي أثر على المواطن، ولم توجه لمشروعات إنتاجية تساعد على سداد الفوائد أو أصل القروض.

أحد أهم جوانب الموازنة تتمثل في المبالغ المخصصة للخدمات العامة، كالصحة والتعليم، المثير أن مخصصات التعليم في مصر قد انخفضت بالأسعار الحقيقية، رغم زيادتها رقميًا، ليسجل القطاع المهم خروجًا جديدًا من إرادة الإصلاح، بعد أن همش الرئيس أهميته بالنسبة لنظام حكمه سابقًا، في جملة يحفظها كل مصري تندرًا "يعمل أيه التعليم في وطن ضايع"، وبالتالي لم يكن غريبًا أن يتراجع الاهتمام بالتعليم عامًا بعد الآخر.

ومع الإقرار المنتظر للموازنة، اختار النظام المصري أن يمرر قرار زيادة رواتب الوزراء والدبلوماسيين، وتمت الموافقة على القانون بمجلس النواب، وبأثر رجعي من 2015، رغم قيام الحكومة بالطعن على قرار زيادة معاشات المواطنين، والتي تبلغ جنيهات قليلة قبل أسابيع فقط، لتبرهن على اتجاهاتها الحقيقية، وهي أن ما يخرج من صندوق النقد صار أوامر لا تقبل المناقشة حتى، بل للتنفيذ فورًا، ولم يطالب الصندوق، ولم يهتم، في أي وقت بتحقيق العدالة بين عموم المواطنين، وزراء كانوا أم بسطاء.